عبد الرحمن آل رشي: الدراما التركية خدمتها الأصوات الشامية

ينتمي الفنان والممثل السوري (عبد الرحمن آل رشي) إلى جيل الفنانين المخضرمين والرواد الذين واكبوا انطلاقة الدراما التلفزيونية منذ بداياتها قبل أكثر من أربعين عاماً، وكغيره من أبناء جيله الفني أمثال الراحل نهاد قلعي ودريد لحام ورفيق سبيعي وعمر حجو، انطلق آل رشي من المسرح ومن ثم في الإذاعة والسينما ليستقر في التلفزيون وليقدم عبر مسيرته الفنية عشرات الأعمال الدرامية، ففي السينما شارك ببطولة عشرة أفلام سينمائية، وفي المسرح قدم أكثر من 15 عرضاً مسرحياً، وفي التلفزيون شارك في أكثر من 225 عملا تلفزيونياً خاصة تلك التي يعشقها والتي تنتمي للبيئة الشامية والدراما التاريخية، وكان آخرها دوره في عملين شاميين يتابعهما المشاهد حالياً على بعض الفضائيات العربية وهما: «أهل الراية» و«بيت جدي» في جزئه الأول.
كما تميز آل رشي بعشقه للغة العربية الفصحى وإجادته التحدث بها في الأعمال الدرامية والمسرحية والاجتماعية بشكل مميز. وفي حوار معه تحدث عبد الرحمن آل رشي لـ«الشرق الأوسط» عن أعماله الفنية الجديدة قائلا: أصور حالياً شخصيتي في الجزء الثاني من مسلسل بيت جدي وأجسد فيه شخصية المختار ولكن هناك تطور في مسيرة الشخصية درامياً حيث تخطط للتخلص من الأشخاص المزعجين مثل صبري (يؤدي دوره بسام كوسا) ورشدي بك (ويجسد الشخصية أسعد باشا) والمسلسل ينتمي للبيئة الشامية ويشابه الأعمال التي تتناول هذه البيئة، وبرأيي أن هذه الأعمال ستأخذ حدودها وتقف عندها وانتشارها حالياً لانحسار دور الرقيب إلى حد ما، ففي السابق كان هناك كتاب مبدعون يكتبون مسلسلات جيدة ومن البيئة الشامية ولكنهم عندما يقدمونها للرقابة يواجههم مراقب راسب في اللغة العربية وحاقد عليهم فيضع عشرين ملاحظة على نص الكاتب مما يضطره لعدم تكرار تقديم نصوصه مرة ثانية لأمثال هذا الرقيب، وتقدم بالتالي نصوص أقل جودة منها، وهكذا كان يوافق على مثل هذه النصوص الضعيفة، ولكن حالياً عادت النصوص الجيدة لتظهر بسبب غياب الرقيب غير المثقف والحاقد، والهدف الأساسي من هذه الأعمال هي إيصال بيئة الحارة الشامية للمشاهد العربي بلهجة يفهمها، وأشعر هنا أن اللهجة الشامية أقرب من كل اللهجات الأخرى للغة العربية الفصحى وحتى أقرب للهجات الموجودة في الدول العربية الأخرى. ولكن تعليق البعض على أن هناك صعوبة في فهم اللهجة الشامية يعود لوجود مخرجين ومنتجين يريدون تعقيد الأمور بإغراق لهجة المسلسل بمصطلحات صعبة على المتلقي العربي معتقدين أنهم يميزون أعمالهم وتنجح من خلالها وأنهم يقدمون اللهجة الشامية بشكلها القديم، وهذا كلام غير دقيق ولن تصل أعمالهم إلى الجمهور لأن الكلام إذا لم يكن مفهوماً فلن يصل مضمون المسلسل، والهدف الأساسي لأي عمل فني درامي هو وصول مضمونه للجمهور وليس المظهر فقط.
وأسأل الفنان آل رشي عن وجود أعمال قديمة تناولت البيئة الشامية ولكن لم تأخذ الشهرة التي حققتها الأعمال الشامية حالياً فأجاب: هذا صحيح وبرأيي أن السبب يعود للعبة الإنتاجية والتي تعتمد على المادة والحصول على المكاسب المادية.
وحول مشاركته في الفيلم التلفزيوني الجديد «عودة الروح» مع الممثلة والمخرجة ليلى عوض التي تخرج عملا فنياً لأول مرة قال آل رشي: الدراسة لا تكفي والأهم هنا الممارسة، والمثل الشعبي يقول «الممارس غلب الفارس» وخاصة إذا كان الممارس هاوياً لهذه الممارسة وليس مجبراً عليها ولذلك سيقتحم تجربته بقوة وبدون خوف وأنا مع هذه التجارب الجديدة وضد الخوف لأن الخائف والجائع لا يمكن أن يعطي قراراً سليماً، ومشاركتي في الفيلم لدعم هذه التجربة الجديدة لليلى عوض ولكل الفنانين الشباب المتميزين وأقدم أحياناً النصائح لهم أحياناً في المضمون فقط وليس في التقنيات فهذه من اختصاصهم وأنا منذ أول عمل تلفزيوني شاركت فيه وصورت دوري فيه لم أقل لمخرج العمل دعني أشاهد ماذا صورت طالما أنا قبلت العمل مع المخرج وهو قبل العمل معي… انتهت عندها كل الأمور والملاحظات.

وعن حرصه على تجسيد شخصيات تاريخية بشكل دائم قال آل رشي: أنا أكره تجسيد الشخصية الثعلبية في الأعمال التلفزيونية ولا أعرف تمثيلها، أنا أحب تجسيد شخصيات مثل قائد تاريخي أو حكيم أو عالم أو فارس، أما أن أقدم شخصية ماكر وخبيث فلا أستطيع لأسباب عديدة وخاصة أن صوتي وشكلي لا يساعدانني في تجسيد مثل هذه الشخصية وأنا أفضل الأعمال التاريخية ولكن يبدو في السنوات الأخيرة أن القائمين على هذه الأعمال ينظرون إلىّ على أنني كبرت في السن ولم أعد أستطيع ركوب الخيل.
وحول واقع الدراما السورية وهو الذي كان موجوداً فيها منذ البداية قال آل رشي: الدراما السورية تقدمت عربياً في الإنتاج والممثلين، فقبل عشرين عاماً لم يكن لها الحضور المطلوب بينما حالياً موجودة في كل العالم العربي وحتى الأعمال التركية المدبلجة ساعدت في تقدم الدراما السورية فالمشاهد تابعها وكأن الممثلين الأتراك يتكلمون حقيقة باللهجة السورية حتى الحروف وحركات الفم متطابقة إلى حد كبير مع لهجتنا وهذا ساعد المدبلجين لهذه الأعمال على أن يقدموا تطابقاً كاملا في حركات الشفتين والصورة وباعتقادي أن الأعمال التركية لو دبلجت بلهجة عربية غير الشامية فلن يكتب لها النجاح، ففي الإذاعة إذا ما قدم عمل مدبلج فإن المستمع مجبر أن يرى بأذنه بينما في التلفزيون سيرى المشاهد بأذنه وبعينه حتى يحصل التطابق في العمل المدبلج ما بين لغة وأداء المشاركين فيه في نسخته الأصلية وما بين صوت وحركات فم المؤدين المدبلجين له وهنا تظهر مهارة المدبلجين ونجاحهم في الدبلجة.
وعن رأي بعض الممثلين والممثلات السوريين المشاركين في الأعمال التركية المدبلجة من أن الممثلين الأتراك اشتهروا عربياً على أكتاف الممثل السوري المدبلج قال آل رشي: لست معهم في هذا الرأي، بالعكس يجب عليهم أن يكونوا سعيدين حيث إنهم يجسدون بالصوت شخصيات جميلة فصوتهم يكتمل مع صورة الممثل والممثلة الجذابة. والمعروف أن التجربة الحرفية لنص مسرحي مثلا لا تساعد في إيصال العرض للجمهور لأنه يتضايق من تقديم الكلمات في العرض كما هي في الأصل فالمشاهد يحتاج للصورة مع مقدرة الممثل على التعبير باللغة العربية والتي تقدم بحراً من الكلمات وهي لا تنتهي من التراكيب.
وأسأل آل رشي عن سر تعلقه باللغة العربية الفصحى وتفوقه في الأداء الدرامي والمسرحي بها فيجيب: هل تعلم أنني دخلت عالم الفن ولا أجيد القراءة حيث كل ما أحمله هو شهادة سرتفيكا (تعادل الابتدائية حالياً) منذ عام 1943 وعندما بدأت بالتمثيل عام 1957 من خلال ناد فني دمشقي وهو النادي الشرقي، ومن زملائي في ذلك الوقت نهاد قلعي وعادل خياطة ومجموعة من الممثلين الرواد، كان التمثيل فيه كله باللغة العربية الفصحى ومن هنا بدأ اهتمامي بالفصحى وتلقيت بها أيضاً من خلال إذاعة دمشق والبرامج التي قدمتها فيها بالفصحى كذلك كان صوتي جميلا وكنت أرغب في أن أكون مطرباً ولكن أهلي هددوني إذا أصبحت مطرباً فسيتبرأون مني. ومن أسباب عزوفي عن أكون مطرباً أيضاً أني لا أريد أن يفرض الملحن عليّ اللحن وأنا أكره الإيقاع فاتجهت للتمثيل ومع ذلك غنيت في بعض الأعمال التلفزيونية وفي رصيدي حوالي 15أغتية؟!..وأنا لم أنزعج من ذلك فمع التطورات التي حصلت معي في التمثيل والشهرة التي حققتها أعتبر نفسي من المحظوظين مقارنة بزملائي الممثلين من جيلي خاصة أنني لست بحاجة للمال ومرتاح جداً في عملي ولا أخاف إلا من أن أخطئ ولذلك أنا حريص جداً على أن لا أخطئ فأستعد جيداً للعمل وللدور الذي سأصوره مسبقاً حتى لا أضع نفسي في موقع الخوف وأنا الذي لا أخاف؟!…
وحول الأعمال الخليجية ومشاركته فيها قال آل رشي: لا توجد لي مشاركات جديدة ولكن في القديم كانت هناك أعمال شاركت بها ومنها «راس غليص» وغيرها وليس لديّ مانع من المشاركة حالياً في الدراما الخليجية إذا ما كان الدور مناسباً لي.
وحول إن عرض عليه التمثيل في الدراما المصرية ومشاهدته لها ومشاركة الفنانين السوريين فيها قال آل رشي: لم أعد أشاهد المسلسلات المصرية كثيراً لأنني شعرت أن العديد من الممثلين المصريين منفذين وليس لديهم الحس والإدراك في العمل المشاركين به ومن يقدم دوره بحس وإدراك أصبحوا قلائل أما عندنا في الدراما السورية فلدينا مجموعة ممثلين شباب مميزين في الأداء الحسي والمنفعل مع الشخصية وأنا معجب بهم ومنهم مثلاً نضال سيجري وأندريه سكاف وقصي خولي وبسام كوسا ممثل ممتاز وهم أفضل من كثير من الممثلين المصريين. وبالنسبة لي قبل حوالي 15 سنة كنت أصور عملا في مصر لصالح شركة إنتاج سعودية فقال لي بعض الفنانين المصريين والمخرجين هناك لماذا لا تبقى عندنا في مصر وتعمل معنا فأجبتهم: المسافة بيننا ساعتي زمن بالطائرة ولكن أنا لا أجيد اللهجة المصرية مطلقاً فكيف سأعمل معكم، فرد عليّ أحدهم ليه يا بيه فأجبته لا أشارك حتى لا تظهر أنك أفهم مني في التمثيل!…فأنت مصري تتحدث بطلاقة في المسلسل أما أن أقلدك أنا كممثل سوري فسيحصل معي فجوات وأنا لا أقبل أن أكون كذلك.
وحول عمله المسرحي «شيترا» للشاعر طاغور الذي عرضه قبل سنتين وهل هناك جديد لديه قال آل رشي: عملت في المسرحية شخصية راوٍ لساعة وربع وكانت من أجمل ما قرأت طيلة حياتي فهي مسرحية رائعة كمضمون وإنسانية ومن الممكن إعادة عرضها في الأسابيع القلية القادمة.
وحول رأيه بأداء ابنه محمد آل رشي في التمثيل قال آل رشي: محمد يعمل في الموسيقى ويعزف «غيتار» ولديه استوديو تسجيل وأنا من البداية أفهمته بأن من يكون معلماً في مهنتين يكون عبقرياً أما إذا لم يكن عبقرياً فهو أجير في المهنتين ومعلم في مهنة واحدة يحبها أفضل، وتركت له فيما بعد حرية الاختيار وهو حالياً يؤلف موسيقى تصويرية للمسلسلات التلفزيونية ويسجلون عنده ولذلك هو مقل في التمثيل والتمثيل برأيي ليس فيه تقاعد مطلقاً ونصحته أن يعمل في البرامج الإذاعية فأنا استفدت منها كثيراً ولي رصيد فيها حوالي 20 ألف ساعة أداء إذاعي وقراءة وهذا أعطاني رصيداً فنياً كبيراً وأشعرني بقيمة اللفظ والحرف ومضمون الجملة.

المصدر: الشرق الأوسط

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…