طريق البيت

منير محمد خلف / سورية

 مطرٌ…
تفتّش أرضنا عن بعضها،
مَنْ ضيَّعَ الشرفاتِ؟
لا نجوى…
ولا ليلى
لتمنحنا بطاقاتِ الكلامِ،
ولا طيور الفجر
تأكل ما تبقّى في أصابعنا من الذكرى
لتشرقَ من يَدِي الغيماتُ
تقرأ في وجوه العابرين
حكايةَ الأرضِ التي تحمي مسافتنا

الصغيرةَ بالمطرْ.
الباصُ..
.. مرّ الباصُ محتفلاً بِمَنْ أهوى
ومرّ الباصُ محتفلاً بحزني
أو بأشيائي الجديدةِ
لم يغادرْ صوتُه وجعي
ولم يتركْ مسافاتي كما تهوى الخُطَا.
ما زلتُ غير مرتّبٍ
أُفقي غبارٌ طالعٌ
من آخرِ النهر الذي
قد كنت أحرسه بدمع القلبِ،
..لا تجرحْ يَدِي مولايَ
لا تحصدْ هوائي،
..أيها الباكون خلف البابِ
هل مِتنا؟
(أَذابَ الملحُ فوق شفاهنا)؟
جرحٌ بحجم الويلِ
يزرعني نشيداً خائباً
أسترجع الأحلام والذكرى،
وأوقظ في سرير القلبِ
أشجارَ الليالي الطالعاتِ
إلى بلاد الخوفِ
والندمِ المعلّقِ تحت سقف الراحلينَ
من الضباب إلى الضبابْ.
صمتي يوزّعُ بعضَهُ المفجوعَ يا قلبي
وينحتني بلا خجلٍ ولا تعبٍ
على قرميد هذا الموتِ،
يقلقني نزيفُ الحبِّ
يُحرقني بلا نارٍ،
ويجعلني صراخاً حارقاً
يمتدُّ من عمقِ الحياةِ إلى الغيابْ.
أنا لا أجيدُ الصوتَ
في هذا الرّكامِ القحطِ،
يا أشلاءَنا.. أحبابنا
يا الحاملين صياحَنا!
هل تعلمون بأنني
ما زلتُ أحيا كي أودّعكم..
وأدعوكم إلى صوتي..
..أودّعكم لألقاكم،
وأنحتُ في جدار القلبِ صورةَ والدي
هل أسالَُ الجدرانَ عن إزميله؟
أَمْ أسأل الطرقاتِ عن عرباتهِ،
وحصانه المتروكِ خلفَ الرّيحِ
يحصدُ صوتَهُ العالي،
ويدعوني إلى أشيائهِ
هل أحتمي بصياحِهِ القرويِّ
يحملُني إلى دنيا من الأوجاعِ..
أعشقها..
فتذوي رحلتي؟
أأقولُ للأجيالِ: لا تتورّطوا؟!
أشتاق للناسِ الذين أحبُّهم
وأخاف منهمْ؛
أوَ تسمحون بأن أسافر نحوهم؟
يا آخر النبضاتِ
يا الآتي بلا معنى
أَبَعْدَ ذبولِ صوتكَ
يُقفِلُ التاريخُ فرصَتهُ
ويفتح لي حكايا اليأسِ؛
ناري لم تتوِّجْ حزنها
حتى تجرِّبَ حظَّها
في هذه الدنيا،
ولم تتركْ يَدِيْ
ترتاحُ يوماً
فوق أرصفةِ الأمانْ.
عُمْري الذي ضيَّعتُهُ خلف السواقي
عاد من عمري وضيَّعني
وكان الحلمُ أوسعَ من طريق البيتِ
كنتُ أنا المجرّدَ
من تقاويم الفرحْ،
كانَ الفضاءُ ملازماً طيرَ النواحِ..
..الحلمُ كان الحلمَ…
يزرعُ أفقَهُ الدّامي على قلبي،
يُحمِّلني رياحَ الحزنِ
نحو قصيدةٍ
لم تُشْعلِ الأنهارُ فيها
غيرَ صفصافِ البكاءْ.
أنا لم أكنْ أدري
بأنّ الجرحَ يُفتحُ
مثل بابِ الريحِ،
تحمِلُهُ سلالُ الملحِ،
يخنقُهُ انتظارُ القادمين
 إلى خرائطِ مَنْ أُحِبّْ.
جرّدْ خطانا من سلاسلِ حزننا،
وليغفرِ الآباءُ ما كنّا نخيّطهُ
على أكتافِ قتلانا،
وما كنّا سنرويهِ بلا خجلٍ
أمام بناتنا وشبابنا،
نحن الذين نمدُّ نحو الفجرِ أفئدةً،
وما زلنا نخافُ منَ انسكابِ الشّاي
فوق صحوننا الأولى
نعدّ دفاترَ الأيامِ،
تُحرِقُنا مرايانا الجريحةُ،
ثم ندفنُ بين أكوامِ الترابِ
شهادةَ الخرزِ الصغيرةَ،
وهي تنحتُ عند بابِ البيتِ
غفلتَنا المطيّبة الشتاتْ.
يا أخضرَ القسماتِ
يا نهراً من النارنجِ
يا معنىً يسيحُ على دمي
لا تذبحي شِعري.. طريقَ البيتِ
والذكرى الجميلةَ
والأمانْ،
فأنا المصفّد بالجراحِ،
وشهقتي لا تستطيع البوحَ،
لا أدري بأيةِ طلقةٍ
أُنهي المواجعَ في بلادِ القلبِ
في هذا الزّمانْ.

*******

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…