القمة والعاصفة

توفيق عبد المجيد

مهداة إلى الأخ محمد حسين
أخي محمد …أرجو أن تقبل هذه الخاطرة من صديقك
وحده الله يعلم بما يجول في خاطري، وأنا أحاول أن أسدد ديناً لك مستحقاً صار بذمتي ، ملتزماً بالواجب الأخلاقي ، ومنطلقاً من الضمير الذي يجب أن يكون المرجع عندما يوضع الإنسان في خانة الاختيار .
الحق أقول – أخي محمد – لقد غمرتني بمشاعرك النبيلة ، وعاطفتك الصادقة ، وغيرتك اللامحدودة على هدف مشترك ، وقيم نبيلة نسعى جميعاً لتحقيقها ، والوصول إليها بعد التوهان في متاهات الضياع ، وسلوك الطرق الوعرة التي لم تقربنا من الهدف المنشود بعد ، بل مازالت المسافة بيننا وبين الوصول إلى الهدف طويلة وشاقة ، وخطرة أحياناً .
نعم لقد أثقلت كاهلي المرهق ، وحمّلتني فوق طاقتي أعباء إضافية ، وكلفتني بتصحيح مسار معقد بني بشكل هندسي خاطئ يحتار المصحح فيه لأنه ليس مربعاً ولا مستطيلاً ولا مثلثاً ، وليس مخمساً أو مسدساً أو مثمنا ، ليكون عصياً على الحل ويستمر واضعوه في جني ثمار ما زرعوا ، ولكي لا يخدم هدفنا المشترك ، بل أهداف أولئك المهندسين أصحاب النظرية المغلوطة ، والمستحيلة الحل .
فعلينا أن نفكر في صياغة نظرية جديدة تكون ممكنة الحل ، عوضاً عن المحاولات اليائسة لفك شيفرة ، أو حل لغز ، أو الاهتداء إلى كلمة السر ، ولا يخفي عليك أن أولئك المنضوين ضمن جيش الظلام ، استنفروا وجندوا كل طاقاتهم ، وأوعزوا إلى كل بيادقهم لكي تتحرك على وجه السرعة للتصدي لأولئك الذين لا مسوا تخوم النظرية ، وأوشكوا على  تقويم مسار ضلع أو تعديل قيمة زاوية ، فكانوا قاب قوسين أو أدنى من الاهتداء إلى الحل الصحيح .
دق ناقوس الخطر في مملكة الأعداء والخصوم ، وأعطيت إشارة البدء ، فهبت على الجودي رياح السموم من كل الجهات ، وثارت العواصف على قمته ، وانطلقت الزوابع في قاعه ، وكلها لها هدف واحد ، ولكن تصدى لهم وبكل بسالة الجودي المتجذر في أعماق التاريخ ، فتلاشت مكونات العواصف والزوابع  في الفضاء الرحب هباء تذروه الرياح ، وانسحبت وهي تجر أذيال الخيبة والهزيمة ، لتضمد جراحها ، وتجمع قواها المندحرة مرة أخرى ولمعركة أخرى ، تاركة خلفها ذرات الغبار المبعثر هنا هناك .
فتحيتي لك ولكل الغيورين في كل مكان من أولئك الذين تصدوا لرياح السموم وزبد الموج وغبار الزوابع وهدير العواصف التي لامست الجودي ولكنها تقهقرت إلى الوراء بفضل هذا السد المنيع الذي تصدى لها بكل بسالة وشجاعة منطلقاً من المثل الصيني (الرياح العاتية والعواصف تهب على القمم دوما)، واعلم أخي محمد أن مفتاح الفشل هو محاولة إرضاء الجميع ، وأن القوي هو الذي يعمل ، والضعيف هو من يعرقل .

12-6-2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…