متظاهرونا الكُرد «سكوب بالألوان»: الاتفاق على عدم الاتفاق

ابراهيم محمود  

  

” هو الذي
رأى ” جلجاميش

  
لا أخفي أنني كلما سمعت بمستجد كُرديّ
الطبعة، وهو يتهدد الكرد قليلاً أو كثيراً، استشعرت مخاوف تعتمل داخلي كاملاً،
ليتسارع نبض القلب وأنا أخشى من الأعظم في طريقة بث هذا المستجد إعلامياً، وكيفية
التعبير عنه جهة ردود الأفعال في الشارع، كحالنا اليوم، وصورة الكُرد في جهات
الأرضين الأربع. 
إذ على وقع طعان الإرهاب الداعشيّ المنشأ
بامتياز، وانتشار الصدى المدوي لبطولات الكرد عبر مقاتليهم هنا وهناك، وخاصة إثر
التهديد الداعشي باجتياح كوباني، عمّت مظاهرات كردية شوارع العالم، ليمتزج الصوت
الكردي بكل لغات العالم، مع الوجوه الكردية ليكتسبوا ذلك الحضور العالمي منبهين
إلى أن الكرد أكثر مما يُذكرون في سجلات الإحصاء ” الرسمية ” للدول التي
تتقاسمهم، وأقدر في الظهور على الملأ العالمي مما يوضَعون به ضمن دوائر حمراء
ضيقة، أو يعتَّم عليهم ويجري اختزالهم.
سوى أن النافذ بوجع مفجع في الحواس: العين
والأذن معاً، قبل كل شيء، والروح مباشرة، هو مشهديات المظاهرات الكُردية تلك التي
تتلفَز عبر شاشات عالمية وعلى مدار الساعة، وهي تتصدر نشرات الأخبار ومنذ حين من
الدهر، وهي محل متابعة من الأناس العاديين وذوي الفضول المعرفي والتخصصات البحثية
والأكاديمية ضمناً ومعهم: ممن يهمهم قبل كل شيء: التقاط ما يسيء إلى مقصد كل
مظاهرة: فضائحياً. 
ربما أكون مجحفاً بحق المرئي في المظاهرات
الكردية في احتجاجها على ما يجري من صمت أو تواطؤ وعدوان على كوباني من هذا
الإرهاب الداعشي المتعدد الجبهات عملياً، والإرهاب الآخر غير المسمى مباشرة
بصياغات لغوية وتحليلات مغرضة، ووجه الإجحاف يتمثل في تذكيري بذلك الرحالة الذي
زار استانبول في القرن التاسع عشر ” إن لم تخنّي الذاكرة !”، وكتب
العبارة اللماحة وهو يسير في شوارعها ليلاً: في استانبول لا يوجد سوى القطط.
والرابط الكلامي بناء على هذا المقبوس هو التالي: في المظاهرات الكردية، وهي سكوب
بالألوان، غابت الكردية المنشودة التي باسمها قامت المظاهرات، وهي العلامة الفارقة
والمؤلمة أي إيلام، كانت كوباني الخميرة الفائقة، لفسد عجين المرتجى. 
وللتوضيح: يمكن لأي ناظر، ودونما حاجة إلى
” مقرّب ” أن يلاحظ مكونات كل مظاهرة كردية تصدم كل هذا الذي يعرّف بالمطعون
داعشياً، والمجروح في إنسانيته الكردية كثيراً، والمبحوح صوته وهو يشدد على ”
وحدة الصف الكردي “، إذ إن الألوان المتعددة، وهي فضيلة حسابية وليست
هندسية في هذا المضمار، تشكل شهادة على مدى تفكك هذه الوحدة ووهنها، والذاكرة
المثقوبة للكرد فيما هو ملحوظ. 
الناظر بالعين المجردة، ودون حاجة إلى ترجمان
محلَّف أيضاً، يسهل عليه تلمس التناقضات، من خلال الرايات أو الأعلام واليافطات
وبنية الشعارات والصور، تأكيداً على أن العرب ليسوا وحدهم في الميدان وفيما يكرره
الحريصون على وحدة صفهم: اتفقنا على ألا نتفق، مع فارق الجرح عمقاً
والتهاباً وخطورة حالة، فالكرد” وبالصيغة المطلوبة بمفهومها القومي الأمَّتي
“، ربما، بسبب وضعهم، استثناء تاريخي وجغرافي هنا، فقد اتفقوا ربما قبل كل
الذين تعرفوا إليهم، على ألا يتفقوا بالنسبة لزعمائهم وأمرائهم ووجائهم ووكلائهم
وحكامهم وولاتهم وساستهم وكتابهم الرسميين…الخ، ليثبِتوا للعالم أجمع منذ زمان
موغل في القدم: أنهم قادرون على الجمع بين تاريخهم وجغرافيتهم، إنما في حالة
واحدة، وهي لا تفيدهم، بقدر ما تبيدهم تدريجياً حتى اللحظة: التفكك التاريخي مقابل
التفتت الجغرافي، وكأن نباهة ذاكرتهم الجمعية لا تتم إلا باستمرار هذا الانقسام
والتشظي. 
لا أسمّي أحداً، إذ يكفي الناظر بلاغة اكتشاف
والقبض على المعنى، معرفة بنية كل مظاهرة، حتى في أكثر المدن الأوربية حداثة. 
يمكن من خلال النفاذ بالنظر، معرفة الرايات
التحزبية والشعارات التحزبية والصور الدالة عليها، وآلية التفعيل التحزبية
والكردية المنجرحة والممثَّل فيها بأكثر من معنى، أن يدرك بؤس الجاري، حيث يتنهد
ويزفر مراراً، لعدم أي تنسيق بين الذين يعنون بالمظاهرة هذه أو تلك ” ويستحيل
القيام بمظاهرة دون تنسيق معين ! “، وكأن هؤلاء تنادوا وتواعدوا وتجمَّعوا
كما هم، ليثبت كل جانب نسبة حضوره للعالم وفيه، في امتحان المشهد الإعلامي، وليكون
في مقدور أيٍّ كان مكاشفة كل مظاهرة ومعرفة الكم الحسابي نسبياً لهذا الطرف أو
الآخر، داخل المدينة التي تشهد قيام المظاهرة فيها، لا بل يمكن تقدير ذلك في أي
مدينة في العالم، وحتى في إقليم كردستان، وفي روجآفا، وكردستان الشمالية…الخ،
وفي المحصَّلة تتشكل الصورة الفعلية لحقيقة الكردية والكردايتي . 
بالوسع معاينة الوعي الفعلي للمتظاهرين
والتعبئة الإيديولوجية لا الكردية الموحدة، من خلال سعي كل طرف إلى البروز أكثر،
وربما التمادي وممارسة العنف ضد الصحفي والمصور وحامل الكاميرا التلفزيونية،
تأكيداً على أن المندفع في الاعتداء لا يخاف أحداً . 
أشد على روعة هذا الهدير المظاهراتي الكردي
وبعمق، ولكم يبهجني وأنا أرى هؤلاء الذين يتحركون هاتفين باسم كردستان وأعظم
بطولات الذين يقتَلون برصاص أعداء كردستان وشهداء الحرية وفي أي مكان، وأنغمر
بحِداد روحي ونزيف دم كردي- كردي يجرف كل هذه الروعة في المرئي، من خلال هذا
التنوع اللامحمود فيما أشير إليه . 

الكردية في انتظار
اسمها إذاً

  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…