أزمةُ التأقلم مع مُعاشرة الأقوام

إدريس سالم
سقطتْ من روحي وليس عيني فقط، يومَ صادقتها عن قرب، ومن قلبٍ وربّ، يوم امتحنتها في أول اختبار «ابتدائي» وهي التي كانت تحاول أن تجتاز الاختبارات «الثانوية». كم حاولت التزام «الصمت» أمام ضجيجها، وفوضاها، وأناها النائية، وخرائط ملحها المرّة، وأمامي كأس ماء مُندّى بجوٍّ حارٍّ شاحب وكوب شاي كوردستاني النكهة والنعمة.
هي المليئة بالشكليات والأنَيَات النفعية، لا تملك أيّ سلوكيات نفسية ناضجة، من المستحيل أن تبادر إلى الاعتراف بأخطائها، لها جنون في حبّ التطوّر والنجاح الشكلي والسلبي، تحاولُ أن ترسمَ لنا – بحماقاتها – حياةً فارغةً من طموح الحياة. لن تفلح في ذلك، طالما أملكُ عِناداً عنيداً.
كانت شيئاً.
كانت أملاً.
كانت كأشقائي المجانين.. ماءً وناراً.
كنتُ أتواجد في ألمها أكثر من أملها. 
أما الآن فهي لا شيء، وقد تكون دائماً لا شيء.
حاولت أن أحتويها، لكنني فشلت.
مَن تحتقر أبي وأمي لن يكون لها مكان في قلبي.
مَن ترى إخوتي متخلّفين أو متوحّشين لن يكون لها مكان في قلبي.
مَن تتعامل مع أهلي بفوقيتها السطحية الساذجة لن يكون لها مكان في قلبي.
أيّتها الحياة التعيسة:
أيّتها الكائنات الغريبة والضعيفة:
أيّتها الطبيعة الثائرة:
ما يهزُّني ويدفعني إلى مراجعة بعض التفاصيل من محطات علاقاتي الاجتماعية هو خوفي من أن أندم على فعلةٍ ارتكبتها بإنسانيتي، فعلةٍ تسمّيها مجتمعاتنا الكوردية وحتى العربية من خلال عبارة «مُباركٌ لمَن جمع رأسين على مخدّة واحدة».
الحقيقة الفطرية، والتي لا تحتاج إلى بحث أو استقصاء هي أنّها لن تنتمي لقومي، طالما أنّها تبحث عن الشكل وتحتقر المضمون، وترى أننا قوم لا يُعَاشرون، ونحن أيضاً ربّما لن ننتمي لقومها، لأن مَن برمجت روحها على هكذا نموذج أنثوي شكلي القلب والعقل، فالنماذج الأخرى «قد» تكون مشابهة لها.
هي ترى قومي من أنانيتها النفعية، أما أنا فَلي رؤية أخرى تختلف عن رؤيتها. أقلّها أنّي أحترم قومها وأقدّرهم.
لا شيء يكبر هنا غير خوفي، لا شيء يغلبني غير الدولار، أركض حافياً في أرض ذاكرتي، كلّما أغلقت باباً، انفتح آخر، لا شيء يعلو هنا فوق قومي، غير صوتي، أدرّبه على الغناء، فتأتي الأصوات بلا أوزان.
كنت أخيّط مع أمي وبعناية فائقة، كل تلك الجراح المرّة والمالحة التي أهدتني إياها امرأة ثقيلة القلب خفيفة العقل، كلما وخزتني الإبرة أعمق، أينع الحزن أجمل في قلبي وقلب أمي.
لا شيء يوجد هنا سوى ظلّ امرأة، يقال أنها جميلة العينين وطويلة الشعر، كلما اشتعلت الريح وهبّ المطر، راقصت ظلّ الأنانية والمنفعة، على بقايا أعواد قوم رفضت أن تعاشرهم وتتأقلم معهم.
مرسين
24 يوليو/ تموز، 2019

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…