تأملات في المجموعة القصصية القصيرة بعنوان (يتحدثن عني) للقاص محمد خير عمر

خالص مسور:

يتحدثن عني هو العنوان الذي وسمت به المجموعة القصصية للقاص محمد  خير عمر، وهي عبارة عن مجموعة قصصية من ثلاث عشرة قصة. وعنوان المجموعة(يتحدثن عني) أخذ من عنوان إحدى قصص المجموعة الثلاث عشر، وهو عنوان مؤلف من كلمتين /يتحدثن/ بصيغتها الأنثوية والكلمة الأخرى/عني/ ما يوحي بالزهو والاعتداد بالنفس والفحولية الطاغية المرافقة لحالة من تضخم الذات الإيروسية لدى الكاتب. مفسحاً به عن شيئين هما التمركز حول الذات ثم الإنتشاء والتمني مع العنوان هذا العنوان الذي جاء بصيغة التساؤل الجنسي اللهيف /هل يتحدثن عني/.

امتازت قصص المجموعة بالتنوع والغنى من حيث الموضوع أو ما يمكن أن نسميه بالتنوع ضمن وحدة أي تنوع في الطرح ووحدة في المكان وهو قرية هلالية وريف القامشلي، حيث تتوفر المحموعة القصصية على احداث متسلسلة أي حبكة مترابطة الاركان والركائز وهي من السمات الفنية التي يجب توفرها في القصة القصيرة وأي نوع قصصي آخر. وفيها أثبت الكاتب القصصي محمد خير عمر هنا نفسه رساماً ما هراً في تصويره للوحات تراثية ذات ابعاد استيعادية واستذكاراتية طافحة بالصور الإستعادية لمرحلة المراهقة المؤثرة والمثيرة للجدل. ضمن إطار مكاني هوقرية الهلالية ومدينة القامشلي وريفها والدغل والحدود وسلاسل الحدود  والألغام المزروعة. أي استطاع الكاتب في قصصه التراثية الذاكراتية الغوص في فضاءات اللوحات التراثية لما قبل التسعينيات وحتى الستينيات في مدينة القامشلي. مستخدماً تقنية قناع الراوي والراوي العليم بكل شيء وأحياناً يتدخل الكاتب ذاته في رواية الحدث كما في قوله:
( بين روابض قريتي هلالية ومشارف مدينة نصيبين وهدة نضرة) – ومن حيث الموضوع تتنوع قصص المجموعة ما بين العاشق الولهان، كما في قصة/الشوق/ وفيها يصور الكاتب عاشقه /قنجو/ هذا الاسم الكردي الموحي بالبراءة والطهر يصوره الكاتب من الخارج في هيئته اللاهثة وهو يتشوق للقاء محبوبته – انبسطت أسارير قنجو – وهو ملمح خارجي يوحي بلقطة تلفزيونية نادرة لملامح هذا العاشق المتصف بالسذاجة ونقاء القلب، ليغوص الكاتب بعدها الى أعماق هذه الشخصية العاشقة – وشعر بذراعيه قد تحولتا إلى جناحين يحملانه عاليا وسريعا نحو نارين. وفي قصة /ليلة طويلة/ نرى الأحداث تنتهي بنهاية مفعمة بالسخرية والتشفي وروح الانتقام من ذي الرأس الكبير العميل السيء الصيت والذي دهسته سيارة عابرة وهو إما راجع من مركز عمالته أو عائد منه. 
–  أبي… أبي… حين صدمته السيارة، أكان ذاهباً أم عائداً؟   
وفي المجموعة نلمس الرمز والغمز والتلويح كما في قصة حسون وهو عصفور حسن الصوت يرمز إلى المقاومة والتطلع نحو الحرية والمجد، ولكنه عجز عن تحرير نفسه من سجنه وكان قليل الخبرة في التعامل مع جلاديه فعلق في شباكهم من جديد بعد أن تم تحريره. وتغلب على بعض القصص الطابع الكلاسيكي من حيث الموضوع كما في قصة (شهناز) مع وجود صورة حداثي الطابع تتمثل في عبارات تظهر بكائها الصامت. وفي قصصه بالإضافة إلى رشاقة الإسلوب وجمالية التعبير ترتسم فيها صور شاعرية متميزة في أمكنة متعددة منها كما في – شرع جنكو يتحدث مناجياً قدره المسحوق بنعال حظه الأعمى – أو شاعرية مع حالة من الأنسنة والتشخيص بكثير من الجمالية والعذوبة ودقة التعبير كما في – برمانة شعثاء الفنن – أو ليدلق ما يكابده – صوت رخيم لفتاة خضل أروقة أعماقه القاحلة- زحف ظل الهضبة –في كل هذه الصور هناك استبطان لشاعرية وصور حداثية تعتبر كمحطات استراحة ثرية بجماليته الفنية العالية، محطات مزدانة بلوحات وصور شاعرية حالمة ليتوقف القاريء عندها متأملاً ليس في ما ترويه القصة من مواضيع هي في صميم الواقع الإجتماعي القامشلاوي وريفها، بل للإستمتاع أيضاً بالغوص في أعماق هذه اللوحات والصور الجميلة والكشف عن معانيها الدلالية المستورة فيها. لوحات فيها الأسماء الفولكلورية كـ – جاركى – قنجو- بزدو- شهناز – وذو الرأس الكبير… وورود كلمات كما في /بيناموسو/. وكلها صور لشخصيات تزين لوحات تراثية شديدة الإلتصاق بالبيئة الإجتماعية الكردية في سورية..
وهناك التناص مع القرآن الكريم وتدويرها بما يتلائم التعبير عن موضوعه القصصي جرى الإنتقال فيه من الضمير الغائب / تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير/ إلى المتكلم إلى – كدت أتميز من الغيظ وأنا أتقمص الأسباب في ذهني – وقد ذكر الكاتب أسماء كولريدج وطاغور….الخ. وهكذا فقد لمست لدى الكاتب ثقافة أدبية جيدة تنم عن حب الإطلاع والمعرفة.  كما نشير إلى أن الكاتب يجيد ما نسميه بحسن التخلص في النقد العربي القديم أي الإنتقال بالقفزة المدية نحو اختصار موضوعه وربط فقراته ببعضها بانسيابية وسلاسة وعفوية كما في قصة /الشوق/
– تغطس جرتها في الماء وتقول باسمة:
–  وهذه لسندينتنا.
ثم الإنتقال إلى:
هدير السيارة التي أشعلها أندريه….
بالإضافة إلى أن الكاتب آثر أن يمنح شخصياته الفرصة الكافية للتعبير عما يجيش في أنفسهم من معاناة وألم وحزن وفرح وسعادة مستخدماً تقنية المشهدية الدرامية، وعن طريق الحوارات التي تجري بين الشخصيات اعطى قارءه لمحة عن نوعية هذه الشخصيات وما يجيش في صدورهم وبه يحلمون كما في قصة (أجرة سرفيس) أو بخطأها الفني السرفيس
–  ثم تسألني عبر ابتسامة:
–  لو تدري… بيت من أدهن؟
 – بيت آدم، أجبت من فوري كمن سرب له الجواب من ألف شخص
 – آدم تغير…أليس كذلك؟
مع حالات انسانية رائعة وردت على لسان الحسون عن الطالب الذي تعاطف معه وهو في قفصه يكابد الحسرة والعذاب/ كان يرمقني بنظرة عابسة من فوق كتفه. إذا صدر عني أي صوت بمجرد ارتطام جناحي الصغير بقضبان القفص، فيتنهد بألم ثم يحني رأسه متابعاً دروسه/ .
لكن هناك أخطاء لغوية سنذكر بعضها في سبيل الذكر فقط كما في – ودخلت على أخواتها……راحت تقفز بينهم، تقبلهم، تشد شعرهم، بدلا من تقفز بينهن – تقبلهن- تشد شعورهن…. وابتلعهم اشجار الدغل والصواب ابتلعتهم…فما من أحد تذكر ذلك الدغل، وشرب من ينابيعها والصواب من ينابيعه – وفوهة عينه، والانسب هو فوهتي عينيه- وهناك سوء اخراج كما في الحوارية التي تجري بين شهناز وأخوتها في: 
 – بعد أيام عدة، وأثناء تناول الغداء، خاطبت إخوتها وهي تملأ
كؤوس الشاي:
–  كاميران، احمد، روني مجرد اقتراح
مجرد ماذا..؟ سألتهم متوددة..
–   مجرد اقتراح.. أجابوا باسمين
ثم واصلت مبتسمة:      
ثم الترجمة الحرفية من الكردية الى العربية والترجمة الحرفية قد تسيء إلى العبارة الشاعرية إذا لم يحسن التعامل معها:
–   والله يا كبير الرأس، إن حدث لي أي مكروه واعتقلت فلن يفرج عني إلا لأجلك..
وهي الترجمة الحرفية للعبارة الكردية –
Sermezino ku ez hatim girtin û tişt bi min hat û derketim, ez ji te re derdikevim.
وقوله في قصة /هل يتحدثن عني/
–  مصطو خرب عرس فلان في أوجها…
وفي الختام أقول أن محمد خير عمر مقبل على مستقبل قصصي أدبي زاهر، ويبدو أنه استطاع تنمية وصقل مواهبه القصصية بالكثير من الدرس والمطالعة وسهر الليالي، وعليه أن يزيد ويستزيد من القراءة والبحث والدرس والتحصيل حتى يصل إلى ما يصبو إليه ويزيد ويستزيد، ويحقق غايته وما يصبو إليه ويريد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…