–وضع أمِّي آيس…!
وأنَّى لك، أن تفلح في مداراته، وهو ينقل إليك توصيف اللجنة الطبية، حيث لا أمل البتَّة، في شفائها، لاسيما في ظلِّ تدهور وضعها الصحي، يوماً بعد آخر. أجل، إن واحداً مثلي، فُجع برحيل أمِّه ثلاث مرات، مرة عندما غادرها، إلى هذا المكان الذي بات يستطيل زماناً، ومسافة، دون تحقيق حلمي، وحلم كل سوري شريف، حتى الآن، من دون وداع، لأني لم أحتمل نهر دموعها السيالة، وانكسار نظرتها الجبلية، الشمَّاء، وهي التي حرستني، في الكثير من لحظات الشدَّة، -ولاسيما في الامتحان الكردي الآذاري- ومرة لأنها رحلت عن عالمي، من دون وداع، وأخرى لأنها أطفأت كلتا عينيها، على صورتي كما كتب إبراهيم محمود عنها، في مقال رثائي، عنها، آنذاك، وأنا بعيد عن عاصمة الحلم” قامشلي”..!.
بلى، وبعيداً عن الاسترسال الذي يدفع إليه شبه الحال، فإنَّ واحداً مثلي، كانت رسالة أبي مالين عن أمِّه، تصله، بكل ذبذبات الحزن العالية جداً، إلى درجة كيِّ فضاء اللحظة، لأنها قبل كل شيء أم ٌّكردية، نبيلة، فاضلة، ربَّت أبناءها على القيم العالية، ومن بينهم الفنان، أو الكاتب الذي لا يتلكأ سوانا من وسم أمثاله ب” المفكِّرين” الأفذاذ، كيف لا؟؟ وهو الذي أنتج حتى الآن أكثر من خمسين كتاباً، بين الإبداع الشعري، والروائي، والفكر، والفلسفة، والنقد، والقضية الكردية، والبحث……- بلغته الأم وضرّتها- بل كان أحد الأسماء الشامخة في 12 آذار2004- وهل بيننا من ينسى هذه الانتفاضة العظمى؟- ولا يزال صاحب الموقف الشجاع- قياساً لقتامة اللحظة السورية في مهادها- ولن أبالغ حين أقول: إن الأجيال القادمة، ستتقصى تاريخ كاتب عملاق كإبراهيم محمود-مهما اختلفنا معه أو اتفقنا- كما غيره من المبدعين الكرد الأكثر حضوراًَ، كردياً، وعربياً، وعالمياً ،وستمنحه هذه الأجيال من المكانة ما لم نمنحه إياها، لهذا السبب أو ذاك، لاسيما في ظل ارتفاع صوت الدعي، بأعلى من المبدع الحقيق…!.
إن أماً، يكون أحد آثارها كاتباً ذا حضور كبير كإبراهيم محمود، هي أمٌّ كردية، استثنائية، فريدة، لأن أبناء كردستان الكبرى، المقبلة، سوف يقرؤون فكر هذا الرجل، بعد مئات السنين، وثمَّة من سيشير إلى أسرته، وأبويه، وتنشئته، وفِقره المدقع، في زمن يعيش فيه الكثيرون من اللصوص، والأدعياء، والفاسدين، والمهزومين، سعداء، ميسورين، بل إن في أمثال هؤلاء من سيطعن أمثال إبراهيم محمود، انطلاقاً من عقدة الهزيمة أمام اسمه الكبير.
هل تراني، خرجت عن متن النص، أم إنني مازلت في صلبه؟، سأجيب بنفسي: بلى، أنا، في متن المتن، ولعلي أجلت مثل هذا الكلام طويلاً، كما سواي، وها أجد الفرصة مناسبة، كي أقولها، في حضرة الصديق النبيل، والأكثر وفاء، لعلي أسليه، عبر مسافة شريط من السرد، لا أكثر،عن مرارة الفقد الباذخ، و شبح الألم الذي يحيط بأبي مالين –وهو بكرأمه- حيث يلوح لها تلويحته الأخيرة، منكسرة، مطعونة الظل، والخطوط، والمناديل،بعد أن توزع بعض روحها، في الكثير من النتاجات الثمينة لإبراهيمنا محمود الموقف، والشهامة، والوفاء.
الشارقة
14-4-2012