الى شعلة كورتبان إلى الشهيد جكر ..

 أمين عمر

نعم عزيزي جكر.. المشهد كان كما رسمته تماماً .. كما خطته يداك.. حشدٌ كبير .. باقاتِ وردٍ كثيرة كقطع حدائق متحركة في أيادي البشر.. طوابير طويلة من السيارات.. زغاريد النساء.. و والداك الشامخ في المقدمة ..كانت الدموع تغلب حفلك وهذا ما لم يخطط له إيّانا.. أما طلبت حفلاً تاريخياً يليق بشابٍ مثلك .. يختصر مئة عامٍ في العشرين.. نعم كان كرنفالاً للحرية.. المئات يتراكضون الى صورك ..يُلوّحون بها عالياً.. فقط إمرأة واحدة.. فقط أم الشهيد كانت تحمل صورتين.. واحدة في يديها تـُلوح بها عالياً والثانية في قلبها تحملها… تحفظها لمئة عامِ آخر.
إذن فعلتها ولم تستشر أحداً في عظيم أمرك.. إذن دفعت ديناً عنا، فوق طاقتنا.. لم نستطع إيفائه، هو ذا دين الحرية دفعته عنا.. دون التفافة أو نظرة وداع في وجه احـِبائك.. لطالما اعتقدناكم صغاراً وانتم تكبروننا، هل كبرتم في السر هل خططتم في السر لتحررونا من أوهامنا و تفكوا قيود أسرارنا… أما كنت شاباً مقبلاً على طقوس الحياة ..تنتظرك سنوات عديدات ..تنجز مشروع هنا وحلمٌ هناك..أما كانت تنتظرك ايام ضاحكات ..تقول فيها كلمة مزركشة بألوان العشق  لحبيبة ما.. كانت تنتظرك على مفرق قريتنا الهائمة على وجهها بعدك ..كلمة آخرى تقولها بل وعداً قطعته لوالدتك ..التي زغردت حتى الصمت في عرسك الأبدي هذا… هذا العرس المليء بالكائنات، فيه البشر والملائكة يسقون من دموع احِـبائك.هل حسبناك صغيراً على بطولات تقهر الصناديد ..أم نحن كعادتنا نخطئ الأحجام والأيام ولا نعرف قراءة بريق عيون الشجعان ..أيها الغض جسداً ايها المفعم رجولةً.. أيها الثائر في تلك البقعة الصغيرة التي لم يكن قد يعرفها الآخرون قبل خطوتك تلك ..تلك التي زيّـنت سماءها الازرق طيفاً مشعاً وما كانت تعرف سوى ضباب الايام والأقدار.إن كنا نجهلك يا عزيزي ..فما كنا لنجهل اباك ..جبل العطاء ..الذي يرمي حباً وعطاءاً كل من مر بقربه، يـُعلم دروس الوطنية لكل من نظر في وجهه، هو ذاك والدك ..جميل العائلة ..فرحة العائلة وصغيرها هو حبيب أهالي قريته، المخلص لأصدقائه ولشعبه..تراه ماذا يقول في سره ..ماذا يشعر وأنت تغادر حضن بيته وسنين عمره.. نعم أعرف بماذا يشعُر.. هو كعادته مرفوع الرأس في مصابه ..مصابنا.. هو الفخور بالأناشيد التي سيتغنّى به الكرديات ..الكورتبانيات طويلاً على ابنه…هو الذي سيطوف حول خلانه يخفف عمن حوله.. يكفكف دموعهم ويقبل جباههم ألا يحزنوا في عرس كبده.. فهو يدرك عظيم  قدر ابنه وجمال مسكن ابنه وهول فرحة ابنه..هو ذا والدك بشير .. المرح الذي لا ينتهي والفخر الذي لا  ينضب هو.. وأنت يا جكر أبريتما الآزادي.. أبريتما كورتبان..التي دفعت قسطاً كبيراً من ثمن حريتنا  ..نم قرير العين أيها الملاك الشاب فنحن لن نبكيك في عرسك ..لن نقلق حلمك فنحن أحوج الى البكاء على أنفسنا ..بانتظار خلاصنا الأكبر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…