ابراهيم زورو
الفرق بين الإنسان وبقية الكائنات ليست كثيرة هو الكلام أو الكذب وهذا ما يفتقر إليه بقية الكائنات، وأن القوانين هي التي تنظم علاقات بين البشر. تنظمها كي لا يبقى الكذب قائماً يفتك بالحقيقة.
من هنا كانت القوانين صارمة ولا تفرق بين البشر على مختلف الأجناس والأقوام والديانات. فهي أي القوانين هي أرضية ( وضعيه ) بمعنى لم تأت من السماء بل هي تنشد استعمال العقل في جل أوقاته. وما منظمات حقوق الإنسان إلا هي الوحيدة التي تنبذ كافة الإيديولوجيات التي تفرق ليس بين الأجناس فقط وإنما بين طبقة وأخرى ضمن التشكيلة الاجتماعية الواحدة . إما ان تكون أو لا تكون هذه هي سمة البشر ونحن نتكلم هنا عن الإنسان السوي الذي -لا يحمل أية إيديولوجيا – يبحث عن الحقيقة بعيداً عن كل الإغراءات المادية والمعنوية.
لهذا كانت الأمم هي التي تسيطر على قوانينها وتسوغها بناء على ديانتها وحالتها الاجتماعية، وتأخذ كل شيء بعين الاعتبار فلو لم يكن الأمر كذلك فان القوانين التي صيغت تكون ضد المجتمع، وهنا تبدأ لعبة شد الحبل بين التأويل والقراءة وبين الكذب والحقيقة، بين أن تكون سوياً تتجذر ذاتك، أو تتركه جانباً.
ولأن الحقوقي الذي يحمل فكرة حقوق الإنسان ينبغي عليه الاعتراف بكل مكونات مجتمعه بكل صدق وإخلاص، وإذا كان الأمر غير ذلك، فأنه والحالة هذه يفتح على نفسه أهواء إيديولوجية غير مجدية كونه يفكر بطريقة تخالف مما هو معلن في برنامجه الحقوقي. هنا نحن بصدد العلاقة بين الحامل والمحمول وبين الذات والموضوع فالعلاقة بينهما علاقة التعدي فأي خلل بينهما يؤدي وبالضرورة إلى الفشل ويبقى الحامل بدون محمول ويصبح الأمر مجرد ترهات. ليس هذا فحسب أنما العقل يكون في حالة غير طبيعية أو صحية وايضاً بنية العقل غير صالحة للنشر. فأن هذا التحليل بهذا الشكل يشد الانتباه إلى منطقة أخرى إلا وهي:أن حقوق الإنسان هي منطقة عسكرية غير قابلة للاقتراب أو التصوير. أي بمعنى أن تكون مركز كل الأحزاب فهو لا يتخندق في موقع. وإذا تخندق تبقى العلاقة متدلية في الهواء ليصبح حزباً حاملاً لإيديولوجية غير صالحة كونها تحمل برنامجين في برنامج واحد ، وهكذا تسقط حقوق الإنسان وتبقى الإيديولوجيا هي قائمة وحينها تكون مجرد منظمة مدنية (مبندقه) تصبح امرأة كويكي في مسرحية شكسبير ؟ .
العقد النفسية تبقى قائمة كونها تخبأ برنامجها في إطار والكلام في إطار آخر. فالموجود يكون موجوداً ان أردنا أو لم نرد ، فإما ان تكون هذا أو لا تكون ، يجب على حاملي الفكر ان يكونوا نزيهي الأفكار والآراء ،صادقين مع ذواتهم، بدون أن يكون هناك أي تأويل في نصوصهم ، بمعنى أن يكونوا هم أنفسهم تطبيقاً وممارسة .
وهذه العقد النفسية تبرز على السطح متى غادر المرء ذاته وسهى عن واقعه قليلاً، حتى الآن نحن هنا بإزاء شيء غير معلن لماذا الايديولوجيا المخبأة؟ ولم تكن غيرها، فإنكار هذا الشعب أو الفصيل ليس من ضمن الاختصاص حقوق الإنسان، فهذه المنظمة تنظم العلاقات بين البشر بغض النظر عن منبت أو ما شابه ذلك، اعتني بكل برامجك وكفى؟، ان تنفي ذاتك لهي مشكلة تيموسية (وجود)ونحن نقاتل في سبيل إيجاد موطىء القدم لنا ضمن هذا الركام الفوضوي في بلد لا يحترم أدنى اعتراف بتموسية الآخر، فلا احد يستطيع ان ينفي الآخر، ولان الأمر هكذا علينا ان نرجع إلى برامجنا ونصوغها على ان نكون شركاء في وطن واحد، هذه الغلاسنوستية تجعل التعامل شفافاً، وإلا تعالوا لنقحم بعضنا في قرون سابقة لنرى من هو الأقوى، ومن يكون خميرة حياته أجدر بالعيش من آخر.ولكي لا نرجع قهقرياً إلى الوراء المشؤوم، لذلك أنشأت منظمات حقوقية تعتني بالإنسان من حيث هو هو، تكون ذاتك تماماً هكذا أردنا ان نكون وإلا علينا ان نبحث أو نجيد صياغة أخرى لنكون حزباً بدون اللعب على أوتار المصطلحات، ومن وراءها نقصف الآخرين، هذا الخلط بين الإيديولوجيتين لهي مشكلة في غاية الأهمية بالنسبة إلى العاملين في حقل كل على حداه.
وجلي للعيان بأن الايديولوجيا تفرق بين البشر، وكأن منظمات حقوقية تريد أن تنسف إيديولوجيتها بايديولوجيات أخرى مضادة التي لا تفرق بين الأجناس والأقوام والديانات، هذا خروج من منبتها الأصلي، تتجذر في العمق الايديولوجي ليس إلا، ومهما شذبنا الايديولوجيا فهي تفرق باعتبارها بعد وحيز عن الواقع، وإذا كان الأمر غير هذا، فكأننا نطرد الإيديولوجيا المخففة عن أخرى اشد تجذراً من الأولى، ومن المؤكد حقاً أن التفريق والتأويل لمصطلح واحد، في مستويات عدة في غاية الأهمية، وكأنها نحت وتشذيب واحدة دون أخرى، فحقوق الإنسان هي صيغة مخففة من الايديولوجيا السياسية ورغم ذلك والتي هي في مطافها الأخير مرض ينبغي محاربتها دون هوادة.
اعتقد هنا أن التراث هو الذي يلعب لعبته علينا لذلك فنحن مضطرون على هذا التعامل كوننا لم نتجرد من آثامنا وأوساخنا أو لنقل أن المسافة بيننا وبين التراث هي صفراً أي لم نغادره حتى الآن، ومتى جاءت لحظة الرحيل وإحراق تلك المسافة، إنما نغسل أنفسنا من الماضي، والماضي الذي قاموا بتأسيسه أجدادنا، بغض النظر عن آرائهم، فهو أي التراث بقي في لا شعورنا ولم نغادره حتى الآن، ففي التراث العربي: العربي هو الأول في كل شيء على الرغم أن هذا الكلام ليس دقيقاً، كون التاريخ العربي:قرأ استعمار العثماني على انه: فتح العثماني للوطن العربي ؟! ومن جهة أخرى هناك مركزية الفكر الأوربي، وكل الأقوام تقر بأنها مركز الكون. إذاً هناك تشويش في مفاهيم التراث ؟ كيف يقرأ هذا الفعل ؟ أليس إجحافاً بحق التراث ؟ و الأنكى من كل ذلك نقوم بتبجيل التراث جملة وتفصيلاً عبر لاشعورنا الدامي من سوء استعمال عقولنا ؟ أليس من المعيب أن نربط مصيرنا بذلك التراث المغلوط الفهم ؟ فنحن هنا لا نسيء إلى التراث وشخصياته وإنما إلى مدى فهمهم لما كتبوه في ذلك الوقت .
يجب أن نصر على أن المسافة صفر ، علينا أن نبعدها عنا ، كي نداوي هذا التراث الدامي بكل ما تحمل الكلمة من المعنى ؟ إذا المسافة هي أولاً، وإجبار التراث على استنطاقه، بفهم مفتوح وبعيد عن تعقيدات التراث أو واقعنا ؟ أن لا نحمل مفاهيمنا على التراث ولا نجعل التراث يلعب بنا عن طريق تقابل بين عواطفه وعواطفنا، بغض النظر عن نبالته وكبريائه ،هذا موضوع آخر مكانه ليس هنا ، إنما في دراسة أخرى .
إما العنصر الثاني والرئيس في هذا المجال هو قراءة التراث بعيداً عن الخوف ونحرر أنفسنا من ربقة الجهل ونفصل ذواتنا عن عواطفنا بتجرد تام وكأن التراث ليس لنا فيه أي قيمة تذكر ،أي بمعنى إذا لم يتم الفصل بين الذات والموضوع لهي مشكلة معرفية بالدرجة الأولى ، وهذا الكلام لم يتم الفصل فيه إلى الحين ، على الرغم أن أصوات تنادي هنا وهناك بمثل هذه المواضيع إلا أنها تبقى في إطار المحاولات ليست إلا .
بكلام آخر على التراث أن يكون مرآة لنا ليعكس صورتنا والعكس ليس صحيحاً ، علينا محاورة التراث عبر نص مغلق ومن مصادر متعددة وعبر نصوص متعددة أي كل ما قيل وكتب عن التراث بلسان عربي أو بألسنة أخرى، هذا التجميع من شأنه الإلمام بكافة الجوانب التراث .
ففي يومنا هذا كل الارتباك يأتي من أن التراث يغزونا بدون أن نحس ويفعل فعله بنا بدون أن ندري فترانا نجتر من هنا وهناك بدون فائدة تذكر وهكذا تختلط الأمور في أذهاننا فنحن عندما نتكلم عن حقوق الإنسان يقفز إلى أذهاننا مشاكل كبرى مثل اعتراف بالآخر وكأن تيسمويتنا ناقصة تعاني فقراً مدقعاً عما لدى الآخر ،وماذا لو كان هذا الآخر هو أنا . مثل هذه المحاكمات الذاتية تفتقر إليها حتى مركزية الفكر الأوربية فكيف إذا تعلق الأمر بمنطقة نائية مثل الشرق الأوسط . إذاً نحن في مأزق شديد العمق . لا نستطيع الخروج منه في مدى المنظور .
فهكذا عندما تبدو الايديولوجيا هي محركة للتواصل والتي تجمع بين سائر البرامج الأحزاب السياسية ،هنا المجتمع تبدو مخلخلة وخالية من أي تمازج أو تطوير للفكرة مهما كانت قوية ولصالح المجتمع ، وبما أن الايديولوجيا هي فكر الواهم أي تميل بالواقع على غير ما هو عليه ، فأي تطوير نبغيه هنا سوى الكلام الفارغ لا معنى لها ضمن حدود التطور والحركة ، الأمر هنا متعلق ببنية العقل التي لا تجدي نفعاً وما تزال تريد أن تتقوقع ضمن خندق صغير بالنسبة إلى بنيتها الأساسية، فكل ما هو واهم يدخل على خطوط رئيسية ويبدأ التشويش بالظهور وهي بالأصل موجودة هنا وهي تتفاقم ،وتصل إلى ذروته خلال فترة قصيرة من تواجدها أصلاً ، علماً أن الايديولوجيا هي التي تساعدها على زيادة السرعة ولها القدره ليصلنا إلى الوهم الكامل، في هذا المنحى علينا أن نعلن عن موت الإيديولوجيا أولاً لا لنبدأ بتبديلها ،وإنما بنسفها بدون أدواتها ،كي نضعها في وضع قاس لا تستطيع الخروج منها كي تبدأ الحقيقة في الظهور علناً دون خوف أو وجل ، وبدون رقيب أو حسيب ، لا بد من الإشارة هنا،على أن المجتمع متعلم ومدمن على الفكر بأدواته السابقة لا بد من تغييره ، ونحن نصر إلى فتح مساحات الواسعة كي نبتعد من براثنها ونخلق مسافة شاسعة بيننا وبين تلك الأدوات التي أرادت من الناس أن يتعلموه ، وهذا باعتقادي لا نستطيع أن نخلق مثل هذا الجو وهذه المسافة المشارة إليها فيما سبق ، هنا وكأننا أمام تبديل بنية الأساسية للعقل التي تعوض على أن تكون ما هو عليه ، ففي هذا المنحى أن البنية المراد تشذيبها ليست بمستطاع واحد أن يغيره ما دام الكل يفكر بأدواته الماضية ولا يبغي التغيير ، هنا نضع انفسنا في خانة الاقتصادية التي نحن بمنأى عن تغييرها ، وكأننا نلمس الدولة ، والأخيرة ليست من مصلحتها إجراء مثل هذا التغيير في مدى منظور، لو لم نشكل ضغطاً حقيقياً عليها، فالمستوى الاقتصادي كفيلة أن تقوم بمثل هذه التغييرات، وهذا ليس بمتناول الفكر المثقفين لتجاوز مثل هذه الطرق الالتفافية على الدولة، ولم أشأ أن أقول الدولة الوطنية ، لان كل الدولة أو ما تذكرنا هي قمعها في مستويات عديدة ، فأي تغيير في مستوى يؤدي بالضرورة إلى إيقاظ الدولة من غفوتها وتبدأ المعركة ، ولكن الشيء المفيد هنا الذي لا يمكن أن ننساها هو وضع العالمي الجديد الذي يشيء بأن الإنسان القادم هو الإنسان الاقتصادي ،ولكن نريد أن نختم موضوعنا بسؤال هل الوضع العالمي يريد أن يغير البنى الاقتصادية كي يتم بناء فكر جديد ، ونسف الإيديولوجيا من أساسها ؟ وهل نحن مهيؤون ونكون أبطال التغيير في الفهم والوعي ؟
باعتقادي أن الفهم أو الوعي هو تسيطر وتحتلنا منذ البدء وتغييره يحتاج إلى جملة من المتغيرات الذاتية والموضوعية . وكلاهما يؤثر في الآخر . فالظروف الموضوعية اعني بها الظروف المعيشية للفرد عبر إفساح اكبر المساحة لحركته وتوفير ابسط الظروف والمستلزمات المعيشية من حيث شروط التفكير الصحيح الذي كلنا بحاجة ماسة اليه . و بدونها لا يكون التفكير سليماً في أي شيء . وهذه تتحملها مسؤوليتها الدولة كونها هي المصدر والمتنفس الوحيد لان يقوم بهذا الدور ، وإلا يعاب عليها على أن تكون الدولة ذات السيادة لا اقصد قطعاً السيادة بمعناها الخارجي وإنما أن يكون كل فرد في الدولة كما لو انه مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن امن الدولة الداخلي ، إذا كان جميع الأفراد احراراً ليس خطراً عليها ،إنما ذلك تعزيزاً لدورها كدولة ،فبدون ذلك لا يكون الدولة دولة ،حتى نكون رعاياها بالتمام والكمال، عليها أن توفر لنا ابسط مستلزمات الحياة كي نعيش بدون التفكير ،وهذا هو القائم حتى الآن ،وبالتالي لا يمكن أن نقول بأن هناك دولة بمعناها الحقيقي ،فالدولة تحاسب الناس على ما اقترفوه من الذنوب بدون أن تسال عن السبب الذي أدى به على قيام بمثل هذه المشاكل أن سميناها هي المشكلة على الرغم من أن مشكلته يطالب بحقه في العيش بكرامة دون أن يعترض سبيله أي معترض . اذاً قد أغلقنا باب الجدال جيداً كوننا رمينا على الدولة الجانب الموضوعي التي تتهرب منها بالتمام والكمال . وأما الجانب الذاتي ، فهو متعلق بجانب الموضوعي لكن في وضعنا الراهن تكون العلاقة ضعيفه و(نحيلة ) بين الذاتي والموضوعي، والسبب في ذلك إذا شئنا القول: أن الذاتي تتغذى من الموضوعي واليه المآل والمرجع . وهذا الأخير غير مؤهل لإنشاء الذات بقوام صحيح . بمعنى آخر هناك تباين بينهما كون الدولة تخاف من أعطاء الجانب الموضوعي أهميته بشكل يؤهل أن تكون ذاتاً قادرة أن تجيد التفكير بشكل الصحيح .
وهكذا يكون الحقوقي يتجذر بين الذاتي والموضوعي أي بين الدولة التي لا تمنح الذات كامل حقها بالعيش الكريم ولكي تكون مبدعاً في اسوء اوضاعه وهذا هو مكانه الصحيح ،عليه أن تناضل في تلك الزاوية من العالم . واما أن يكون موضوعه ايديولوجي فان بذلك يخسر ذاته كونه ساعدت الدولة على طمس معالم الفرد وهذا باعتقادي لا يتمناه إلى فرداً لنفسه وقد اصبح في عداد المثقف العضوي بمعنى غرامشي .
ولأن الحقوقي الذي يحمل فكرة حقوق الإنسان ينبغي عليه الاعتراف بكل مكونات مجتمعه بكل صدق وإخلاص، وإذا كان الأمر غير ذلك، فأنه والحالة هذه يفتح على نفسه أهواء إيديولوجية غير مجدية كونه يفكر بطريقة تخالف مما هو معلن في برنامجه الحقوقي. هنا نحن بصدد العلاقة بين الحامل والمحمول وبين الذات والموضوع فالعلاقة بينهما علاقة التعدي فأي خلل بينهما يؤدي وبالضرورة إلى الفشل ويبقى الحامل بدون محمول ويصبح الأمر مجرد ترهات. ليس هذا فحسب أنما العقل يكون في حالة غير طبيعية أو صحية وايضاً بنية العقل غير صالحة للنشر. فأن هذا التحليل بهذا الشكل يشد الانتباه إلى منطقة أخرى إلا وهي:أن حقوق الإنسان هي منطقة عسكرية غير قابلة للاقتراب أو التصوير. أي بمعنى أن تكون مركز كل الأحزاب فهو لا يتخندق في موقع. وإذا تخندق تبقى العلاقة متدلية في الهواء ليصبح حزباً حاملاً لإيديولوجية غير صالحة كونها تحمل برنامجين في برنامج واحد ، وهكذا تسقط حقوق الإنسان وتبقى الإيديولوجيا هي قائمة وحينها تكون مجرد منظمة مدنية (مبندقه) تصبح امرأة كويكي في مسرحية شكسبير ؟ .
العقد النفسية تبقى قائمة كونها تخبأ برنامجها في إطار والكلام في إطار آخر. فالموجود يكون موجوداً ان أردنا أو لم نرد ، فإما ان تكون هذا أو لا تكون ، يجب على حاملي الفكر ان يكونوا نزيهي الأفكار والآراء ،صادقين مع ذواتهم، بدون أن يكون هناك أي تأويل في نصوصهم ، بمعنى أن يكونوا هم أنفسهم تطبيقاً وممارسة .
وهذه العقد النفسية تبرز على السطح متى غادر المرء ذاته وسهى عن واقعه قليلاً، حتى الآن نحن هنا بإزاء شيء غير معلن لماذا الايديولوجيا المخبأة؟ ولم تكن غيرها، فإنكار هذا الشعب أو الفصيل ليس من ضمن الاختصاص حقوق الإنسان، فهذه المنظمة تنظم العلاقات بين البشر بغض النظر عن منبت أو ما شابه ذلك، اعتني بكل برامجك وكفى؟، ان تنفي ذاتك لهي مشكلة تيموسية (وجود)ونحن نقاتل في سبيل إيجاد موطىء القدم لنا ضمن هذا الركام الفوضوي في بلد لا يحترم أدنى اعتراف بتموسية الآخر، فلا احد يستطيع ان ينفي الآخر، ولان الأمر هكذا علينا ان نرجع إلى برامجنا ونصوغها على ان نكون شركاء في وطن واحد، هذه الغلاسنوستية تجعل التعامل شفافاً، وإلا تعالوا لنقحم بعضنا في قرون سابقة لنرى من هو الأقوى، ومن يكون خميرة حياته أجدر بالعيش من آخر.ولكي لا نرجع قهقرياً إلى الوراء المشؤوم، لذلك أنشأت منظمات حقوقية تعتني بالإنسان من حيث هو هو، تكون ذاتك تماماً هكذا أردنا ان نكون وإلا علينا ان نبحث أو نجيد صياغة أخرى لنكون حزباً بدون اللعب على أوتار المصطلحات، ومن وراءها نقصف الآخرين، هذا الخلط بين الإيديولوجيتين لهي مشكلة في غاية الأهمية بالنسبة إلى العاملين في حقل كل على حداه.
وجلي للعيان بأن الايديولوجيا تفرق بين البشر، وكأن منظمات حقوقية تريد أن تنسف إيديولوجيتها بايديولوجيات أخرى مضادة التي لا تفرق بين الأجناس والأقوام والديانات، هذا خروج من منبتها الأصلي، تتجذر في العمق الايديولوجي ليس إلا، ومهما شذبنا الايديولوجيا فهي تفرق باعتبارها بعد وحيز عن الواقع، وإذا كان الأمر غير هذا، فكأننا نطرد الإيديولوجيا المخففة عن أخرى اشد تجذراً من الأولى، ومن المؤكد حقاً أن التفريق والتأويل لمصطلح واحد، في مستويات عدة في غاية الأهمية، وكأنها نحت وتشذيب واحدة دون أخرى، فحقوق الإنسان هي صيغة مخففة من الايديولوجيا السياسية ورغم ذلك والتي هي في مطافها الأخير مرض ينبغي محاربتها دون هوادة.
اعتقد هنا أن التراث هو الذي يلعب لعبته علينا لذلك فنحن مضطرون على هذا التعامل كوننا لم نتجرد من آثامنا وأوساخنا أو لنقل أن المسافة بيننا وبين التراث هي صفراً أي لم نغادره حتى الآن، ومتى جاءت لحظة الرحيل وإحراق تلك المسافة، إنما نغسل أنفسنا من الماضي، والماضي الذي قاموا بتأسيسه أجدادنا، بغض النظر عن آرائهم، فهو أي التراث بقي في لا شعورنا ولم نغادره حتى الآن، ففي التراث العربي: العربي هو الأول في كل شيء على الرغم أن هذا الكلام ليس دقيقاً، كون التاريخ العربي:قرأ استعمار العثماني على انه: فتح العثماني للوطن العربي ؟! ومن جهة أخرى هناك مركزية الفكر الأوربي، وكل الأقوام تقر بأنها مركز الكون. إذاً هناك تشويش في مفاهيم التراث ؟ كيف يقرأ هذا الفعل ؟ أليس إجحافاً بحق التراث ؟ و الأنكى من كل ذلك نقوم بتبجيل التراث جملة وتفصيلاً عبر لاشعورنا الدامي من سوء استعمال عقولنا ؟ أليس من المعيب أن نربط مصيرنا بذلك التراث المغلوط الفهم ؟ فنحن هنا لا نسيء إلى التراث وشخصياته وإنما إلى مدى فهمهم لما كتبوه في ذلك الوقت .
يجب أن نصر على أن المسافة صفر ، علينا أن نبعدها عنا ، كي نداوي هذا التراث الدامي بكل ما تحمل الكلمة من المعنى ؟ إذا المسافة هي أولاً، وإجبار التراث على استنطاقه، بفهم مفتوح وبعيد عن تعقيدات التراث أو واقعنا ؟ أن لا نحمل مفاهيمنا على التراث ولا نجعل التراث يلعب بنا عن طريق تقابل بين عواطفه وعواطفنا، بغض النظر عن نبالته وكبريائه ،هذا موضوع آخر مكانه ليس هنا ، إنما في دراسة أخرى .
إما العنصر الثاني والرئيس في هذا المجال هو قراءة التراث بعيداً عن الخوف ونحرر أنفسنا من ربقة الجهل ونفصل ذواتنا عن عواطفنا بتجرد تام وكأن التراث ليس لنا فيه أي قيمة تذكر ،أي بمعنى إذا لم يتم الفصل بين الذات والموضوع لهي مشكلة معرفية بالدرجة الأولى ، وهذا الكلام لم يتم الفصل فيه إلى الحين ، على الرغم أن أصوات تنادي هنا وهناك بمثل هذه المواضيع إلا أنها تبقى في إطار المحاولات ليست إلا .
بكلام آخر على التراث أن يكون مرآة لنا ليعكس صورتنا والعكس ليس صحيحاً ، علينا محاورة التراث عبر نص مغلق ومن مصادر متعددة وعبر نصوص متعددة أي كل ما قيل وكتب عن التراث بلسان عربي أو بألسنة أخرى، هذا التجميع من شأنه الإلمام بكافة الجوانب التراث .
ففي يومنا هذا كل الارتباك يأتي من أن التراث يغزونا بدون أن نحس ويفعل فعله بنا بدون أن ندري فترانا نجتر من هنا وهناك بدون فائدة تذكر وهكذا تختلط الأمور في أذهاننا فنحن عندما نتكلم عن حقوق الإنسان يقفز إلى أذهاننا مشاكل كبرى مثل اعتراف بالآخر وكأن تيسمويتنا ناقصة تعاني فقراً مدقعاً عما لدى الآخر ،وماذا لو كان هذا الآخر هو أنا . مثل هذه المحاكمات الذاتية تفتقر إليها حتى مركزية الفكر الأوربية فكيف إذا تعلق الأمر بمنطقة نائية مثل الشرق الأوسط . إذاً نحن في مأزق شديد العمق . لا نستطيع الخروج منه في مدى المنظور .
فهكذا عندما تبدو الايديولوجيا هي محركة للتواصل والتي تجمع بين سائر البرامج الأحزاب السياسية ،هنا المجتمع تبدو مخلخلة وخالية من أي تمازج أو تطوير للفكرة مهما كانت قوية ولصالح المجتمع ، وبما أن الايديولوجيا هي فكر الواهم أي تميل بالواقع على غير ما هو عليه ، فأي تطوير نبغيه هنا سوى الكلام الفارغ لا معنى لها ضمن حدود التطور والحركة ، الأمر هنا متعلق ببنية العقل التي لا تجدي نفعاً وما تزال تريد أن تتقوقع ضمن خندق صغير بالنسبة إلى بنيتها الأساسية، فكل ما هو واهم يدخل على خطوط رئيسية ويبدأ التشويش بالظهور وهي بالأصل موجودة هنا وهي تتفاقم ،وتصل إلى ذروته خلال فترة قصيرة من تواجدها أصلاً ، علماً أن الايديولوجيا هي التي تساعدها على زيادة السرعة ولها القدره ليصلنا إلى الوهم الكامل، في هذا المنحى علينا أن نعلن عن موت الإيديولوجيا أولاً لا لنبدأ بتبديلها ،وإنما بنسفها بدون أدواتها ،كي نضعها في وضع قاس لا تستطيع الخروج منها كي تبدأ الحقيقة في الظهور علناً دون خوف أو وجل ، وبدون رقيب أو حسيب ، لا بد من الإشارة هنا،على أن المجتمع متعلم ومدمن على الفكر بأدواته السابقة لا بد من تغييره ، ونحن نصر إلى فتح مساحات الواسعة كي نبتعد من براثنها ونخلق مسافة شاسعة بيننا وبين تلك الأدوات التي أرادت من الناس أن يتعلموه ، وهذا باعتقادي لا نستطيع أن نخلق مثل هذا الجو وهذه المسافة المشارة إليها فيما سبق ، هنا وكأننا أمام تبديل بنية الأساسية للعقل التي تعوض على أن تكون ما هو عليه ، ففي هذا المنحى أن البنية المراد تشذيبها ليست بمستطاع واحد أن يغيره ما دام الكل يفكر بأدواته الماضية ولا يبغي التغيير ، هنا نضع انفسنا في خانة الاقتصادية التي نحن بمنأى عن تغييرها ، وكأننا نلمس الدولة ، والأخيرة ليست من مصلحتها إجراء مثل هذا التغيير في مدى منظور، لو لم نشكل ضغطاً حقيقياً عليها، فالمستوى الاقتصادي كفيلة أن تقوم بمثل هذه التغييرات، وهذا ليس بمتناول الفكر المثقفين لتجاوز مثل هذه الطرق الالتفافية على الدولة، ولم أشأ أن أقول الدولة الوطنية ، لان كل الدولة أو ما تذكرنا هي قمعها في مستويات عديدة ، فأي تغيير في مستوى يؤدي بالضرورة إلى إيقاظ الدولة من غفوتها وتبدأ المعركة ، ولكن الشيء المفيد هنا الذي لا يمكن أن ننساها هو وضع العالمي الجديد الذي يشيء بأن الإنسان القادم هو الإنسان الاقتصادي ،ولكن نريد أن نختم موضوعنا بسؤال هل الوضع العالمي يريد أن يغير البنى الاقتصادية كي يتم بناء فكر جديد ، ونسف الإيديولوجيا من أساسها ؟ وهل نحن مهيؤون ونكون أبطال التغيير في الفهم والوعي ؟
باعتقادي أن الفهم أو الوعي هو تسيطر وتحتلنا منذ البدء وتغييره يحتاج إلى جملة من المتغيرات الذاتية والموضوعية . وكلاهما يؤثر في الآخر . فالظروف الموضوعية اعني بها الظروف المعيشية للفرد عبر إفساح اكبر المساحة لحركته وتوفير ابسط الظروف والمستلزمات المعيشية من حيث شروط التفكير الصحيح الذي كلنا بحاجة ماسة اليه . و بدونها لا يكون التفكير سليماً في أي شيء . وهذه تتحملها مسؤوليتها الدولة كونها هي المصدر والمتنفس الوحيد لان يقوم بهذا الدور ، وإلا يعاب عليها على أن تكون الدولة ذات السيادة لا اقصد قطعاً السيادة بمعناها الخارجي وإنما أن يكون كل فرد في الدولة كما لو انه مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن امن الدولة الداخلي ، إذا كان جميع الأفراد احراراً ليس خطراً عليها ،إنما ذلك تعزيزاً لدورها كدولة ،فبدون ذلك لا يكون الدولة دولة ،حتى نكون رعاياها بالتمام والكمال، عليها أن توفر لنا ابسط مستلزمات الحياة كي نعيش بدون التفكير ،وهذا هو القائم حتى الآن ،وبالتالي لا يمكن أن نقول بأن هناك دولة بمعناها الحقيقي ،فالدولة تحاسب الناس على ما اقترفوه من الذنوب بدون أن تسال عن السبب الذي أدى به على قيام بمثل هذه المشاكل أن سميناها هي المشكلة على الرغم من أن مشكلته يطالب بحقه في العيش بكرامة دون أن يعترض سبيله أي معترض . اذاً قد أغلقنا باب الجدال جيداً كوننا رمينا على الدولة الجانب الموضوعي التي تتهرب منها بالتمام والكمال . وأما الجانب الذاتي ، فهو متعلق بجانب الموضوعي لكن في وضعنا الراهن تكون العلاقة ضعيفه و(نحيلة ) بين الذاتي والموضوعي، والسبب في ذلك إذا شئنا القول: أن الذاتي تتغذى من الموضوعي واليه المآل والمرجع . وهذا الأخير غير مؤهل لإنشاء الذات بقوام صحيح . بمعنى آخر هناك تباين بينهما كون الدولة تخاف من أعطاء الجانب الموضوعي أهميته بشكل يؤهل أن تكون ذاتاً قادرة أن تجيد التفكير بشكل الصحيح .
وهكذا يكون الحقوقي يتجذر بين الذاتي والموضوعي أي بين الدولة التي لا تمنح الذات كامل حقها بالعيش الكريم ولكي تكون مبدعاً في اسوء اوضاعه وهذا هو مكانه الصحيح ،عليه أن تناضل في تلك الزاوية من العالم . واما أن يكون موضوعه ايديولوجي فان بذلك يخسر ذاته كونه ساعدت الدولة على طمس معالم الفرد وهذا باعتقادي لا يتمناه إلى فرداً لنفسه وقد اصبح في عداد المثقف العضوي بمعنى غرامشي .