أصبح الاهتمام بالكلمة المكتوبة واهياً وهشاً، في السنوات الأخيرة على وجه التحديد ، ولعل مرد ذلك إلى جملة من الأسباب والمعيقات. وقد يكون أبرزها ارتفاع سعر الكتاب الذي تأثر بدوره بارتفاع أسعار الورق العالمية ، وتكاليف الطباعة ، ومستلزماتها التقنية باعتبار أن المطبوعة المقروءة تمرَّ بمراحل عديدة حتى تخرج إلى النور ، وتتلقفها أيدي القراء. هذا بالإضافة إلى سهولة وسرعة التعامل مع المعلومات والأخبار مع ثورة التقانة العصرية الحديثة من فضائيات تَعِدُ مشاهديها بأنها مع الحدث وأحياناً قبله، والإعلام الإلكتروني الذي غزا العالم وأصبح بالفعل من التقنيات الإنسانية وفتوحات العلم المدهشة والعظيمة.
ورغم أهمية الثقافة الإلكترونية، لكن يبقى الكتاب أو الصحيفة المطبوعة أقرب روحياً لدى الكثير من طلاب العلم والمعرفة . وأدَّعي أن الكتاب رغم تقهقره في هذا الوقت لكنه ، يبقى خير جليس في الأنام بحسب الشاعر العباسي المتنبي.
الصحافة الثقافية :
إن الصحافة الثقافية لا تتقاطع مع الصحافة السياسية على اعتبار أن الأخيرة تتجدد ،وتتغير وكل يوم ثمة حدث جديد ، بل هي انعكاس عن مرحلة ومرآة لتجلي واستشفاف مشاريع شخصية أو جماعية بقصد التأثير في محيط أو ذائقة أدبية أو فنية معينة ، وتعبير عن رؤى وأفكار قد تتساقط أوتتداعى لتحل محلها قناعات جديدة وذهنيات معرفية جديدة ، وهذا واضح في ظهور المذاهب الأدبية ، فهي كانت تنتعش في حقبة زمنية تطول أو تقصر ، ويأتي مذهب آخر جديد لينسف سابقه ، ويحل محله إلى أن يحين دوره لترك الساحة لمنظوم معرفي وثقافي جديد .
بتعبير آخر : الصحافة الثقافية من العسير أن تستمر مع الأفكار التي جاءت من أجلها لأن هذه الأفكار مصيرها التبدل والتغيير بفعل الوعي الإنساني ، ففي العالم العربي على سبيل التمثيل هناك مجلات ثقافية عديدة توقفت لأنها إما لم ترضَ أن تغيِّرَ من النهج الذي انبنت عليه، أو أن الظروف تغيرت ، ولعل أهم مثال هو مجلة الناقد التي أصدرها الصحفي : رياض نجيب الريس وقد استقطبت أقلام الحداثة من مشرق الأرض إلى مغربها ، واستطاعت أن تؤسس لفكر ثقافي حر بعيداً عن تابوات التحريم والتكفير . لكنها لم تصمد ، وتوقفت منذ تسع سنوات .وإذا عددنا المجلات والجرائد الثقافية التي توقفت سيطول بنا المقام .
مجلة سور غول :
محور موضوعنا مجلة كردية تصدر بالعربية في عاصمة الصحافة العربية “بيروت” وهي سور غول ، وتعني بالعربية “الوردة الحمراء ” هدفها ـ كما ورد أسفل العنوان ـ البحث والتوثيق والتحليل ـ صاحبها :بهجت سعدو .
بين يدي العدد أربعون ، وإحساساً مني أن أي إعلام يخص الموضوع الكردي من حقه علينا أن ندافع عنه ،ونكتب فيه، ويشعر أي كاتب أن أمرَ هذا المشروع يخصُّه شخصياً ، فنوفر الشروط الكفيلة ، ونوفر عوامل الاستمرارية له ليستمر لأن مشاريع الإعلام الكردي عادة ما تكون خاسرة وهي تتعثر وتتوقف لانعدام الدراسة العلمية لها إضافة إلى الجانب المادي الذي يقصف عمر تلك المشاريع ، ويراوحها في مكانها إلى أن تستسلم ، وتتوقف عن الصدور .
لكن إذا لاحظنا أن بعضها يلفظ أنفاسه الأخيرة علينا أن نسلط الضوء عليه ، ونضعه تحت مجهر النقد الموضوعي نرصد ماله وما عليه لعله يستيقظ من غفوته ، وينطلق من جديد متجاوزاً ظروفه ، ومعوقات تطوره .
وهذا ما لاحظته في عدد سور غول الأربعين ، فقد اطلعت على بعض أعداد هذه المجلة منذ أواسط التسعينات ، وكم كانت بهجتنا كبيرة آنذاك بالمجلة التي إلى حد مقبول كانت تحافظ على سوية مقبولة من موادها إضافة إلى إصرار أسرة تحريرها على تواتر صدور النظامي ولو أنها كانت تتلكأ أحياناً لجملة من الأسباب معروفة ، وأكاد اجزم أن تلك الأعداد كانت أفضل من هذا العدد ” الأربعين”
سور غول يصدرها عدد من كرد لبنان .وهي من جهة التوجه العام أعتقد أنها قريبة من دائرة pkk بدليل أن هذا العدد وغيره يسلط الضوء على نشاطات العمال الكردستاني .
في هذه الوقفة يهمني أن أتصفح العدد الصادر مؤخراً ، وأسجل انطباعاتي عليه والتي قد تكون خاطئة ،لكن ما يسعفني هو النية الطيبة والرغبة في مشاهدة أي مشروع إعلامي كردي بأبهى حلة .
الغلاف :
تطور الغلاف الحالي عن بعض الأعداد السابقة ، لكنه لم يزل محتفظاً على تقليد وضع صورة زعيم حزب العمال الكردستاني السيد : عبدا لله أوجلان المسجون لدى السلطات التركية منذ سنوات عديدة ، لعل في الأمر رغبة في تسويق المطبوعة ، فالسيد أوجلان معتقل لدى السلطات التركية ، وهو بالنسبة لأعضاء ومؤيدي الحزب المذكور يعد رمزاً كبيراً ، إضافة إلى كاريزماه الشخصية القوية،ومجرد وضع صورته على الغلاف الرئيسي كاف لأن يشتري المجلة شخص حتى لو عجز عن فك الحروف .المهم الصورة، وليس المهم المحتوى .أما الغلاف الثاني فقد حوى على لوحة فنية للفنان “دلدار فلمز” ولاتعليق لي على اللوحة بسبب ضعف إمكانياتي الفنية .
ولكن ثمة خطأ واضح على الغلاف؛ وهو المكتوب على كعبية العدد: العدد 40 آذار حزيران 2006 ولا تعليق ؟؟؟!!
بين دفتي الغلافين :
في الصفحة الأولى من المتن تكرار لاسم المجلة وذكر طاقم العمل والعنوان والسعر والمحتويات مع إغفال اسم رئيس التحرير ، فالمدير المسؤول يختلف عمله عن عمل رئيس التحرير. وأي مجلة كيف لها أن تصدر دون الدينمو والمركز الهام “سكرتير التحرير ”
أرى أن زج كل هذه المعلومات في الصفحة الأولى يسيء إلى المستوى الجمالي والذوقي للمجلة وكان الأجدر لأن تبقى الصفحة الثانية إما فارغة أو تكون مجالاً للمحتوى .
الافتتاحية من حيث الفكرة كانت معبرة، ولكن البدء بالفينيقي بالسوباري بالكردي بـ الخ…. لم يكن موفقاً .
وإن كان إصدار المجلة من لبنان فهذا لايعني أن تكون المساهمة الأولى عن الحوار الوطني اللبناني بسبب خصوصية المجلة الكردية إلى حد أن أحد الكتاب نشر مقالاً في مجلة الأسبوع الأدبي السورية ، وفي معرض كتابته اشتشهد بمادة عن انتفاضة قامشلو وشرعيتها من المصدر “سورغول” وهذا يعني فيما يعني أنها مقروءة في الوسط العربي . رغم صدور العديد من المجلات والجرائد المهتمة بالشأن الكردي يصدرها كرد سوريا . وهذه الخصوصية تزيد من أعباء “سورغول “لأن تولي اهتمامها بالموضوع الكردي بداية .
تعددت المساهمات والكاتب واحد:
عندما تصفحت المجلة، لاحظت أن الصديق الكاتب “هوشنك أوسي” وبأسماء متعددة “هوشنك – هلبست محمد- والمادة التي كتبت مغفلة الاسم عن معرض الفنان دلدار فلمز، إضافة عن المقال النقدي عن رواية سوبارتو ، وهو من أسرة التحرير قد شارك بأكثر من مساهمة ، وبعض هذه المساهمات لم تكتب خصيصاً للمجلة ، بل نشرت في الانترنيت . ومن هذا الجانب سيُعْذَر الكتاب إذا نشروا مقالاتهم القديمة أو المنشورة في الانترنيت أو في وسائل نشر أُخْرى ، ثم أرسلوها إلى “سور غول” . ويعرف الصديق “هوشنك” قبل غيره أن من يكتب بالعربية من كرد سوريا أو العراق كثر ، وأثبتوا جدارة في هذا السياق . فلماذا لايتم التواصل معهم؟؟ والعديد منهم مستعد لأن يتعاون مع المشروعات الثقافية الكردية ومجاناً ، رغم إن من حقهم أن يعيشوا من وراء كتاباتهم .
اللغة:
أنا لست حارساً للغة العربية ،ولكن طالما إن المجلة تصدر بالعربية ، ويقرؤها القرَّاء العرب أيضا وليس جديداً -على سبيل المثال- أن الروائي الكردي العالمي “يشار كمال” يولي اهتماماً بالغاً بوجوب أن تكون كتاباته بتركية خالية من الخطل . وبما أن المجلة ليست مضغوطة ، ومحصورة بالوقت، وتتأخر في العادة عن مواعيد صدورها فينبغي على أسرة التحرير الالتفات إلى هذا الجانب ،وتنقية المجلة من الأخطاء الطباعية أو الإملائية والنحوية واللغوية ،وسأرد هنا بعض أخطاء السيد “إبراهيم بركات ” باعتباره عضواً في هيئة التحرير ، في “قبل أن تبهت الذاكرة”ومعروف أن الصفحة الأخيرة هامة جداً، وينبغي أن من يتصدى إلى تحريرها أن يكون من الكتاب المحترفين والمجيدين شكلاً ومضموناً .
منذ زمناً : منذ زمن – عن وجهاً : عن وجه ٍ – أخاويد وجهي :أخاديد وجهي – أخر:آخر – تبدأني : تبدؤني – لأأتيك :لآتيك- وجهاً :وجه – الألهة: الآلهة …
وبعد :
ليست “سورغول “مشروعاً لهذه الهيئة أو تلك ، أو لهذا الطرف أو ذاك، بل هي مشروع يهمني أيضاً ، أنا والآخرون معنيون بالمجلة بهذا القدر أو ذاك . لذا من البدهي أن نغار عليها ،وننظر بعين الترقب والخوف إذا شعرنا أن الأحلام تتكسر على قارعة الظروف أو الإهمال أو التسرُّع ، وبعد أربعين عدداً ، ولو كان المشروع في بدايته لربما ما كانت هذه المساهمة
سورغول الآن عندما تتعثر فالعثرة بكفرة ، ولامجال للتراجع تحت أي ظرف ، وإلا فليؤجل المشروع إلى حين أن تتحقق ظروفٌ مواتية .
——-
دمشق