الشاعرة اللبنانية سامية السّلوم, تتحرر من صمت الذاكرة إلى فراشة تضيء عتمة المكان

  جهاد صالح *

حاولت أن تلملم شتات ظلالنا الراكضة خلف تيه الزمان, مستدركة الوقت ولحظات الحياة, تبحث في زحمة الضياع عن ذاكرتها المهجورة, على أمل أن تنبش الماضي والحاضر, فانتشت من نبيذ الصمت كلاما وحروفا من نار, تكوّمت على نفسها في صلاة مقعدة, تعصر الألم كمرايا ممزقة تحطّم عبير الوحدة.
أنها في ضياع وردي, تمضي نحو الأفق, تتدحرج على حدود القصيدة وتخومها, كطفلة هبطت من فم زنبقة بيضاء, في سبيل أن تحرر الماء والهواء, أن تصنع للظلم قفصا كبيرا وتعلق عليه قفلا دون ظل.
تحاول أن تمسك بظل الأشياء… بظلال الروح, حيث اختناق النزيف أمام حشرجة المسافات, نجمة تهبط في فضاءات الكلمة, قصائدها رسائل وردية, حمام زاجل بدون عنوان.

تغازل من خلال القصيد عنفوان الإرادة, وترسم رسوما بيديها, رسوم للحرية .. للغياب..للسكينة, ترّوض الهدوء علها تسحب سنين تشردها إلى شواطىء الاستقرار؟
ديوانها ( صمت الذاكرة) 2004, خرج بهدوء ووقار صبية تتسامر في حضرة الشعر, تحرق ذاكرتها المهجورة وكل الستائر, عقارب الزمن لديها نار تلسع يداها وروحها المسافرة, تصلب على كراسي الموج حين ينام البحر, تجد في ضياعها حلم ينقذها من اللاشيء, من سطوة العدم.
الضياع قد يغلق الجراح الشهية للدم, الضياع حياة في زمن التشرد:
( أنت عمر الماضي الحلم الضياع يحيّيني, يسقيني حلما من ضحك ممزوج بالزئبق المحنّط الضياع سكنني ).
الصلاة وخشوع القصيدة في محراب الكلام له وجوه عديدة في ذاكرة شاعرتنا, تجتمع بالّرب وتسكر في حضرته مع نخب هو الدواء مع أدوات الشر, وبيروت معها تسكن وتستوطن المقابر, لكنها تتمرد في وجه الموت وتريد تغيير بروتوكولات الجنازة, فالإنسان كائن ميت لايجوز دفنه,وهذا هو الحلم…حلم الحياة, وخيول بشرية لاتعرف النهاية, ولا أي شكل من أشكال الموت.
هي تشعر بحلاوة الغياب فكل الأشياء والمحسوسات لديها مغيّبة, حتى بيروت أضحت أوطانا مصنوعة من براءة الأطفال وحدائقهم:
( نراسل الغيب بأحرف غيب آخر الزّمكان البيروتي يخمّره المرايا براعم تنشده تزغب أطفالا في كل طفل حديقة من برعم وطن كل وطن اسم لبيروت ).
إنها كفراشة تائهة تضيء أجنحتها القوس قزحية بألوان من الأفكار واالموضوعات, تخترق الفضاءات, وتبدّد سكون الصمت ووحشة الليل, أقلامها مجاديف تغوص في أعماق النفس البشرية, تحاول أن ترقص في مجون بجنون الأنثى, فتخاطب في صلاتها زلازل الصمت, وفي لحظة تعتّق للعناق وصهر للضلوع, يذبح الرّب في ضحى الميلاد, ليتحول إلى درب للشمس ونهر يخترق صدرها, غير عابيء بأشواك الحدود, حتى تضيع هي وأفكارها وأحاسيس الأنثى المرهفة في آلهة المتاهة, لكنها تحاول الوصول إلى أملها وحلمها في ذروة العاطفة:
( أضلاعك دفء.. مدارات الكواكب أرسلته موجة تخبرك قبولك ذبح الرّب في ضحى ميلادك .. يا دربا شمسا عجنه روتين النهر في صدري … قرارك اسمع نظرتي تتخطى الحدود يكسرني النهر المارد … أتعدد تتسامى وتتعدد آلهة المتاهة حتى الوصول أو الوصول وصووو).
اللقاء في مخيلتها هي انعكاس لمرايا العبير… لقاء للجسد والروح والأنفاس الدافئة, للحزن مع فرح العشق… تتسامر ..تبكي…تنوح….تتعثر على طرقات الكلمة بحثا عن حروف هي جمر تحنّط به الثياب والعيون ولحظات الصمت, في توّحد الجسد والروح مع تجاويف القصيدة, وشرود العاطفة, وصهيل ألوان النشوة.
هي كآلهة أنثوية تتحكم بمفاتيح الأشياء, وتسخّرها لحبيبها, وتنتهي طقوس الجسد والروح كلمات هي عاصمة الله المؤقت:
(في الهزيع الأوّل من التراب, فؤادك يمزّق أحشاء الحبر يراهن على المرايا قلبك يحادث جنونا معلّبا إن اختنقت قصور الريح لا تضعني بصمة على هدير الروح إن أسرت عيناك جنوني سأبتر القدر… اشرّد الأزاميل.. يؤلمني.. يحنّط بالي  في الحريق يسبي الحنطة يحفرني نارا في حلم الحجر الغريق….. في غطغطة لقاء طلاق الكلمات عاصمة الله المؤقت).
سامية تلتحف الموج بحثا عن الحنين, لكنها تحسّ بالهزيمة أمام صدى جسدها وأصوات تلطمها, لكن الصمت يظلّ سيّدا للقصيدة, فينقذها من النوم في بحر الشعر. تحاول أن تبّدد غيوم الهجرة, تذكّرنا أنّ الزمن ناكر وينكر أوصال الإنسان,وان الطريق ضيّعت الكثيرين,لكن تعود من جديد هاربة تحضن موج البحر, وكلماتها صوت يتعّثر, هو هدوء من زمن الذاكرة:
( حين أتلّحف بالموج فيّرد صدى جسدي .. يلطمني رجع صوتي الرملي المتشّرد… اسمعني صوتا يتعثّر بالكلمات يعلو هدوءا من ذاكرة ).
هي تحاول الاقتراب من الغموض وعوالم الأسطورة, فتخلط كميات الزمن مع تجاويف الأمكنة, وتسقط في صور كلامية كل وجوه الطبيعة والإنسان والأشياء على صفحات, هي ذاكرتها وصمتها المفعم بالضجيج العذب , وصرخة طفلة تبحث عن ذاتها وسط رصيف الحياة, ولكنها تشتّت بأفكارها موسيقى الكلام, ولتتحول كل قصيدة إلى عناوين لمآسي بشرية.. عشق وحزن… غياب وهجرة..وطن مفقود ومنفي…
انظر لكم هو جميل ذلك الحزن والفرح لديها, حينما تحنو على الثلج , وتحطّم بقلمها كل القيود في الدنيا , كي ترسي على شواطىء الحرية وكأنها أميرة الحرية في زمن الحرب الأسود:
(لاتكمّم  الثلج المرتجف بين يديك حين ركوع نهج في قصرك الرملي المتحجّر لا تضيّع النّور في سرّ يمنع رملا) .( أيقظت اللّيل ليسهرا على قصيدة سلاسل وأصفاد وعقد محروق قلبه مدجّج بالسنين ,ولدت والسّرمد).
الظلال تحوم حول الشاعرة, وأخذت حيّزا كبيرا من ذاكرتها, وكأنها تحاول أن تنفخ روحا في ظلالنا السوداء الكسولة.. المزعجة التي قد تفضحنا أثناء سباقنا مع الزمن وعيون الشمس ترقبنا, وترسم للواقع ظلا, الواقع البائس الميّت فينا ومن حولنا, وحقيقته كما هي رأته انه ظل عدم:
( اذكر حين ذهب غدي ليصلّي ارتعد الهيكل اذكر حين صار ظلا للصدى في مغارة الحيتان أسرت الأزل وهيكله الأحياء الموتى هجاء صخور تتحدى والصباح المصلوب على عمر الزنابير وزمامير العرس القائم منذ المزامير الواقع في عيشهم ظلا للمستحيل).
ظلالها جريحة تنزف ألما متحجّرا مشلولا, حيث يشاركها المارقون والعناكب والأفاعي والشوارع التي سلخت من جلودها كل عوالمها, وكأنها تعكس كمرءاة شفافة واقعا متّشحا بالسواد,وظلالا ضبابية تركض وراءنا بلهاث في الصلاة والموت والفجر,في لقاء بين اليقظة والصمت,الظل جنّي حتى في أحلامنا,فظلالها لا تعرف الجغرافية ولا سيمفونيات المسافة.
فهي تختزل البعاد والمسافات, وارى بأن شاعرة الظل عاشقة, قد وقعت في عشق الظل وجسّدته حبيبا خياليا,روّضت الأشياء والأمكنة من تحت قدميه وعانقته جسدا وروحا,لتضفي على ذاكرتها طقوس للصمت الصارخ,مفعمة بروح الغموض, ولكن ترسو دوما على حواف الروح الوردية,والليل يرنوا كشمس خجول من وراء الستارة…هي تحمّر خجلا في لاهوت وردي حين حضور رسول العشق,فترتطم أدواتها من حبر وواقع ونحيب مع بعضه البعض ,ولتنقشع اللوحة الصورة عن ابتسامة هي الأمل ,وطفولة كانت هي طفولة خجل, خبئّها المكان عن عيون الزمن:
( شمسك الخجول من وراء ستائرها تغمض الحنين من غروب الأغاني قديمه أجنحة رماد مكسّرة في ذاكرة قفص حتى طيوف الأمان تتزحلق على خيوط الأمل تبشّر بطفولة للخجل أنصتت أغمضت على ميلادها المكان).
تومض عينيها فجأة مع الغد الذي هو ماضي في بريق عينيها, فترسم بالكلمات لوحة للعشق,لكنه تبجّل وخشوع ورغبة جامحة نحو عالم الحب,ولكن تنهي بنا من جديد إلى الحزن والجنازة والصمت ,الذي هو قطرة حبّ,وقلبها يتحول إلى خبر للزمن والمكان وأزل الطبيعة:
( همسة عينيك حنان الكون الزمن حافيا فيك يطمئنّ تراب القلب دقّة دقّة طفولة تتنفس الهندباء يكبر الكهف الحلم يرويك قطرة رمل تقفل الجنازة الزجاج ..صمتي قطرة حبّ قلبي خبر…).
تطير نحو الأفق باندفاع ساحر , لكنها تصدمنا انه لا شيء سوى السراب , وتدعونا أن ننتبه إن ابتساماتنا قد تحنّط وتحرق جدرانها في الحضارة الجليد,حيث كل شيء مشّرد والعريّ قد خيّم على أجسادنا,فلا الأشجار ولا البحر ولا الحصى تعكس حقيقتها,فكلها عارية فقدت مسمياّتها بما فيه الأفق غير المسمّى 🙁 أعين النّو ترصد الماضي من أذاه انتبه من أن يحنّط ابتسامتك.. يحرق جدرانها بجليد الحضارة بقوانين التشّرد,كسرت أجنحة النّهج,أحرقت جذورالموج, طيّرت الحصى عاريا أعمى يتلمّس الأشجار المحار, الحريق في مرآتك حتى أفق غير مسمّى).
الشاعرة ترفض الهجرة وتبتعد عن كل الطرقات,لكنها تخاطبه بالصديق, فهي تخشى من الضياع, فحتى الآلهة تضيع في الدروب ولكنها لا تفقد الأمل المستحيل دوما.
ثم ولنأتي إلى لحظات الاستشهاد الثالث لديها ولنشاركها جنازتها ,وأحاسيسها الحزينة والنواح والألم,ولتعكس في نحيبها الدافيء قصة بيروت,عاصمة الحزن والألم والأمل:
( تحية إلى كل جسم حرثه السّوط خبزا أثمر… الشمس أضاء في سراديب السنابل الزرقاء في بيروت..). وتشعر بيأس مفرط  قد يدفعها إلى الهاوية, لكنها تظل تنتظر من سيأخذها إلى الشمس.. تترقّب وعود السماء وذلك الأمل الذي سينتشلها من مكانها وأفكارها السوداء ومن خوفها,حيث تتحول إلى خوف في وجه الشمس: (ستأخذني الشمس إليك من شرفة تطمح إلى هاوية يرتجف نبع موت من حياة تجّف الكلمات في رسائل الشتاء ورعود سماء بتغيير القيامة ..وجينات الموت في أمل ينتشلني من مكاني أصير خوفا يغلق الشمس).
وحين تغوص في أعماقها نستشعر غربة معتمة تعبث بروحها, قلبها يتجمّد من العتمة وفقدان الحب, وشوقها الذي بدا يقف في وجه الضجر الذي خيّم على حياة الشاعرة:
( الغربة تتقمّصني أتصّبر ينفخ العتم أضلاعي قفصا في زوايا النار ليتجمّد قلبي غربة ..تعبث بروحي في وجه الضجر دون قرار). وهنا تصرخ من أعماقها في نداء هو كالصحراء لا يعرف الحياة, تنادي في صمتها الجميل حتى لا تختنق,وكل ما حولها يناديها فيزداد الاختناق وتختلط البداية العاهرة بنهاية ستغرق حتى العظام في صلصال الروح , ونداء الكلمات , في وهج الروح المشبع بألم الوحدة وفقدان العاطفة والحب الإلهي :
( أغرقني الوحل فناديتك أعمى يخجل من الظلام من رهبة الأسئلة عن أمل مازال ظله يفتّش في صدأ الكلمات.. الدواء هواء…النداء اختناق الهواء في صدري..يدفن قرب قلبي يناديك يصير القلب صوتا تهجره البراري ..النداء يصير قتيلا يناديك ينسى صوته, بداية مقفلة,نهاية مفتوحة حتى العظام يغرق في صلصال يمتص ماءه..يناديك). فحتى البدايات لديها هي نهاية لماضيها وحاضرها…لروحها الباحثة عن الحب والحنين, تحاول أن تسهر مع الغياب, فتفتح كل المرايا في صورة تعكس لحظات الغياب وموجات الشوق لشيء تفتقده الشاعرة, لشخص غائب وحاضر أمامها, هو الأمل ومن يشعل بحضوره السراب, وضوء العتمة, وتستعين بورود النرجس حين تغيب, لتخبره بحقيقتها وهواجس شوقها له: ( عثرت مرايا كسرت أضلع السنين أشعل السراب ليضيء للعتم سراديب مغيب أرسل أمواجا ضوئية تعالج السنين تزرع عرّافين النّرجس في غيابها..).
وتحلّق سامية, شاعرة الليل وظلّ الشمس , ومروّضة الأشياء والزمن والمكان في محراب القصيدة, بألوانها الكثيرة العدد, وعوالمها البيضاء والسوداء السحرية والعاهرة بعض الشيء, المخيفة, ولتحلقّ بذاكرتنا إلى نهايات هي بداية للبحث عن الحب والضياع والتشّرد ووهج الحنين, تسعى إلى البحث عن الحقيقة والقبول بالواقع وترويضه إن أمكن, فهي في غربة حمراء وألم يترّعش على جبالها ووديانها, والزمن في غربتها تلك يستيقظ كل صباح ليغلق عينيه عن آهاتها وعوالمها الكيميائية, حيث تتراقص العفاريت والنجوم وانين السرو وصلاة ملحدة من ذروة جذورها على احتراقات نار الغربة:
( غربة تروّض ألما يترّبع عليه توقظ الزمن كل يوم..ينطفيء يختبيء خلف آه تسمعه أنين السرو يراقص العفاريت نجوما على ذيل صباح نبّوة الموت كل فرصة تحمل جرسها ينبّه الألم من اليأس إلى الضمير من الحاد صلاة إلى قمّة التراب من الغربة حتى ذروة الجذور).
لكن في النهاية التي هي بداية, نستشرف في عيون شاعرتنا الغامضة كغموض الطبيعة, ولكنها الجميلة في ألوانها وظلالها المجنونة, الاستقرار والهدوء والسكينة والأمل المفعم باستقرار التشرد, والأفق الذي يخبّيء من وراءه حنينا وأوراق مبللة بالرحيل, وتظل الحياة ودرجاتها غامضة لها, مشرّدة صباحاتها, تمضي اللحظات مع الزمن والقدر.بعيدا عن حياتات البشر حين تتساقط اللحظات والثواني فاقدة لظلالها التي انسلخت عن الأشياء وعن الإنسان ومن ألوانها اللامرئية,وتغمض أعيننا عن قوانين الرّب والمكان والزمن القاسي,وليستقر كل شيء مع الأمل حيث الأمان ,حتى تستمر الحياة ونستمر:
( حين تهجرني الظلال أبقى في حضن الأمل أراقب حنيني حتى البقاء ..اقطف أمانا أغفو في نعمه حتى تمّرد بين طفولة عشب وغبار يستحمّ كل درجة غامضةفي طريق صباح مشرّد مغمض على القطيع تهدر عليها الثواني دون ظلال).
ستة وعشرون قصيدة تمرّدت عن صمت الذاكرة, ومارست كرنفالاتها في الحرية وبأسلوب تعبيري لاحدود له وفي جميع الاتجاهات الكلامية والرمزية, قصائد هي حكايا لأسطورة الإنسان ضجّت بعويل أنثوي لامس حزن الأرض وبكاء غيوم السماء في شتاءات البشرية, ذاكرة لشاعرة هي كزهرة شقائق النعمان التي تبكي مع الريح وتتساقط مع موت حب ,أو شقاء آدميّ على سطح الكوكب,لكنها تعود للحياة من جديد في أول بروز للربيع وتتضرّج حمرة, خجلا أمام آهاتها ونحيبها المفعم طفولة ناضجة.
ظلال سامية السّلوم, هي ظلال لحياتها وأزمانها وغدها الذي لا يعرف البدايات ولا النهايات, لكنها عكست ببراءة من خلال مراياها الكثيرة بلون الماء, شخوصا ورسوما وصور لواقعنا البائس الجميل, لزمن بلا ظلال, زمن الرصيف حيث تصلب الأوطان والإنسانية  تحت نعال الأفكار العاهرة بالظلم, وسطوة سياط الجلادين على ظهورنا وظلالنا ,التي تنزف جروحها ألما يبكي الأمل ويستحضره في أقسى لحظات الموت.
فالحياة هي أمل يبدأ بنهاية قد تكون مميتة لنا, لكنها تولّد حياة جديدة هي الأمل والطموح نحو المستقبل.
لم تكن ذاكرة الشاعرة صامتة, بل كانت مفعمة بالصراخ والنواح ونداءات روحية, جسّدت نبل وقداسة الإنسان فيها, ولو شعرنا بالغربة والحنين والضياع والغموض في عوالمها وكلماتها وقصائدها المحلّقة في أفق لايعرف اللّون ولا السكينة, بل تظل تطير دون أن تحترق أجنحتها, وهذه هي البداية ,والذاكرة التي صنعت من الصمت وثقافتها قصائد تغازل أرواحنا المتعطّشة لعناق الحرية والحياة المليئة بالألوان وزحمة الحب أمام نوافذنا المضيئة بنور إنسانيتنا.
لقد أبدعت شاعرة الظلال, واستطاعت أن تخرج ذاكرتنا عن زمن الصمت, وأضاءت العتمة فينا بأنوارها الجميلة, نحن الآن في زمن الصراخ, زمن نسترجع ظلالنا المدفونة من مقابر التشرد, نلتقط أجسادنا وأحلامنا من مجرّات منافينا, ونرتشف من ذاكرة الأمل يقينا يغترف من صلصال الكلمة, حينها تصبح لظلالنا قلوب للحب, وتشاركنا كل أحزان أعماقنا حين نبحث في الرمل عن ظلّ صلب لأجل أنه خرج عن صمت الذاكرة, ورفع صوته عاليا في وجه أجراس الحياة الحزينة النغمة.
 
يناير 2007 
* صحفي وشاعر كردي – سوريا
Xebat_s@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…