انطباع نقدي عن مجموعة (عبرات متمردة) للشاعرة ديا جوان

دهـام حســن  

عالم  ديا جوان الشعري عالم مسكون بهم الوطن الحلم ، استبد بها هذا الحلم حتى استغلق عليها التفكير ، واستحال هـذا الهم هــوى لم يـدع  في قلبها حيزا ولو صغيرا  لحب الآخرين ، فكل  موضوعاتها تنبثق من هوى الوطن وهمه ، لتشكل أطنابا أو أطيافا ، تحف بالوطن الحلم وتحزم بها خيمتها الظليلة..
ديا جوان .. شعرها  يطفح بالمعاناة ـ معاناة جماعية ، ويتشح بالسواد والتشاؤم ..لكنها  تظل  تلاحق الحياة وتتشبث بالوجود ، بالحياة .. ديا جوان ـ كما أسلفنا ـ مولعة بكردستان وشموخ جبالها إلى حد الهيام ..هــي مسكونة بكردستان وبالبرازني الخالد وهما وليداها التوءم .. ومن  فرط تعلقها بأرض كردستان تحلم  برقعة صغيرة متحررة ولو بمساحة سجادة أو حتى قبر .. كما أنها تعيش فاجعة حقيقية عندما تسمع باقتتال الأكراد فيما بينهم ، فهي تقضي الليل ساهرة بوجوم وانكسار ..

ديا جوان .. تشيد بالمقاومة بالفدائيين البيشمـركة كما تثني على الرواد الأوائل أمثال جلادت بدرخان ولا تنسى الإشادة بالأبطال ” ليلى زانا ” والشهداء الذين ضحـوا وقضوا أبطالا .والشهادة عندها هي الخلود..
ديا جوان..الحرية عندها هي الحياة والمباعدة القسرية عن الحـرية يعني الموت ..فضلا عن هذا الموقف فهي تساوي بين الغربة والموت .. وبسبب القلق الذي تعيشه ديا جوان فهي تلجأ كثيرا إلى المقابلات الثنائيات تجمع بينها ..الحقد العشق..الفردوس الجحيم.. الحرية الغدر..وتلك هي الحياة فالضد يستثير ضده ..
تحمل الشاعرة على المتشبثين بالمناصب … رغم ما ينتاب الشاعرة من قنوط فهي لا تفقد الرجاء بل هي موقنة بأن الواقع لابد أن يتمخض عنه مستقبل  واعد ينبئ عن ميلاد يوم جديد ..
ديا جوان ..تحلم  بحياة ينتفي  فيها القهر والظلم والشقاء. والشاعرة ترصد جانب الشقاوة في حياة الإنسـان لكن الأحلام عندها عقيمة .. فإذا كان الإنسان يموت مرة واحدة ، فالحياة الذل مثخنة أو مثقلة بعدد مرات الموت ..
ديا جوان .. نادرا ما تنعطف إلى الوجدانيات فهذا هو الأديب عندما يختلي في الهزيع الأ خير  من الليل بنفسه يسهر على ضوء قنديله يحلق مع خيالاته بأجواء السكون ويهيم بفضاءات لامنتهى لهــا…  
إن ما أقوله ليس سوى انطباع أولي عن مجموعتها الشعرية المترجمة ” عبرات متمردة ” ووجدت أن الجانب العاطفي يغلب على تفكيرها كما أنها  برأيي تفتقر إلى نضج  ووعي سياسيين ويطغى على شعرها روح التشاؤم أكثر من التفاؤل ..لكنها بالمقابل عاشقة لوطنها  وتحلم بوطن حر ولو حتى في المنام ..
إن قيمة أي عمل أدبي تتوقف على درجة ارتباطه بالواقع المعيشي أي الواقع الاجتماعي ولا يقبل مــن الأدب أو من الأديب أن يكتفي بعكس الواقع بل لابد من رؤية  تعمق من فاعلية الحركة  والنشاط  لتغيير وتحسـين الواقع ، كما لابد من رؤية متفائلة لما ينبغي أن يكون عليه الواقع إن الأدب كان مسؤولا…
وأخيرا …لابد من القول من أن الترجمة قد أضفت على المجموعة بردة زاهبة كيف لا وهي من نسج صديقي العجوز الشيخ توفيق الحسيني أمــد الله في عمره وقد سبق لي أن أشدت بموهبته وقلت بحقه ذات يوم أنه لو هوي  شيئا واستحال هذا الشيء إلى عصافير لوجدته في الفلوات ملاحقا مطاردا إياها. وأرجو منه أن يقلل ما أمكن من الألفاظ الغريبة الخشنة على اللسان والسمع مثل : شدخ ، حوباء ، رجّل أي بمعنى مشط…
لكما حبي وتقديري…. 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…