التلفزيون.. وحالة الشعوب

فاروق البرازي

“من لا صورة له لا رأي له” هذه المقولة تعود الى بيير بوردييو، وتنطبق هذه المقولة اليوم على حالة الشعوب والفئات المضطهدة “المطمورة” في بلداننا التي لا ترى صورتها في الشاشات الصغيرة (التلفزيون) في بلدها. مع إنها (هذه الشعوب) توهمت بأنه ومع ظهور التلفزيون بدءاً حالة الاضطهادية التي تسيطر عليها بدأت تخطو نحو تبديد، ومع وجود الكاميرا (الخفية والعلنية) لم تعد بالامكان الرقابة او التستر على بؤس حالتهم لكن ومن جانب آخر نسيّت هذه الشعوب بان التلفزيون أداة للادلجة وأداة في يد الطبقات العليا وليس شرطاً ان يركض تلفزيون وراء وصف حالة البؤساء.
على سبيل المثال لا حصر أهل السينما في الولايات المتحدة الأميركية شكوا بأن أجهزة الإعلام الأميركية لم توصف حالة الحرب في العراق وأفغانستان بشكل مقبول، الأمر الذي دفع بأهل السينما ان يملأوا الفراغ الذي تركه الإعلام وتقوم السينما لتؤرخ اللحظة، فلو كان الإعلام (مقروءاً او مسموعاً او مرئياً ) قام بدوره المطلوب لما كلفت دور السينما نفسها لتقوم بوظيفة الإعلام الذي هو بدرجة الأساس مؤرخ اللحظة… هذا بالنسبة للامركة حيث هناك من ينتقد الإعلام وهناك من يبحث عن سبل الأخرى لتأريخ اللحظة (او الحرب) أما عندنا فمن سيتجرأ ان يتحدث بهذا الشكل وينتقد إعلام بلده، ومن سيستطيع نقل معاناته والى من؟! الحالة عندنا معقدة ومرتبكة مثل إعلامنا الذي ما ان انفك يضيع وظيفته الحقيقة والتي هي بالدرجة الأولى انعكاس حالة الناس والبحث عن الحلول والأفكار…
تلفزيوناتنا تحجب صور الناس وأراءهم وتريد بنفس الوقت من الناس ان يكونوا مواطنين فاعلين، والسؤال، عن أي فاعلية المواطن سنتحدث ما دام حجب الصورة والرأي سيد الموقف في بلداننا وسيأتي يوماً تطلب تلفزيوننا من الناس ان يقتنعوا بأن: “فضيلة العبد الطاعة والخضوع” ـ مقولة عائدة لأفلاطون ـ الأقليات عندنا ضائعة في متاهات الشاشة والساسة وهناك من يمارس الحجب عن قصد وهناك من لا يرى وقتا لمتابعة وضع الأقليات كونه مشغول بأمورأكثر أهمية. ما أشبه اليوم بالبارحة… للوهلة الأولى وعندما كثرت التلفزيونات شعر المغبونون بان الفرج بات قريباً من حالتهم وانه لم يعد بالامكان التستر على الغبن الذي ألحق بهم سواء عن فعل الإصرار والتصميم او نتيجة إهمال من قبل الدولة او المجتمع، فالتلفزيون وحده بإمكانه شرح ما يعانون من الاضطهادات والغبن، ووحده سيشرح للناس الأسباب التي أدت بهم للوصول الى هذه الحالة إلا انه وسرعان ما خاب أملهم وبيّن بأنه ليس صحيحاً بأن تلفزيون (وكونه احد مكونات المجتمع المدني) من مهامه كشف المستور، وربما يتحول (خصوصاً إذا كان محكماً من قبل السلطة) الى أداة للاضطهاد وهو ما نجده في مناطقنا بكثر!
ولا نستغرب بأن تلفزيون مناطقنا الكردية خصوصاً التلفزيون العام (أي تلفزيون الدولة) يبخل في تسليط الضوء على كل تكوينات الموجودة في الوطن وبلمحة البصر تكتشف بأن التلفزيون الذي كان الناس يراهنون عليه واعتقدوا بأنه سيساهم في شكل من الأشكال في تبديد الاضطهاد المجتمعات (الهامشية). على عكس وظيفته، همه الأساسي في مكان آخر!

المستقبل – الاثنين 26 تشرين الثاني 2007 – العدد 2803

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…