ظهور المسيحية و قصة – أبو الميلاد أو بابا نويل …

  جيان الحصري
z-jiyan@hotmail.com

لقد كانت الحضارة الإمبراطورية الرومانية– و ما فيها من مادية مصطنعة – ينقصها الإلهام الروحي . و ذلك أن عبادة الإمبراطور التي انتقلت من الشرق إلى الغرب و تحديدا من مصر الفرعونية ، حيث كان الفراعنة يعتبرون أنفسهم آلهة فِأخذا عنهم الغرب أثناء غزوهم للشرق ردا على تجرؤ الشرق ممثلا بالفرس أيام الملك داريوس الأول مهاجمة الغرب و عرفت تلك الحروب باسم الحروب الميدبة ، هزم فيها الفرس في معركتي ماراتون البرية و سلا ميس البحرية .
و عبادة الإلهة الوثنية ،لم يكن لها وقع عاطفي في نفوس الناس رغم تقديم القرابين لها ظاهريا ، ومع مرور الزمن تسربت العقائد الدينية من الشرق إلى الإمبراطورية الرومانية قبل ظهور المسيحية ، كاليهودية و عبادة ميثراس الفارسية (أله النور وهو الوسيط بين الإله الأعلى و الإنسان) في القرن الأول الميلادي ، و كذلك ديانة ايزيس المصرية و آله سيبل من آسيا الصغرى وآله حدد من سوريا و غيرهن من الديانات التي فشلت أن تكون ديانات عالمية . بالإضافة إلى مجموعه من العقائد الفلسفية اليونانية ، مثل الرواقية (نسبة إلى أروقة مدارس أثينا) حيث كان زينون الفينيقي يدعوا إلى فلسفته و الأبيقورية (نسبة إلى أبيقور الأثيني) و الأفلاطونية و غيرها ، ألا أنها فشلت في تلبية المطلب الروحي للإنسان .
وسط هذا الفراغ الروحي الكبير و انتشار الفوضى و الانصراف إلى الملذات ، ظهرت الديانة المسيحية في الشرق و انتقلت إلى الغرب على يد المسيح (يسوع) عيسى بن مريم عليه السلام، الذي ولد في عهد الإمبراطور أغسطس في بيت لحم بفلسطين . و دعا إلى الرحمة و المحبة و بشر بخلاص الإنسان ، و بعد وفاته في عام 30 م قام تلاميذه بحمل رسالته الدينية التي عهد بها أليهم بقوله ((اذهبوا الآن و تلمذوا كل الأمم معمدين إياهم باسم الأب و الابن و الروح القدس)) .
فتعرضوا إلى شتى صنوف الاضطهاد و الملاحقة ، و لعب هؤلاء الحواريون دورا بارزا في التبشير بالدين المسيحي في كل أنحاء العالم ، و بخاصة القديس بطرس الذي وصل إلى روما و أنطاكية ، و القديس بولص في سوريا و فلسطين و آسيا الصغرى و قبرص و اليونان ، و القديس مرقص الذي بشر بالدين المسيحي في مصر.
و لم يكد القرن الأول الميلادي يمضي حتى انتشرت في كل حوض البحر المتوسط و أصبح لهم مؤيدين و أتباع منذ عام 64م مما عرضهم للاضطهاد و خاصة على يد الإمبراطور (نيرون) الذي حرق روما و أتهم المسيحيين بها ليزيد في اضطهادهم .و الإمبراطور (فاليريان) الذي أصدر قرارا بفصل أعضاء مجلس الشيوخ و الموظفين المسيحيين و مصادرة ممتلكاتهم و تطهير الجيش منهم عام 258م . و الإمبراطور (دقلديانوس) عام 284- 305 م .
و بعد معاناة طويلة جاء الاعتراف بالمسيحية رسميا من قبل الإمبراطور (قسطنطين الكبيير3.5- 337م الذي أصدر مرسوم ميلان عام 313م معترفا فيه بالمسيحية ديانة مرخصة و أعادة ممتلكاتهم ، فكانت نقطة تحول بارزة بالديانة المسيحية بعد أن اعتنقتها و والدته هيلانة و قام ببناء مدينة القسطنطية لتكون عاصمة لدولته المسيحية ، حيث لم تعد روما الوثنية صالحة لأن تكون عاصمة .
و عندما نشأ نزاع في كنيسة الإسكندرية حول تحديد العلاقة بين المسيح الابن و الآلة الأب ، كانت الحاجة إلى عقد أول مجمع  في مدينة نيقية عام 325م ، و ما أن تخلصت الكنيسة من هذا الخلاف حتى جاءت ضربة الإمبراطور (جوليان) يوليانوس المرتد أو العاصي ، قبل أن تصبح المسيحية ديانا رسميا ووحيدا للإمبراطورية على يد الإمبراطور (ثيودوسيوس عام 378- 395م) ، وما أن استقرت المسيحية حتى بدأت الانقسامات الداخلية، عندما أعترف المسيحيون بكنيسة روما التي أسسها الحواري بطرس على أنها زعيمة للكنائس المسيحية كما أصبح أسقفها رئيسا أعلى لأساقفة و أطلق عليه أسم البابا ، و قد سمي أتباعه  الكاثوليك بينما رفض زعماء الكنائس الشرقية (القدس – أنطاكية – القسطنطينية – الإسكندرية) زعامته و أطلق على أنفسهم الأرثوذكس و بعدها ظهرت البروتستانت (الأنجليين) عندما أراد البابا ليون العاشر أن يتتم بناء كنيسة القديس بطرس في روما و توقع أن يحصل على المال عن طريق ما دعي بصكوك الغفران و التي تمنح لمشتريها غفران من الذنوب مقابل ما يدفعونه من أموال . مما أثار احتجاج و النقد ، و كان على رأس المحتجين مارتن لوثر أستاذ للاهوت الألماني ، ولذا أطلق على أتباعه أسم (المحتجين – الأنجليين – البروتستانت).
و قد ارتبطت المسيحية بالمحبة و السلام و أنصاف و مساعدة الفقراء أينما كانوا دون التفريق بينهم بسبب اللون و الجنس و اللغة أو الدين و ليس أدل على ذلك أكثر من قصة الرجل ذي اللباس الأحمر و لحيته البيضاء الممتطي عربة ذات أجراس و التي تجرها وسط الثلج وعول ذوات قرون طويلة ، يوزع الهدايا ذلكم هو (سانتا كلوز – أو أبو الميلاد –  كريس كرنكل – القديس نيكولاس – بابا نويل – بافى كال).
ولد القديس نيكولاس في مدينة باتارا على بحر المتوسط عام 245م . و باتارا تعتبر أحد الموانئ ليكيا أو ليسيا الموجودة في تركيا حاليا ، حيث تحولت اليوم إلى مدينة صغيرة يؤمها السياح لوجود شواطئ و جبال فيها .هناك عاش نيقولاس طفولته ، ثم أنتقل إلى أكسانتوس ليدخل مدرستها و ليكون شاهدا على اضطهاد المسيحيين و ألقاء العديد منهم إلى الأسود أو إحراقهم أحياء في المدرجات الرومانية ، ثم أنتقل منها إلى ميرا و هي من المدن اليكية الأولى و فيها أعتنق نيقولاس المسيحية ، و أصبح أحد الخادمين في الكنيسة ، ثم تدرج في الخدمة حتى أصبح أسقفا للكنيسة و تعرض للقمع و الوحشية حتى تأسيس القسطنطينية و الاعتراف بالمسيحية دينا رسميا للدولة ، و نيقولاس مطران ميرا و أسقفها كان جزءا فعالا و نشيطا في مجمع نيقية السابق عام 325م و الذي أشرف عليه الإمبراطور قسطنطين و انتهت بطرد أريوس مطران مصر بعد بدعته بأن المسيح عليه السلام كان نوعا من الأبطال الخارقين فقط.  
و ذاع شهرة نيقولاس بم أتصف به من الاحترام و الذكاء و الكرم ، و كان ينظر أليه كحامي الأطفال من الاضطهاد و القتل على يد الرومان الوثنيين ، حيث يقال بأنه أخفى ثلاثة أولاد و عرض نفسه للخطر من أجل حمايتهم و أما القصة الأخرى فيقال بأنه التقى أحد التجار اللذين خسر كل أمواله ، و كان دائنوه أتفق على أخذ شقيقاته الثلاثة مقابل المال ، ألا أن نيقولاس و كرمه أنقذ شقيقاته الثلاثة الصغيرات و أعادهن إلى المنزل بعد أن فداهن بأكياس المال ، فذاعت شهرته في إنقاذ الأطفال و مساعدتهم و تقديم الهدايا لهن و خاصة في ليلة رأس السنة و أصبح قديسا رئيسا للعذارى ، فانتشرت شهرته من اليونان إلى روسيا حوالي أواخر القرن الخامس الميلادي ثم إلى ايطاليا في القرن التاسع ثم إلى جميع أنحاء العالم ، و بعد وفاته دفن جثمانه في كنيسة ميرا التي جددها الإمبراطور جوستنيان و بنى كنيسة أيا صوفيا الشهيرة في اسطنبول (أستانة) في القرن الحادي عشر الميلادي .
و منذ ذلك الوقت وما زال حتى اليوم الأطفال في كل أنحاء العالم ينتظرون قدوم (بابا نويل – سانتا كلوز – أبو الميلاد – كريس كرنكل – أو القديس نيقولاس – بافى كال) ليضع الهدايا بجانب المدخنة دون أن نراه و ليدخل الفرح إلى قلوب الأطفال أينما وجدوا.

بمناسبة أعياد اليزيدية وأعياد الميلاد و رأس السنة و عيد الأضحى كل عام و أنتم أكثر معرفة لأن المعرفة هي التي تميز بين إنسان وإنسان أخر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاوره: ماهين شيخاني

 

من أجمل الأصوات المميزة على الساحة الغنائية ،ذو نبرة جبلية صلدة كصخور جبال كردستان،ثم تراه كبلبل صداح يغرد بعذوبة لا يضاهيه سوى عذوبة انهار كردستان، وهبه الله

حنجرة ذهبية ليبدع بها تلك الأغنية الفلكلورية الرائعة (أسمر) و التي غنتها العديد من المطربين

من أمثال الراحلين محمد عارف جزراوي و رفعت داري وغيرهم ،انه بحق أعطى…

صبري رسول

 

توطئة للفسحات:

يهندس خالد حسين أشكال الحب في قصيدة: واحدة، في مجموعته رشقة سماء تنادم قلب العابر الصادرة عن دار نوس هاوس بداية 2025. المجموعة عبارة عن أربع فسحات، وهي الفهرسة الهندسية الخاصّة التي تميّزت بها، أربعة أقسام، كلّ فسحة مؤلفة من أربع فسحات صغرى معنونة، وتحت كل عنوان تندرج عدة مقاطع شعرية مرقمة وفق…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “ليالي فرانشكتاين” للروائيّ والفنّان الكرديّ العراقيّ عمر سيّد بترجمة عربية أنجزها المترجم ياسين حسين.

يطلّ عمر سيّد “ليالي فرانكشتاين”، حاملاً معها شحنة سردية نادرة تمزج بين الميثولوجيا السياسية والواقع الجحيمي، بين الحكاية الشعبية والتقنيات المعاصرة، ليقدّم نصاً مكثّفاً عن الجرح الكردي، وعن الوطن بوصفه جثةً تنتظر التمثال المناسب كي تُدفن…

عبد الجابر حبيب

 

يا لغرابةِ الجهات،

في زمنٍ لا يعرفُ السكون،

وعلى حافةِ قدري

ما زالَ ظلّي يرقصُ على أطرافِ أصابعي،

والدروبُ تتشابكُ في ذاكرتي المثقوبة،

ولا أحدَ لمحَ نهايتَها تميلُ إلى قبري،

ولا حتى أنا.

 

على الحافة،

أُمسكُ بزهرٍ لا يذبل،

يتركُ عبيرَه عالقاً في مساماتِ أيّامي،

كأنّه يتسرّبُ من جلدي

ثم يذوبُ فيّ.

 

الجدرانُ تتهامسُ عنّي،

تعدُّ أنفاسي المتعثّرة،

وتتركُ خدوشاً على جلديَ المتهالك،

كأنّ الزمنَ

لا يريدُ أن…