الشاعر السوري ابراهيم حسو في (الهواء الذي أزرق يليه تتمة الجمهرات ) تخريب اللغة و فوضى في المخيلة

 

 *إبراهيم مصطفى

لم أكن مضطرا إلى تقبل كتاب الشاعر السوري الشاب إبراهيم حسو  (الهواء الذي ازرق يليه تتمة الجمهرات)  لضرورات نفسية محضة فأنا لا أقرا إلا ما يدخل في اختصاصي الأكاديمي (النقد المسرحي) و لأن الشاعر أهداني كتابه الشعري الاول هكذا دون أن يكون لرأي حوله أهمية تذكر إلا إنني اشعر بنوع من الإحباط لما وصل إليه الشعر السوري عامة من تراجع و تسطح و إسفاف بحق القارئ المسكين الذي يدفع ضريبة قراءات عشوائية تأتيه من هنا و هناك .
فلا يوجد في هذا الكتاب الضخم 270 صفحة تقريبا , ما يقربك من السوريالية حسب العنوان الفظ ولا حتى من الصوفية مثلما تشير علامات الدال و المدلول في السياق النصي و حسب معرفتي بقصيدة النثرالسورية فأن هذا الكتاب يحاول هدم ذلك السور الشفاف الذي يحيط بالأشياء الجميلة التي تحملها هذه القصيدة من صور و حركات بصرية تدهش القارئ و تغريه, كما ان هناك انفلات عام في الصياغة اللغوية و أخطاء فادحة و لغة عالية تكاد تقترب من الفوضى وعدم الترتيب في التنقل من جملة إلى أخرى, بالإضافة إلى تسرب عميق في البنية الدلالية و انفصال في رؤية المعنى و الركض وراءه:
          ماذا أفعل بشأن البلوط
  أو مروج الذهب المتدفق كأنه لوحة فانتازية
 أفعل بكائي الصناعي و خذلاني بالنسبة لماض قديم
   الأعالي التي أنشدتها, أوراق الصنوبر المتبرعة.
 ماذا تخبئ الوردة كي ترفرف طوال الماضي ؟

( أعالي الذهب ص 62 ) 

ثم هذا التقليد الفاحش لكتاب الشاعر سليم بركات (الجمهرات) و السباحة في أنهاره مع إنني أجزم القول أن لا احد يستطيع الاقتراب من نص سليم لا من حيث اللغة و لا من حيث البلاغة:
 أصلك إلى حيث سأصل
تاركا لجنودي الابهيين أبهتي
أبهتي التي أنثرها على المغيب الأزرق
 كالذهب الأزرق
و أنثر ما تبقى من القلب
     لعتبة واقفة على الباب..

                    (تتمة الجمهرات ص162) 

أخيرا احترم كتابات هذا الشاب الخجول الذي تعرفت عليه بصحبة كبار شعراء الجزيرة في دمشق و يستحق أن يقرأ كتابه مرة أخرى فربما هناك أشياء لم أكن قريبا منها, أو كنت ملامسا لها لكنها لم تكن تحرك فيّ تلك الغريزة (الجمالية) رغم تهافت النص على فانتازيا جمالية و ركائز ابداعية تعول الى الادهاشية و العجائبية كمنحى عام و محصلة اخيرة , و قد كتب عن هذا الشاعر القليل من مقالات نقدية توزعت بين مقالة واحدة في الصحافة اللبنانية و مواقع الانترنيت و كل هذه المقالات تناولت الجانب الشكلي لنص (الهواء الذي ازرق) و تغافلت الى جوانب حميمية مؤثرة , من اجل اعطاء فكرة عامة عن عبثية هكذا النوع من الشعر الذي لم يبق له حضور وسط قراء يريدون العودة الى شعر حامد بدرخان و رياض صالح الحسين و ايمن ابو الشعر هؤلاء الشعراء الذين ابقو الشعرية العربية ضمن قوالب (شعر الثورة و الحياة و المستقبل الزاهر) و تناسو ماهية الشعر الحقيقية و ان شعر الحياة ليس وصف الحياة و التغني بها و ان شعر الثورة ليس تمجيد بطولة هذا الجندي المقاتل أو ذاك و ان المستقبل الزاهر ليس سوى وهم من اوهام الشعر نفسه .  
 —–

* ناقد مسرحي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…