الأنثى والشعر

بير رستم

كتب الكثير – وما زال يكتب – شعراً ونثراً عن الأنثى وعشقها إلى درجةً يشعر المرء بالخوف والفراغ والجدب من دون هذا المخلوق الشفاف والنوراني ويتساءل: لولاها ولولا طيفها وعبقها الرباني ولولا عشتار وخصوبتها، ما كان لون الحياة، بل هل كان للحياة والطبيعة لوناً وجمالاً بالأساس.بل هل كانت هناك شيء أسمها الحياة من دونها ودون طغيانها وجبروتها العشقي هذ؛
حيث منها وبها بدأت – وتبدأ دائماً – الانفجارات الجسدية والكونية الكبرى لتولد ملايين البراكين هنا وهناك وتبدأ السيول الجارفة الحارقة في رواء الوديان السحيقة العطشى وتبدأ البراعم بالتفتح وتكون الولادات؛ ولادة الرب والإنسان والحياة معاً.
تُحدِثنا كتب التاريخ؛ إنها (الأنثى) كانت الرب والإلهة قبل أن يطيح بها الذكر عن عرشها ليستولي على مكانها دون مكانتها لتبقى هي سيدة القلوب وملكتها ويبقى الرجل – الذكر عبداً خانعاً ذليلاً في محرابها المقدس، نعم.. هذا ما يذكرنا بها معابدها وتماثيلها التي عبدت وسجدت لها قديماً. أما كتب الشعر والعشق فما زالت تروي قصص وحكايات عشقها وأفروديتها وعن جمالها وخصوبتها التي أعطت الحياة معنى الوجود ومعنى المعنى. ولكن وبعد هذا التاريخ الطويل من حكايات الشعر والجمال والحب والأنثى، هل يمكن للشاعر أن يرمي بعدته وعتاده ويستريح مكتفياً بما دونه وسطره في تلك القواميس والدواوين، أما ما زال أمامه الكثير ليقدمه لهذا الكائن الملائكي مكفراً بذلك عن ذنوب وخطايا أجداده الذين أطاحوا بعرش الأنثى ومملكتها.
إن المجموعة التي بين أيدينا (أرواح تائهة) للشاعر الشاب (أحمد عثمان) هي محاولة أخرى على هذا الدرب؛ درب جلجلة الشائك والمدمي وذلك تكفيراً وابتهالاً؛ تكفيراً عن ذنوب الأجداد وابتهالاً وتقرباً لمحراب جسد الأنثى والعبادة لها وبها معاً حيث ينبوع الكينونة والوجود، الولادة والموت في الآن ذاته. وما يميز هذه المجموعة هي جرأتها و(وقاحتها) العارية ومن دون الرتوش وذلك بتطرقه لمواضيع العشق والجسد والإله الأنثى ونادراً الوطن وقضاياه وأعياده وأيديولوجياته. وقد نحى (أحمد عثمان) في التعبير عن خلجات وغليان الجسد دروب القدماء والمدارس الكلاسيكية من بحور وسجع وتنميقٍ في الكلام ولكن من دون أن يقلد أو يسطح مواضيعه، بل عرف كيف يزاوج بين جرأة الحداثة في المواضيع ورزانة الأسلوب الكلاسيكي، وهذا ما أضاف إلى مجموعته خصوصية أخرى. وإننا نورد المقطع الشعري التالي نموذجاً عن جرأته في تناول المواضيع، وإن لم يكن الأكثر شغباً وإثارةً في المجموعة.
اذكريني حينما أموت وحين أصلي
فربما في صلاتي إلى الله
تدركين ما معنى أنا
فتضاءُ يوماً عليَّ الشموع
لأبحث في ملامح وجهك حينها
عن محمد وعن يسوع
فتعثرين على روحي التائهة
وتحظى روحي بهذا القمر
أتراني نسيت أن أجعل من خصلاتك شهبا
تضيء عليَّ طريق آثامي
وتُؤنسُ سكْرتي وقت السحر
أتراني نسيت أن أجعل من عينيك معبدي
وأبني بجانب ثغرك مذبحا للرب
أتَمسَّحُ على عتباتها
جانبٌ آخر يتناوله الشاعر (أحمد عثمان) في مجموعته (أرواح تائهة) ألا وهو الإرث والمورث الثقافي الاجتماعي بما يتضمنه من عادات وأعراف اجتماعية قبلية والحكم على الأنثى بأنها (الضلع القاصر) وتكبيلها بقيد الشرف و(غشاء البكارة) وكأن الشرف لها وبها تفتقد ومن دون أن يكون للذكر نصيبٌ منها، والمقطع التالي يتناول الموضوع بتلك الجرأة المعهودة لدى جيل الشباب عامةً والمعروف عنها التمرد والثورة على كل القيم الأخلاقية (البائدة)، فها هو يكتب:
أرجوكَ قفْ مكانك لا تقتربْ
أخاف على ذاك الغشاء
أخاف على ذاك الذي من أجله أُنتهك

.. أخاف إن اقتربت
أن ترقبني بعض العيون

أتريد أن أغدوا أمامهم يوما
إنسانة فاجرة..

وهكذا فلا مفر من الاعتراف بالواقع والبيئة الموبؤة والمكبلة للطاقة الكامنة في الجسد والروح والمقيدة للحركة وحرية المعنى والوجود وبالتالي عليك العمل على السطح والقشور ودون الخوض في الأعماق الإنسانية، لكن روح الشاعر (قلمه – كلمته) والمعروفة عنها التمرد والثورة على كل ما هو غير إنساني ومكبلٌ لها تأبى أن ترضخ لهكذا واقع وشروطها وبالتالي تحاول أن تخترقها بفتح كوات تتسلل من خلالها ضوء الشمس والحرية.
وأخيراً بقي أن نقول أن الشاعر (أحمد عثمان) يضع وليده البكر بين يدي القارئ يهديه مشاعره وأحاسيسه ومعاناته؛ حيث معاناة الولادة هي الأقسى والألذ من بين كل ما يعانيه المرء خلال مسيرته الحياتية، وهو (الشاعر) لا يدعي أنه قدم الأفضل لكن يحق له أن يقول إنه قدم الصدق؛ صدق الكلمة والحب والمعاناة، ولا يطلب من القارئ إلا التعامل بود ودون حقد مسبق مع هذا الوليد الجديد.

جندريسه – 2007

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…

شكري شيخ نبي ( ş.ş.n)

 

والنهد

والنهد إذا غلا

وإذ اعتلى

صهوة الثريا وابتلى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا جرى في الغوى… !

 

والنهد

اذا علا

حجلين اضناهما

الشرك في اللوى

او حمامتين

تهدلان التسابيح في الجوى… ؟!

 

والنهد

اذا غلا

عناقيد عنب

في عرائش السما… ؟

توقد الجلنار

نبيذا في الهوى… !

 

والنهد

اذا غلا

وإذ اعتلى صهوة الثريا والنوى

تنهيد في شفاه التهنيد…؟

كالحباري

بين مفاز الصحارى

اضناه

مشاق اللال والطوى… !

 

والنهد

اذا علا

وإذ اعتلى كالبدر وارتوى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا وقع في شرك…