بافي طيار…. والنص المسرحي….

   دهام حسن

قيل مرة لملحن معروف، لو تقدم لحنا لفلان ، وهو مطرب ناشئ ، ظهر حديثا على الساحة الفنية ، فأبى متذرعا بأنه لا يغامر باسمه وسمعته مع مطرب مبتدئ ، ودارت الأيام ، فسطع نجم هذا المطرب ، في سماء الغناء كان هذا المطرب المغمور هو عبد الحليم حافظ… لماذا هذا الاستهلال؟
لأنه نقل إلي موقف مماثل من كاتب لنصوص مسرحية تأنّف من تقديم نصوص لـ “بافي طيار” وبنفس الذرائع ، ترى من المخطئ والملوم في هكذا موقف ؟ ألا يتحمل الكاتب وزر ترفعه ؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة…..
لهذا أقول إن من يجد في نفسه القدرة والكفاءة في كتابة النصوص المسرحية ، والإخراج المسرحي فلا يتأخرن عن تقديم النصوص لـ “بافي طيار” وأن كتاباته سوف ترقى به وباسمه في مثل هذا التلاقي وليس العكس…
وأنا أقول هذا ليس من باب الدعاية لـ “بافي طيار” فأنا لا أعرف الرجل ولم ألتق به ، وإنما شد انتباهي أداؤه الناجح بل الرائع في التمثيل ، إن هذه الموهبة بحاجة إلى رعاية وصقل ، بحاجة إلى نصوص جيدة ، تتلاقى مع موهبته لتتمخض بالتالي عن عمل تمثيلي ناجح ، يرقى بالفن ، ويحظى بإعجاب الجمهور، الجمهور الذي يفتقد لهذا الفن الراقي الجميل ، وهو بحاجة إليه ، لتأثيره المختلف الأبعاد، من إمتاع وفائدة ووعي وإعمال الفكر فضلا عن جمالية هذا الفن الراقي…
إن تراثنا مليء بالحكايات المسلية والمعبرة ، بإمكان الكاتب أن ينهل منها ، ويشيؤها حسب رؤيته الفنية وحسب أبعاد نظرته الفكرية ، وإنني أعلم جيدا ، أن كتابة نص مسرحي يتطلب جهدا إضافيا مضنيا ، ومثابرة وجلد ومراجعة وحذف وإضافة وتدقيق وترميم وشخوص وأدوار.. إلخ  كل هذا يأخذ من الكاتب أو المخرج الوقت والجهد ويتطلب طول أناة….
إن بافي طيار يضحكك وقد يبكيك لما يعرض من نماذج  بشرية مختلفة ، لكنه في الحالتين ، يسحرك بأدائه المتميز ، ويشدك لمتابعته في جو من الإمتاع  والمؤانسة والفائدة…. إن الذين قدموا له النصوص المسرحية أو أخرجوها ، كانوا موفقين جدا في مقاربة الواقع الكردي الشعبي  على الرغم من الإمكانيات “الفنية – التقنية” الضئيلة.. ومن هنا تأتي أهمية المؤسسات – التي نفتقدها – لتبني هكذا أعمال ، أعمال بافي طيار وسواها من الأعمال الفنية الواعدة ، كما أن هذا لا ينفي المسؤولية عن التنظيمات الكردية من مد يد العون والمساعدة لهؤلاء…
إن النصوص الجيدة ترقى بالفن المسرحي ، وتنمي ذوق العامة ، وتحرك إحساسهم، بما يجري من حولهم، وتخاطب العقل المفكر ، ليكون له موقف نقدي وتحليلي ، وعلى أثرها يتكامل العمل الفني الإبداعي ، والحراك الاجتماعي ، والنضال السياسي في مجرى واحد ، وهذه الروافد تتلاقى مشكلة ذلك المصب الزاخر العريض الذي لو فاض لجرف أمامه كل شيء …
إن بافي طيار شتلة ورد نابتة بحاجة إلى رعاية وسقاية حتى تتفتح براعمها ، وتتفرع واسعا ، وتضوع طببا وشذى ، ولا تحرجونا – السادة كتاب المسرح – أن نشك في قدراتكم وأذواقكم ، فمن واجباتكم الترقية بالفن لما تملكونه من حس إبداعي ، ونظرة نافذة في تخير النصوص الجيدة وترك سواها لما لها من تأثير في الذوق العام ، وشد الناس لهذا الجنس الإبداعي، وإلا فأنتم تتحملون قبل سواكم مسؤولية  بقاء هذا الفن في دوامته ، وفي دارته المقفلة بلا فضاء ، لأن هذا الفن بحاجة إلى مناخ من الحرية والانطلاق ، وإلا فالواقع يبقى كما هو دون مس أو تغيير ، نعيد إلى الأذهان ، ويبقى كري رش حمارا في تخيره بين الورد ونبتة كلبش  … 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…