كلنا يعلم ومن خلال التاريخ القديم، أن السومريين هم من أقدم الشعوب التي سكنت بلاد مابين النهرين وإلى الجنوب من خط عرض بغداد- بابل، أي في المنطقة التي تسمى اليوم بأرض السواد في العراق. ومن أشهر مدنهم أور، و أوروك، ولاغاش… رغم أن إسم أوروك ذاتها اسم غير سومري. وما نعلمه أيضاً هو وجود أقوام أخرى غير سامية جاورت السومريين إلى الشمال والشرق منهم تحديداً، وهم الشعوب الهندو- أوربية كالحوريين، والميتانيين، والحثيين، والكاشيين، والكوتيين، ثم العيلاميين في جنوب شرق إيران…الخ.
أي يمكننا القول هنا بوجود جبهتين أو ثلاث جبهات كانت تتواجه فيها شعوب مختلفة ليس من الناحية الحربية دائماً وإنما من حيث المكان والموطن أيضاً، ففي الشمال العراقي والسوري كانت هناك جبهة الشعوب الهندو- أوربية، من الشعوب التي أتينا على ذكرها آنفاً. وفي جنوبي العراق كانت هناك الجبهة السومرية، وإلى الجنوب من خط حلب- القامشلي في سورية اليوم، كان هناك الشعوب السامية من بابليين، وأكاديين، وآراميين، وسريان، وعموريين..الخ.
أما السومريون في جنوبي العراق فيعود تاريخ تواجدهم هناك إلى الالف الثالثة قبل الميلاد، وكذلك الحوريين والميتانيين. وقد تضاربت الروايات بين العلماء حتى الآن حول الأصل السومري وموطنهم الأصلي الذي جاؤا منه. فبعضهم يرى أنهم جاؤا منذ عصور سحيقة في القدم من جنوبي الهند، فيما يرى آخرون أنهم هاجروا من شمال غرب آسيا، أو من شمال وشرق أفريقيا أو شبه الجزيرة العربية واستقروا على ضفاف دجلة والفرات في العراق… ولكني أرى في الحقيقة أن السومريين لم يهاجروا من أي مكان في العالم، وأنهم انحدروا من كهوفهم الجبلية الشمالية والشمالية الشرقية أي من جبال زاغروس وطوروس إلى سهول بلاد الرافدين من الجبال المجاورة، حينما حل الجفاف والقحط في المنطقة فهبطوا نحو ضفاف الأنهارلممارسة الزراعة والإستفادة من مياه الأنهار في الري وسقاية المزروعات وحيواناتهم المدجنة. والدليل على عدم هجرتهم من أي مكان آخر في العالم هو لغتهم المتفردة التي عجز العلماء عن تصنيفها ضمن أي من لغات العالم الأخرى حتى اليوم، أي أنهم أوجدوا لغتهم الخاصة بهم ودون ان يحتكوا بالآخرين ويأخذوا منهم إلا في الفترة المتأخرة من تاريخهم، وبعد احتكاكهم بالشعوب الغازية والمجاورة من ساميين، وهندو أوربيين… أي في العهد الذي بدأوا يختلطون فيه بتلك الشعوب التي احتكت ببعضها، وأقتبست من بعضها اللغة والعادات والأساطير وكذلك العادات والتقاليد.
ويؤكد على ذلك الدكتور توفيق سليمان من جامعة بني غازي في ليبيا، في كتابه الموسوم ب(دراسات في حضارات غرب اسيا القديم ) 86.بشان الإقتباسات اللغوية في الشرق الادنى القديم فيقول: (وبحكم هذا الجوار المبكراختلطت لغات هذه المجتمعات بعضها عن بعض، وفقدت بذلك هذه اللغة او تلك جانبا من ثروتها اللفظية امام تسرب مفردات بديلة لها من اللغة اواللغات الاخرى). ويتابع المؤلف القول: (اللغة السومرية نفسها، تحوي في ثروتها اللفظية بعض المفردات الدخيلة، التي يعتقد أن السومريين أخذوها عن الشعوب والقبائل التي سبقتهم أو عاصرتهم في استيطان هذه المناطق وذلك بواسطة الإحتكاك بها…) 77. إذن اقتبست اللغات من بعضها الكثير، ولذا فلا غرابة من وجود كلمات كردية منطوقة حتى اليوم في اللغة السومرية العريقة، وهي كثيرة ولكننا سنورد بعضها للتأكيد والإثبات وهذه الكلمات هي:
السومرية | الكردية | العربية |
Gu | Ga | ثور |
Kala | Kal | عجوز- مسن |
Lo | Lo | الرجل |
Gel | Gel | الشعب |
Gishto | Giştî | عام |
Got- Go | Got – Go | قال |
Dib sar | Nivîsar | كاتب |
Did | Dido | العدد اثنتان |
Shesha | Şeş | العدد ستة |
أما من أين جاءت الكلمات الكردية إلى اللغة السومرية فهي من الأمور السهلة الإدراك والإستنتاج لمن يتتبع بجدية سويات تاريخ الشرق الأدنى القديم وشعوبه.
بداية لابد من الإشارة إلى أن الشعوب تقتبس من بعضها بعدة طرق أما:
1- عن طريق الغزو الخارجي، واقتداء المغلوب بالغالب كما يقول عالم الإجتماع والمؤرخ المغربي الشهيرابن خلدون
2- بالتسرب السلمي
3 – عن طريق التجارة والمصاهرة
وإذا ما تأملنا اوضاع شعوب الشرق الأدنى القديم، نرى أن الكاشيين والذين يعتقد أنهم يشكلون إحدى القبائل الكردية العريقة التي كانت موطنها تمتد من لورستان الايرانية الى أواسط آسيا الصغرى تحديداً. نراهم يقومون بغزو منطقة بلاد مابين النهرين وذلك في حوالي العام 1747- 1170 ق.م. أي انتهى حكمهم على يد العيلاميين نهائياً في العام 1170 ق.م.(برزج سمكوغ- الشركس في فجر التاريخ) 146.
بدأ الكاشيون وكانوا يتكلمون اللغة الحثية الآرية أو لغة قريبة منها، بدأو في بداية عهدهم بالتسرب إلى بلاد السومريين سلمياً وعملوا عمالاً وأجراء لدى السومريين المزارعين ولذلك سماهم هؤلاء بـ(الكاسيين- كاسي) أي الفقراء باللغة السومرية، ثم قويت شوكتهم بعد ضعف السومريين والغزوالحثي لبلادهم، والحثيون هم من الشعوب الهندو أوربية وقد انسحب هؤلاء الحثيون سريعا بعدما سلموا الحكم للكاشيين الذين شكلوا طبقة كاشية حاكمة في بلاد سومر. ولكن الحق والحق يقال فقد ازدهرت سومر في أيامهم ازدهاراً كبيراًً بخلاف ما يقوله البعض من أنهم كانوا همجاً وهي صفة يعتقد أن السومريين الصقوها بهم.
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: لماذا لم يحررالحثيون السومريين حينما رحلوا عن بلادهم بل سلموهم لقمة سائغة للكاشيين يحكمونهم على هواهم..؟ والجواب على ما نعتقد كان سببه هو أن الكاشيين يمتون بصلة قرابة للحثيين، أي أنهم على ما يعتقد – وكما قلنا- كانوا يتكلمون لغة قريبة من الحثية والعيلامية حسبما يذهب إليه(أدوارماير). وبهذا يكون الكاشيون الذين كان موطنهم – وحسب بعض المصادر- هي منطقة جبال زاغروس وامتدادها في جبال آسيا الصغرى في كردستنا تركية الحالية، يكونون في الغالب من الشعوب الهندو- اوربية ومن أقرباء الحثيين الآريين الذين سكنوا بدورهم في مناطق الأناضول الحالية. هكذا كان هناك غزواً حثياً – كما قلنا – لبلاد سومر وأكاد وتعاوناً حثياً كاشياً لاحتلال بلاد سومر، ومن بعد الحثيين والكاشيين كانت إحتكاكات السومريين مستمرة مع الحوريين، والميتانيين، والجوتيين، والسوبارتيين، والميديين أيضاً ويعتقد أنها جميعها من الشعوب الآرية أوالهندو- أوربية… كل هذه الإحتكاكات والإختلاط أدت في النهاية إلى اقتباس السومريين لكلمات هندو اوربية أو آرية لازال يتكلم بها الأكراد وشعوب آرية أخرى حتى اليوم. ولكن السؤال الآخرالذي يفرض نفسه بقوة هو: أين كان موطن الأكراد في المنطقة آنئذ..؟ ومن أين جاء الأكراد إلى المنطقة..؟ وأين كان موطنهم الحقيقي ياترى..؟
وفي اعتقادي أن الجواب بسيط وبمنتهى البساطة، وهوأن قسماً كبيراً من الأكراد لم يهاجروا من أي مكان آخرمن العالم، بل كانت كردستان آهلة بالسكان منذ فجر البشرية أي منذ مرحلة إنسان كهوف (شانيدير) و(زرزى هزار) وغيرها من كهوف إنسان ماقبل التاريخ التي اكتشفها علماء الحفريات في كردستان العراق.
ولذا فأكراد اليوم هم بقايا إنسان هذه الكهوف، كما هم بقايا تلك الشعوب الهندو- أوربية العريقة في المنطقة فامتزجت دماء هذه الشعوب جميعها في بطائح كردستان ووديانها وجبالها، وبقيت في أماكنها منذ ذلك الوقت حيث تشكل منها اليوم شعب عريق يدعى الشعب الكردي. وهؤلاء الأكراد هم الذين ذكرهم السلطان السلجوقي (سنجر) وأطلق على موطنهم أسم كردستان في العام 1005هـ. وهم الذين لم يذكر التاريخ – ما عدا الكرد الميديين- من أين هاجروا ولا من أين جاؤوا..؟. فما هو السرفي عدم ذكرهم بهذا الإسم قبل السلطان سنجر السلجوقي ياترى..؟ وفي الحقيقة مرة أخرى تكون الإجابة في غاية البساطة، وهو أن الأكراد لم يكن اسمهم أكراداً آنذاك، بل كانت لكل قبيلة من قبائلهم تسمية معينة وكان حالهم حال العشب الذي يظهر من تحت الثلج بعد ذوبانه، أو كما يقول المثل العربي ذاب الثلج وبان المرج، لقد خمدت جذوة تلك الشعوب الهندو أوربية والذين أتينا على ذكرهم، من ميتانيين، وحوريين، ولولوبيين، وجوتيين، وكاشيين، تلك الشعوب الجبلية العريقة في تاريخ بلاد مابين النهرين، فانكشت هذه الشعوب أو بالأحرى هذه القبائل التي تشكل جميعها قبائل أسلاف الكرد، انكشفت عما نسميهم اليوم بالكرد الحاليين. وهو مايذهب إليه العالم الروسي (مينورسكي) أيضاً، الذي يرى بأن الشعب الكردي يتشكل من خليط من القبائل الآرية التي أتينا على ذكرهم من كاشيين، وميديين، ولولوبيين، وحوريين، وميتانيين…الخ. بعكس مايقوله المستشرق الروسي (مار) من أن الكرد شعب أصيل سكن موطنه الحالي منذ آلاف السنين. وعلى أية حال فالشيء الذي نستخلصه من كل ذلك هو شيء مهم جداً ألا وهو أن الأكراد أو اسلاف الأكراد كانوا متواجدين بقوة في السحنة النهرينية أي (بلاد مابين النهرين) ولم يكونوا يوماً ما دخلاء على المنطقة، فهم ليسوا ضيوفاً على أحد ولم يغتصبوا أرض أحد، والذي يقول بخلاف ذلك فعليه أن يبرهن لماذا يتحدث الكرد حتى اليوم بكلمات كردية دخلت اللغة السومرية منذ آلاف السنين، فمن أين جاءت تلك الكلمات ياترى…؟ من السماء أم من باطن الأرض…؟ ذاك سؤال نطرحه واستنتاج توصلنا إليه من خلال العلمية والبحث.