نحن الذين نجد النشوة والشرف والامتياز في أن نعمل ما نختار في حرية تامة في الغالب،
نحن الذين يحبون عملهم – فمن واجبنا- رغم صعوبات الساعة – أن نضرب المثل على الأقل بأن نتحدث في اعتزاز
عن مهمتنا التي جعلت منا ما نحن عليه اليوم)
جورج ديهاميل : دفاع عن الأدب، الترجمة العربية، ص 227
لم تكن الكتابة يوماً، ببعيدة عن ممسقط رأسها: الحياة، مثلما أنها لم تكن في يوم ما، بغائبة عن الفضاء الرحب، والمتعدد المناخات للحياة هذه، فالكتابات في عمومها، تكون متلونة، متنوعة، ولكنها في عمومها أيضاً، ألوان قوس قزح، إنما لا بد من ربط الألوان المجتمعة هذه، بالطقس الربيعي، وما فيه من جو مطير، حيث يكون المداد المخصب للأرض هنا. وهنا بالمقابل يكون الاختلاف بين مجموعة الألوان التالية على حدث مناخي، أرضي، والألوان الأخرى التي يُستقسَر بشأنها: ما حكايتها؟! وما يعاش من وقائع متفاوتة في دلالاتها التاريخية : الروائعية والفجائعية،
ما أريده هوبقاء الحدث في واجهة الذاكرة، إلى جانب سلسلة الذاكرات الدموية المنحى الأخرى، لتكون الصورة المرئية أكثر وساعة وأرحب، وأعمق حضوراً، وليتسنى التفكير بالمزيد من التأني، ودائماً مع مراعاة الحدث، وبنية الحدث، وما كان في أثر الحدث،وفي إهاب الحدث. وما لا يجب تناسيه في هذا المقام ( المرصود)، بصدد الكتابة التي تبقى مفكّرة بكائنها، مذكّرة بحضوره المتنوع، هو ضرورة الأخذ بالعلم، وهو التفريق الاعتباري، بين الذين كتبوا عما جرى، بانفعالية لافتة، كما تشهد عليهم كتابتهم، وكما سنرى حقاً، وما أكثرهم، والذين حاولوا رؤية الحدث، مثلما هي رؤية الذات المقابلة، الحدث الجلل، بانفعالية متمالكَة، وفي الوقت ذاته، ضرورة التفريق بين الذين عايشوا الحدث، كما هم معايشو قائمة الأحداث الفظائعية الأخرى، بحيث لا تكون كرديتهم، أو مواقعيتهم الاجتماعية، ولا اندفاعة مخيلتهم بارزة في حدث دون آخر، ليكون للقول المسموع والمسطور، تقويم مختلف ( مثلاً، ما حدث في قامشلو : الحدث المأسوي، وما تلاه من أحداث أخرى، وكيف هو فعل الحضور والغياب، في الذائقة الشعرية خصوصاً، واستشعار الحدث، وحسابات الصادر والوارد قيمياً، وما أعقبه من أحداث طالت ضحايا وضحايا، هي حيوات الكرد، في أكثر من جهة كردستانية، وأي كأس قريحة، استحالت قدَحاً شعرياً في خانة( حانة) الأدب الموسوم، بأثريات الجهة التحزبية، والرهانات المحددة. فأن يلتزم الواحد بصمت لافت، والحدث يفلق الحجر( حجر الغريب قبل القريب)، ويهدر بصوت شعاراتي العلامة، لافت، بمعنىً مغاير، إثر حدث آخر، حوله خلاف في المكانة الفجائعية، لتنبري هنا ، وبجلاء ( آية الكاتب المنافق الكبرى ) في أكثر من ثلاث: نشدان الأمان المزيف، التمترس وراء فردية متضخمة، التكتلية الخانقة، التلبس بالخوف من المترتب على التصريح بالاسم الحقيقي.. ولعل معرفة الأسماء، أسماء الكتاب هؤلاء، بحسب ارتباطاتهم ، وأماكن سكناهم، ومن خلال نوعية الأحداث، وارتباطاتها المكانية، والتحزبية، أو الفئوية، أو الاستدعاوية، لها نجاعتها، كونها تؤدي إلى استجلاء حقائق، وبسهولة، تقيم فرزاً طوابقياً بين الكتاب هؤلاء، في سكوتهم الغوري، وظهوري الدوري، ونزوحاتهم الرمزية، وارتحالاتهم الذاتية والبراغماتيكية، ولست مضطراً للتذكير بهذه الأسماء جملة وتفصيلاً، لأنني لست بصدد قراءة تفقدية، إذ أترك هذا، لذاكرة القارىء المكانية والزمانية والوجدانية قبل كل شيء، للكردية اليقظة فيه، وخصوصاً، عندما يؤخذ بعين الاعتبار، ذلك التقابل، بين من يقدم نفسه، ومن هو داخل في ركبه، أو بالعكس الملحوظ، على كرده وتاريخ كرده والوطن بكامل جهاته وبنيه، لقاء حسابات، تصنَّف في صدارة الرهانات السيئة المردودات، ومن يفضل الوطن، وإنسان الوطن، على نفسه، ومن يزاوج بينهما، بتفاوت، بحسب اتجاه الريح، وأظن الكاتب الكاتب( مضاعفة الكلمة، مقصودة!) هو الذي يدرك فاعلية العلاقات هذه .
ولأن المواد كثيرة( وقد أخذت كلها من موقع Rojava الالكتروني،ومن خلال الملف المعد عن الحدث المذكور، باستثناء مثال واحد، مذكور لاحقاً)، وهي أتت بللغتين: بالكردية والعربية، ومن قبل كتاب كرد بالدرجة الأولى، حيث ثمة من زاوج بينهما، وهذا يثري الموضوع، من ناحية الاعتبارالتاريخي المؤلم لما جرى، سيكون هناك فصلان يشكلان كتاب الحدث المفتوح، والأول بداية، ممن عايشوا الحدث، وسطَّروا مشاعرهم نصوصاً متفاوتة في انتمائها الكتابي: الشعري، النثري، أو بتمازجهما معاً: كردياً، ليكون الفصل اللاحق، كما بات معروفاً، متعلقاً بمن اعتمد العربية طريقة تعبير هنا. وما يجدر التذكير به، قبل البدء بتناول أي مثال، هو أن ثمة كتابات لأسماء، لا تخفي انتماءها المكاني، في كردستان الشمالية قبل غيرها، وهي تعتمد مفردات عربية واضحة في التعبير، كما لو أنها كردية، رغم وجود البديل الكردي، ولكنها التربية والثقافة، وتحريات العنف فيهما، مثلما أنني لا أتعرض للكثير من الأخطاء ذات الصلة بالتركيب، والدقة في التعبير، لأنني محدّد موضوعي في منحى مختلف، كما نوَّهت، وكون الأمثلة كثيرة، والمجال ضيق بالتأكيد …
الحدث الدامي، في كتابة مدمَّاة :
هل أبدأ فصلي هذا، بكلام مفصلي، يخص القائل، بأن ( العواطف الطيبة تخلق أدباً رديئاً)؟ حاولت إهمال هذا القول، تجنب ذكره، لكنه ألح علي، بضرورة اعتماده استهلالا لهذا الفصل، مثلما أنه يصلح تماماً، لأن يكون توطئة للفصل التالي، ولعله في إلحاحه، لم يأتني عفو الخاطر، بقدرما كان مرفقاً بسلسلة من التصورات الأرضية، والتاريخية، والثقافية، تلك التي تشهد على مدى الحضور المكثف للعواطف السالفة الذكر، وكيف أنها تزدحم بالكثير من المشاهد التي تشكلها الكتابة الأدبية: الشعرية، قبل سواها، وأعني بها، كتابة، هي دون الحدث المروَّع حقاً، ولي أسبابي، فيما انطلقت منه، وفيما حاولت مكاشفته في صلب البناء التركيبي لجموع الكتابات المذكورة غالباً، وفيما سعيت إليه، وما أنا واقف إزاءه الآن، يخص حدود النفَس الأدبي فيها. إذ إن العقدة الرئيسة في الشعر، قبل غيره، هي في المعنى الذي ينبثق عن الألفاظ، منها، ويرتبط بها بوشائج قربى دلالية، وكيف تتركب، بالطريقة التي تخرج القارىء من حالة كونه شارداً عما عداه، إلى اعتباره مأخوذاً بسطوع المعنى الذي يذكّره بالكثير مما يجهله، ومما يعيشه ضمناً، فقائل الشعر، هو القائم بمقام خلَقي. لكن في مجمل الأمثلة، من الصعب التمييز، بالقدر الكافي، بين المدوَّن شعراً، كما هو الشعر الذي يذكّي المتخيَّل النفسي، وينمي الوعي المكاني، واللاشعر، وحتى الكتابة المدرجة كتابة لها تصنيفها، في النثر، وأي نثر هو هذا، أي متى ، وكيف يعمل الفكر، وكيف، ومتى تبرز العاطفة! الأمثلة متفاوتة، في الطول، والمفارقات، ولكنها تشترك في أهم خاصية، سبق وأن أشرت إليها كثيراً، في كتابات سابقة لي، وهي البكاء والاستبكاء، واستثارة المشاعر، ليكون الهم مضاعفاً . إن أكثر الأمثلة الممكن التوقف عندها، وبسبب مكانتها، كترجمة شعرية معتبَرة لحدث، يستحيل نسيانه وجدانياً، وانشغالها بالجانب البانورامي الظاهري للحدث ذاك، هو ما يخص قصيدة أحمد حسيني، إذ إنها في الوقت الذي تتبدى احتواء للحظة تاريخية دامية، والتعريف بها، بهوى شعري، تأخذ اللحظة هذه، مسارها المعاكس لوسمها الشعري، في تنكبها، وليس في تأهبها. إن شاعر القصيدة المركَّبة بعنوان ( şeng-Al-Ya)، كما لو أن التفكيك يعيد للمفردة المركبة بهاء القيمة مضاعفاً، من خلال المفردة الأولى (روعة- العلم- يا)، وكأن ثمة هتافاً بالنصر، إنه بالقدر الذي يحاول تفريغ شحناته الشعورية، تصطدم بجدار صلد، سميك، باعتبارها، تمارس انقلاباً على روح الشعر، انحساراً من الداخل، سرداً لتفاصيل تثقِل عليه، عدا وجود تراكيب، تشي بأن الرغبة تتمثل في لفت نظر القارىء مباشرة، إلى مهارة الشاعر اللغوية، أكثر من الانهمام بروح الشعر الجمة، وذلك من خلال الاندغام والادرارالعاطفيين بالموقف، والانجراف وراء الصورة التي تكرر ذاتها لاحقاً،ورهان الاندفاع هذا، دون أن توسع حدود معناها، من خلال فعل الانسياب النصي المتعدد الجهات.
Şengalya!
Li wêneyên xwe binêre û ji mirovan têr bibe..
Li koçberiya xwe binêre û ji zarok û balindeyan têr bibe
Li balgehên xwe binêre û neqşên destê xwe têr bibe
Li barana xwe ya xemgîn binêre û ji keskesora êşa xwe têr bibe
Li dayikên xwe yên reşgirêdayî binêre
û ji dûman û ji gera hechecîkan têr bibe,
li min binêre û ji xaç û goristanên dilê min têr bibe!
Li min binêre û ji kêl û şewat û ji xweşmêrên ku di xwîna min de dijîn û xwîna min de dimirin, têr bibe!
Li zilamên xwe yên ji keskê narîn û li kavilên tavsorka xewna xwe binêre
Binêre Şengalya min!
Binêre Şengalçeya min!
Binêre Helebçeya min!
Binêre ku çawan sorgulên te, darbestên payîzê bi lawik û dîlokan dixemilînin
Ku çawan demsalên fermanê di çîrokên sormijê de dizingînin
Ku çawan rîhana destê te bi kêra şevê dikujin
Ku çawan dîmenên lajiwerdî yên govenda giyanê te,
Pêxemberên ji qûmê û şûrên poşmaniyê bi ser te de dirijin
Lê tu dizanî ku li te digerim Şengalyayê!
Tu dizanî ku li çurîskên kenê te û li pinpinîkên sînorên te
Û li pêlên lorîka te digerim!
Bi destê min bigire
Min hînî çûyîna ber bi laleşan ve bike!
Min hînî xwe bike
Xwe jî hînî çirayên şkestî û berbangên mirî bike!
شنكاليا
انظر إلى صورك واشبع من البشر
انظر إلى ارتحالك واشبع من الأطفال والطيور
انظر إلى وسائدك واشبع من طُرز يديك
انظر إلى مطرك المغموم واشبع من قوس قزح ألمك
انظر إلى أمهاتك اللابسات السواد
واشبع من الدخان وطواف والسنونو
انظر إلي، واشبع من تقاطعات قلبي ومقابره
انظر إلي، واشبع من شواهدي وحريقي، ومن الرجال البارزين الذين يحيون في دمي، ويموتون في دمي
انظر إلى رجالك الذين من الأخضر المتوهج وإلى خِرَب أصيلك
انظر شنكالياي
انظر شنكاليتي
انظر حلبجتي
انظر كيف أن حمر ورداتك يلجن الخريف، ويزيّنه بالمواويل وغناء الديكة
كيف أن فصول الفرمان ترن في حكايات حمراء الضباب
كيف أنهم يقتلون ريحان يدك بسكين الليل
كيف تُراق عليك مشاهد لازوردية لأعراس جسدك
رسل من رمل وسيوف الندم
لكنك أنت تعلم أنني أبحث عنك شنكاليايى
تعلم أنني أبحث عن حكايات ضحكتك وفراشات حدودك وأمواج تهاليلك
امسك بيدي
علمني التيمم شطر لالش
علمني إياك
وعلّم نفسك بالسراجات المكسورة والصباحات الميتة
وهذه القصيدة تستحضر على الفور، ما قاله مطوَّلاً حول الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي، حيث أن الأجواء السائدة فيها أكثر من كونها حِدادية، أقل من اعتبارها تناسبية، لأنها تزوبع في ذاتها، دون أن تحلق عالياً، أو تمارس انتشاراً في المكان، كما هو المكان المتعدد العناصر والمقامات:
وحيث أن الشاعر، يمارس دور السارد والمخاطب، وشنكاليا الأرواحي، يكون المرسَل إليه، والمنشود والموضوع في خطابه الشعري.
ونجد كيف أن جملة المفردات لا تنفك، تدور في حلقات بعضها بعضاً، من جهة عدم التمايز في مستثيرتها الصورية الشعرية والإيحائية المستقلة، بسبب ارتكازها إلى ذات الصفة، وهذه الذات الجمَلية، لسان حال الذات الاستعراضية، بوعي أو بدونه، من ناحية تيمةالاستحقاق الأدبي .
وحيث أن المستشهَد به، وكما ترجمته( وتركت المقبوس بالمقابل، كما هو، للمقارنة)، يكرر نفسه، كما نوَّهت سالفاً، دون أن يضيف إلى مكرَّره ما هو ناجع إيحاءً أو إيماءة، فيكون حداد الشعر، إلى جانب حداد الموضوع( الموضوع المدلهم إشاراتٍ وعلامات وقيامات أبعاد)، لأن أكثر من نصف المقبوس هنا، هو واحد( من ناحية الإشارة إلى الموت، الدمار، الخراب، وهذا يعيدنا إلى ما يعرَف في علم نفس الطفل بـ” المنعكس الدائري”، ويعني هذا، أن الطفل، عندما يتلذذ باستعمال لفظ، أو فعل ما، يحاول مراراً استعادته، وهنا( ودون أي تهكم طبعاً)، يبرز الشاعر مأخوذاً بلقيا المفردة الدالة على ما هو حدادي، كما لو أن المطلوب منه، إحصاء كل الكائنات الموجودة في محيطه، وإعلام القارىء أنها داخلة في مشهد مأسوي، وهو يدرك تماماً، أن الكلي في الشعر، ينعطف على جزئه، أن إلباس المكان ليلاً حالكاً، أو الشمس بالظلمة، يسربل الوجود بكامله بما هو فجائعي، أو أن تذكيراً بدم مراق، يفي بالغرض الشعري، ولكن إرادته المراقة، كما يظهر، في المرتجع الانفعالي المستنزف، تكولِب فيه أفقاً كاملاً( أعني بالكولبة: المحرس، كما لو أنه في ذلك المحرس الضيق، وينظر في حيّز ضيق)، فيكون التفاوت في العلاقة، كما هو تفاوت بين الملفوظ المتشابه، والمعنى المشدود خلفاً، دون المراد منه.
ثمة فاصل بين الحدث المستمر بفظاعته في الذاكرة، والقول المحسوب على الشعر، والذي يعجز عن التأكيد على حضوره الشعري، على استلام الحدث بقيافة مختلفة، لأن ثمة فرطاً في الموضوع، وتراجعاً في الإيقاع الداخلي، مثلما هو تراخي حدة النظر المطلوبة، ودوران حول ذات المعنى غير المتجاوّز، كما هو الوصف الذي يستديم، مكرّراً أكثر، المعنى المحدود نفسه .
بالنسبة للشاعر عزيز غمجفينEzîz Xemcivîn، يكون رهانه الكبير على عنصرالمباغتة في الشعر، بطريقة أقرب إلى فعل قصيدة الهايكو اليابانية القسمات، من خلال لوحات مجزأة، متداخلة في لوحة أكبر، هي جسم القصيدة، جسدها، والروح، ما يرتسم في الكيان الكلي لمجموعة الألواح المتشابكة، وذلك في قصيدته ( شنكال : زهور دوارشمس النظرات ذات إرادة Berberojkên awiran bi vîn in Şingal)، ولعل المباغتة كقيمة اعتبارية في الشعر الحديث بصورة خاصة، ترتكز إلى ذات المقام للشعر الحديث هذا، أي من خلال الاقتصاد المكثف في القول، والتفنن في التمازج القولي، مع ترك مساحة واسعة، وغير مرئية، لغير المتابع لهذا النوع الشعري، بنيّة التفاعل إثر التفكير في الجاري بناءً شعرياً، ولكن في الوقت الذي أشدد على بأس الشاعر في استدعاء أطيافه الشعرية، على استنفار المكان، واصطفاء المفردات المعتبَرة، خدمة للموضوع المُضنى به، يكون التشابك في الداخل، بين انخطاف بالحدث المأسوي، وصعوبة في التحليق بروحه الشعرية، إذ تأتي مثقلة بالمكان المنحصر فيه، بسواده. إن أعظم الشعر، والحال حدادية، ينبثق من ذات البؤرة الشديدة التوتر، وفي مشهد قياماتي مختلف، حيث الانغلاق على الذات واقعاً، والانفتاح الأقصوي تكويناً شعرياً، ففي التعبير عما هو فظائعي، لا يكون المطلوب الزج بجيش لجب من المفردات، وكلها من ذات اللون( أتذكر هنا بقرات هيجل في الليل)، ما يهم، هو كيف أري من حولي ليلاً، ما هو ممكن النظر فيه، نهاراً، لأعلم، بلغة الشعر، ذلك الفرق المدهش، بين ما أكونه جسداً، وما أنا فيه روحاً، ولعل الشاعر، لم يفلح، كما هو المتطلَّب الفجائعي، توسيع حدود المعنى في الشعربدوره، وإن بدا أكثر تفهماً هنا، لذاته الشاعرة من سابقه:
Çiyayê birîndar
Çendî dem û qonax bihurî ne,
hîn jî evîna me
ji parastina te şermezar e..
Hîn xumava* pênûsa min sor e
û zimanê ken zilindar e..
Çemek peyv
tîbûna tiliyên min têr nake..
hinarên derdên te tije pirslibin,
êdî çawa,
serdana kaniya pirsên birînan bikim.?
Kurê te me,
bejna te ya bilind
bi rengê dilê min xemilî ye..
Bahozên kînê,
kengî vîn û arama min
ji hêza wan dihejin?
Erê çiyawo!
Asîmanê şîn û spî
bergê dîroka min e..
Cîgirtiyo!
dizanim nalebitî,
va têm şevbuhêrkên dilêriya te..
dîsan bi çîroka (Lib hinarê) min aşt bike.!!
Bihêle şikeftekê di zikê Gur de vekim,
“Destûra cengelê”*
ji hişê hovan cuda bikim..!!
Hoy mirinê,
jînê!
Xwîna lalereng
kulîlkên jiyanê av didin..
kevirên laleşa pîroz
bi tîpên evîniyê bi nav dibin..!!
Seyrana te li çiyayê me şûr e
Çivan li çiman dike
û buharê di qontarên şahiyê de zer dike..!!
Dilê me veke,
ne gor e..
Eger sîwana te moxil be,
berberojkên awirên me,
kilîtên pencera girtî ne..!!
Li ber pencên kuştaran
û di badeka werîsê sêdaran de *
sawa siya şehîdên me jî jîn e..
الجبل الجريج
كم مضى من عصر ومن مرحلة
ولا زال حبناً
خجلاً من حمايتك
ولا زال مداد قلمي أحمر أيضاً
ومرٌّ هو لسان الضحك
لا يروي غليل أصابعي
إن حبات رماناتك مواجعك مزدحمة بأعداد الأسئلة
إذاً كيف
أزور نبع أسئلة الجراحات
ولدك أنا
قامتك العالية
مزيَّنة بلون قلبي
عواصف الكراهية،
متى رغبتي وصبري يهتزان
جرَّاء بأسها؟
أي نعم، يا جبلُ
السماء الزرقاء والبيضاء
غلاف تاريخي
يا الرابض في المكان!
أعرف أنك لا تتقلقل
هأنذا أقصد أمسيات بسالتك..
ارضِني مجدداً بحكاية ( ذات الحبةالرمانية)!
دعني أفتح مغارة في جوف الذئب
أنحّي جانباً من رأس الهمج
” قانون الغاب”
الحياة!
الدم الأحمر الفاتح
يروي زهور الحياة
حجارة لالش المقدسة
تُعَنوَن بحروف الحب
ألا أيها الموت
نزهتك لجبلنا سيف
تنعطف حول النتوءات
وفي أدنى الفرح يصفر الربيع
افتح قلوبنا
ليس قبراً..
إذا كانت مظلتك منخلاً
فإن زهور دوار شمس نظراتنا..
مفاتيح الشباك المغلق
إزاء مخالب القتلة
وفي حلقة حبل المشنقة
رهبة ظل شهدائنا بدورها حياة )
في المقطع الأول، على سبيل المثال، يحدّد للجبل المقهور واقعاً، ما هو عليه رمزاً، من ناحية عدم القيام بما يجب، فيأتي الحب أقل من أن يُذكر، ويدخل القلم على الخط، وهو مرتبط به، ليزاحم على المعنى ذاته،، وهذا قهر لروح الشعر بالمقابل، ويتكررهذا الألم والإيلام في المقطع الثاني، بذات التناظر، والوتيرة الثنائية، وفي المقطع الذي ينادي فيه الجبل، باعتباره رابضاً في المكان، ما ضرورة إعلامه الذاتي، بعد ذلك مباشرة، وبالاسم، بأنه يعرف ما هو عليه( لا يتقلقل: يتحرك)، وهو ذاته من يسمّيه؟ وحتى في توجهه إلى الأمسيات المذكورة، أما كان أجدى في أن يُترَك القارىء، ليتخيل ما يمكن أن يُسرد حكائياً، أو مسامراتياً، وقد حدد آنفاً ما يمكن أن يكون، جهة البسالة، وهو قد ضيق الخناق على المعنى، بحكاية، هي جزء معلوم فقط!؟ كما أن المقطع ما قبل الأخير، يقوم بمهمة الكشف والمكاشفة: الموت المتحوَّل حياة في لالش، فلماذا تعب المحاولة في المقطع الأخير والطويل، وهو التفاف على المعنى ذاته نسبياً؟ أليس لأن الشاعر منحسر روحاً داخل المأساة، فيكون التهويل والتعويل، متعاودين بصيغ متفاوتة، وما يترتب على هذا الحذو، من كتم نفَس الشعر المراد إيصاله، إيقاعاً وإيداعاً إلى الآخر: القارىء.
وإذا كان الشاعر تنكزار ماريني Tengezar Marînî ، يحاول جاهداً، كعادته، فيما يستشعر، بإيراد كم لافت من المفردات المتتابعة، وفي جمل، غالباً، ما تكون قصيرة، كما لو أن قصيدته، صحبةَ قارئه في غرفة العناية المشددة، وهو يشدد على ضرورة الاعتماد على ما يشبه الصدمات الكهربائية، في روح النص، وفي واعية القارىء، لتوسيع حدود المعنى، وهذه ميزة، أظنه، بات معروفاً بها، فإن اللافت في الخصلة ذاتها، غلبة الغرائبية الشاردة، على حراك الروح الشعري، وانتثاره في المكان. وإذا كنت متفقاً معه، على أن الشعر، وكما سمّيت، هو أشبه بالصدمة المذكورة، في حالات الجدة الشعرية، فإن المهم هنا، بالمقابل،هو مراعاة الكائن الشعري( من يكون، وفي أي عمر، وبأي تجلي صحةٍ)، ليكون القارىء بالمقابل أيضاً، معرَّفاً بحقيقة ما يعنيه، أو يتداركه في المقروء شعرياً. إنه هنا، ملحَق، في النهاية، بمن سبق، من ناحية، محاولة اعتماد المزيد من الصدمات للقارىء، كما هي المفردات التي تتقابل متماثلة، ولا مخرج من خانة صنف لفظي، ذي صدى معنوي، مخنلف، كما يستوجب النفخ الشعري في كيان المفردة، أو الجملة، فأنا أحسب دائماً، أن القصيدة، هي في جوهرها بيت بمنازل كبيرة وطوابقية، هي فقراته، مقاطعه، جمله المطلة على بعضها بعضاً، وفي قصيدته ( صوت سماء مفسّرة الحلم : Dengê Asîmanekî xwenenas)، حيث التركيب الاجتهادي في الصياغة واضح، والشاعر، يسعى، ومن خلال تلبَّسه بالذات المأخوذة بقجاعة الحدث، ينتقل من صورة خاطفة لأخرى، وفي مجمل الصور، يعيد الكرة، بذات المعنى تقريباً، كما في المقبوسات التالية، وهي موزعة بين بداية القصيدة ووسطها ونهايتها إلى حد ما:
Lerz e, bêdawî
xwe nû dike, xwe dike ba
xêz li dor in
ji zû ve dorpêçkirî ye,
peyv rê nadin hev
azad im, azad.
Deng e, zerka sibehê, li xurîn e
kîjan kêl ?
kîjan ax?
kîjan ax?
kîjan dar,?
kîjan gelî?
kîjan zinar? Li welatê min, rengê tawis li xwe nepêça ye?!
Li ser xwînên te
qêrîna zarokên te
li ber sinorên te, kezebreş hene
Pêxwas
keysebaz
زلزلة، بلا نهاية
تجدد نفسها، تصيّر نفسها هواء
خطوط من حولها
مطوَّقة منذ زمان
الكلمات تتزاحم
حر، أنا، حر.
أي شاهدة؟
أي تراب؟
أي شجرة؟
أي أخدود؟
أي حافة جبلية؟ في وطني، لم تلف نفسها بلون الطاووس؟!
صراخ أطفالك
لصقَ حدودك، ثمة متفجعون
حفاة
انتهازيون
بداية، لماذا وصف الزلزلة باللاتناهي، ألم يكن تركها أجدى لروح الشعر، للاتناهي تصوره في متخيَّل القارىء؟ ولماذا( الاستحالة هواء)، وكذلك ( التجدد قبلها)، والعملية لا تخرج عن وضع ديكوري هنا ، من خلال الجملة الثانية، أو الأولى، ففي الحد الأقصى، يُكتفى بواحدة، ولماذا استخدام الخطوط، ومن ثم ( التطويق) مرادفة؟ والمعنى ملعوب به، وهو ذاته؟ وفي المقطع الأخير، ثمة استغراق في الدم ومستجدات الدم، في الحالتين، ليبقى المقطع السابق، متميزأ، ببعض شفافية النبض الشعري، رغم تعدد الأسماء هنا !
بالنسبة للشاعر أرشف أوسكانArşev Oskan، ثمة اختلاف، بالنسبة للتعامل مع المفردة الشعرية، حيث الوضوح يشكل سمة جلية عنده، وهو وضوح يتبدى في الجانب الوصفي الأكثر حضوراً عنده، وإذا كان في شعره، ما يحرّك المتخيَّل، ويوجّه النظر صوب أفق متجاوز للواقع الحسي المباشر، إلا أن أنه، يظل في حالات محسوسة أيضاً، رهين الصور التي تتداخل مع بعضها بعضاً، مشيرة إلى المعنى الأكثر أحادية ، كقاسم مشترك، يضم إليه الكثير من الجمل المتعاقبة في قصيدته. ولعله في قصيدته ( شنكال جريح Şengal Birîndar e!)، ما يؤكّد هذا الملمح بقوة، كما في هذين المقطعين، من قصيدته الشنكالية:
Malên me wêran nabin!
Destên me ji xakê nabin!
Dilên me ji evînê sar nabin!
Li Helepçe, Hewlêr û Qamişlo
Li Amed, Mehabad û Zêwayê
Dîsa li Şengalê ferman e
Li asoyên Şengalî
Çavên dayikan bi xwînê digrîn
Li Şengalê herder sor dike
Aso û xaka suncirî
Bi ser hev de dinixume
Em ê her hebin û her bimînin.
Kokên dara me, di dîrokê de kûr çûne,
her ku ew dibirin şîntir dibin.
Şaxên wê darê bilintir dibin.
Bi gulên sor û zer li ber tîrêjên rojê libadibin.
Û bibêjin: Ez ê kelemên nav çavên we bin!!
أيدينا لن تفارق الأرض
قلوبنا لن تمل الحبَّ
في حلبجة، هوليروقامشلو
في آمد، مهاباد وزيوى
في الآفاق الشنكالية
عيون الأمهات تبكي دماءً
في شنكال ، كل مكان، مصطبغ بالأحمر
الأفق والأرض المتَّقدة
ينطبقان على بعضهما بعضاً
أصول شجرتنا ذهبت عميقاً في التاريخ
كلما تم قطعها ، تنمو من جديد
بورود حمراء وصفراء تتهادى في شعاعات الشمس
ورددوا: إنني النتوء الواخزالذي في عيونكم
يتجلى هدر المعنى، في اكثر من نقطة هنا، إذ يتكرر التشديد، على التشبث بالمكان، ومنذ البداية، حيث الجملة تشبثية مكانياً، مثلما أن الجمل الثلاث في المقطع الأول مترادفات، كون العيون المسماة تبكي دماء، فذلك يستظهر المحيط الدامي بالمقابل، مثلما أن البيت الثاني في المقطع التالي، شرح للبيت الأول، وأن الثالث توضيح وشرح للذي سبقه، وأن الرابع استكمال لمشهد الإصرار في البقاء، ليكون البيت الأخير، استنفاراً للدم، وإعلان حرب، ولا أظن ذلك، بمهمة شعرية طليقة، كون ما سبق، يحيل كل شيء، ودون مواجهة مباشرة، إلى القدرة الحثيثة على الديمومة، وإرادة المواجهة الضمنية، وهنا، أجد، أن رغبة الشاعر، في توضيح المشهد الشعري في القصيدة، فرض عليه، ممارسة درسية: صفية، كما هو صدى الهاجس الانفعالي داخلاً.
وفي قصيدة الشاعر خبات شاكر، يظهر التردي في القيمة الشعرية، حداً لافتاً، إنه الحد الذي يشي بضعف الإحساس بقيمة الشعر، بأصلانية المناسبة، وفجاعتها، لتكون الكتابة، مناظرة لها، لأن الصراخ والاستصراخ، البكاء والاستبكاء، تصوير الدم، واستنزافه رمزياً، عمل لا يخلو من استخفاف بالقيمة المذكورة، وحيث أن التناغم في القوافي، لا يعني حضور الشعر، كما هو المترَّد كثيراً هنا وهناك، بقدر ما أن تسطيحاً لذائقة الشعر، ولأصالة الموقف من الشعر، يكون بارزاً.
وذلك في قصيدة ( صراخ شينكال Qîrîna Şingal)، فالنواحية، في وضعها الندبي الطقوسي، أو الشعائري، تعمي البصيرة قبل البصر حقيقة واقع، كما في هذا المنتقى:
dilê kurdistanê birîn e
xirqeyê feqîra bi xwîn e
li Şingalê ferman û şîn e.
Kurdê aştîxwaz Êzîdî ne
bi kolos û cilê sipîn e
berî li rojê, Ezdayî ne
Kurdê resen xwediyê cîn e.
……..
Li Şingalê girî û şîn e
di çavan de rondik û xwîn e
kuştî , tev tifalên bêrî ne
ev jî wek fermanê pêşî ne.
Li Şingalê zevî bi xwîn e
zarok bê dê û bav sêwî ne
Feqîr bi duha û hêvî ne
Pêşmerge hêvî û gazî ne.
في شنكال نجدة وصراخ
قلب كردستان مجروح
خِرق الفقراء مدماة
في شنكال فرمان وحزن
الكرد طَّلاب السلم إزيديون
بالكوفية واللباس الأبيض
صوب الشمس، إلهيون
الكرد الأصلاء أصحاب المكان
في العيون عبرات ودم
القتلى كلهم أطفال، أبرياء
هذه أيضاً كالفرمان الأول
ا
شنكال الحقل مدمى
الأطفال بلا أمهات وآباء، يتامى
الفقراء في دعائهم وأملهم
البيشمركة أمل ونداء.
وثمة مثال آخر، إلى حد، من ذات المسكب المعتبر شعري المقام، للشاعر سيد فيصل موجتفي
Seyid Feysel Moctevî، حيث التهويل والتنديد والوعيد، في قصيدته التقريريه ( شنكال جريح: Şengala Birîndar )، وفي موقع ( ولاتى مه) الالكتروني، وفي مقاطع عديدة، مكررة، مثلما أن لا تميزفيها بين الشعر والنثر، بين الجانب الخبري والجانب الأدبي، بين ما يكون عليه العدو، وما يمكن التوقف عنده أدبياً، كما في هذا المقبوس:
Penbû
Dikin pençerên guh
Piştî teqîna bombeyên terorîsmê
Terorîsma kor
Ku bêgunehiya te
Ya îro
Duhu
Pêr
Betirapêr
القطن
يضعونه في منافذ آذانهم
بعد انفجار ألغام الإرهاب
الإرهاب الأعمى
حيث براءتك
اليوم
في الأمس
قبله
ما قبل قبله…
حتى في الاستخدام اللغوي والقيمي، ثمة ذهاب في الطريق الخطأ، كما في مفردة لا صلة لها بمشار إليه ( pençerên )، وتعني ( شبابيك، نوافذ)، وكان يمكن حفها، لتكون العبارة صحيحة، وكما في عبارة ( الإرهاب الأعمى)، إذ متى كان الإرهاب مبصراً؟ لتكون عبارات كهذه، دالة على مدى الافتتان بما هوهيجاني، يزكّي كل ما هو ضعيف الإيحاء، مؤلمه سلباً، لسماعه، أو قراءته، ولأن ثمة جانباً آخر، هو اعتبار كل ما يقال، مطلوب الاطلاع عليه، كما لو أن هناك مقابل إرهاب الآخر، إرهاب في قول أو كتابة ما ينسف كل قيمة للذائقة الأدبية، للكلمة التي ترتقي إلى مستوى الحدث المفتوح كارثياً، وكذلك، لأن لا أحد في خانة المساءلة، حول هذا التمادي في اللعب بالمشاعر، كما هو التمويه على الذات الناطقة هنا…
إنني بقدر ما أثمن في الشاعرهنا وهناك، رغبته في أن يكون صاحب صوت، إلا أن الجهر بالصوت، لا يكون تحت طائلة الشعر، وإنما في مكان قصي، طالما أن تعريفاً بها، يكون بالطريقة هذه، عبر تقديمه شاعراً، حيث العاطفة تتبدى الحرفة الأكثر جلاء أبعاد، والأبعد عن قول الشعر، وأن ما تثبَّتَ على أنه شعر، يمكن أن يبكّي من هم منغمسون في مسابقة الصراخ والعويل والنحيب، ومن خلال العود الأبدي، كما يبدو، إلى ذات النقطة الرجراجة، ولكم كنت أتمنى أن يكتب ما يشبه الخاطرة المكثفة، ليكون للمد الكتابي، انعطافة معنى أدبي، أما هنا، فلا أظن أن المدوَّن، على وزن( قريبة مهوى القرط شعرياً)، إنما هو حضور للطلاق البائن كثيراً، كما تقول الفقرات المذكورة، وقد تقصدتُ في إيرادها، لأتمكن من إطلاق قول على قول، وهو كيفية التفكير في مناسبة مروّعة، ونشر كتابة في الصيغة الأدائية المزعومة شعرياً، كما لو أن هناك رغبة في سماع، أو قراءة كل ما يتم تقديمه، وإدراجه في خانة النص الأدبي، أو القول المكين دلالياً، والقول مهدور ذاتياً!!!!
وفي قصيدة عبدالقادرموسى ( الأربعاء المغتاظ وجسر الله الذي ى يعبره شنكال
û pira xwedê ya ku şingal tê re derbasnabe! Çarşema xeyidî ) ، حيث الصورة الشعرية فاردة جناحيها المشهديين، يُستحضرالمشهد الفولكلور بطقوسه المختلفة جغرافياً، ذلك المناخ الكرنفالي الطابع، يكون حضور الحدث المهيب، والطابع المسرحي الذي يشد الجميع إلى مركزه ، لكن ثمة استهلاكاً لروح الفولكلور، بقاء في المركز، في الوقت الذي يتطلب النظر الشعري، توسيع الدائرة الشعرية، كما في هذه المقاطع المقتبسة:
Ji vir Şingalê xuya ye
Ji vir Kewke û Evilezîzê xuya ye
Di rojê de, li vir,
perçên we
dilên we
kezebên we
dibînim
û di şevê de
destên min yên reş
li xwîna we diherbile û xewna min di sorbûnê de digevize
reşgirêbidim
û xwelîya welatekî bêsînor, welatekî sînor ji pûş û qirşikan
welatekî ji şewatan
welatekî pir çivîk
welatekî ezman teng
xwelîya welatekî newelat
li serê kê kim!?
من هنا يلوح شنكال
من هنا يلوح كوكه وعبدالعزيز
في النهار، هنا، أشلاؤكم
قلوبكم
أكبادكم
أبصرها
يداي السوداوان
في دمكم تضطربان وحلمي يرتعش في الاحمرار
وأعفّر رأس من؟
بترب وطن منزوع الحدود، وطن حدوده من قصل وقش
وطن من حرائق
وطن كثير العصافير
وطن ضيّق السماء
تراب وطن لا وطن
إذ بغضّ النظر عن وجود أخطاء تتعلق ببنية الجملة قواعدية، في المفرد والجمع( في المقطعين : الأول والثاني)، يظهر الشاعر مأخوذاً بالتفاصيل( الأشلاء، القلوب، الأكباد، مثلاً)، وفي المقطع الثاني اسهاب في التفاصيل، كما في الإشارة إلى الوطن المعرَّف به شعرياً، حيث الجملة الأولى تقرر المصير الرمزي لبقية الجمل، فما الداعي، وراء السرد المثقِل على الشعر مجدداً؟
وإذا كان الشاعر الكردي، كما هو مرئي، بصورة ما، في كتابته الشعرية، فإن الكتابة النثرية، قد لا تبتعد كثيراً عن الشعر المسطور، في مفاصل كثيرة، تشهد على الحضور الهائل للشعوري، للهاجس النفسي ذي الصلة القوية بالمجرى الانفعالي، وسريان مؤثراته العاطفية الملموسة.
وذلك في بنية الكتابة الموسومة بالمقالية، وفي البداية، ما يكتبه الشاعر والناثر هوشنك بروكا، فهو ينطلق من همَّين متعالقين فيه: الهم الكينوني الإزيدي البارز، والذي يقوى عوده، وينبري محتداً، كلما ضيّق الخناق عليه، والهم الكينوني الكردي المنفتح على تاريخ من الملابسات والتنازعات في الاسم واللقب، والضريبة الباهظة التكاليف لقاء هذا التعريف الهوياتي، ولعل وطأة القهر الآتي باسم الهوية المللية، نافذة في لغته، مثلما أن لغته تفصح عن وطأة تاريخها المؤلِم عليه، وهو يستشعر ذاته بينهما، فيتلمس خلاصاً ما، من خلال منازعة اللغة بذات اللغة، بمقايضة من يُعتبَر ممثلاً لها، موازياً إياه بالآخر، من ( الخارج)، من خارج اللغة( لغته الكردية)، وهذا أقصى حد للألم والتجريح للذات الجمعية العامة، وطعناً في فضائل الهوية المهدّدة له وجوداً، كما يرد هذا التوضيب المحاكماتي، في بنية موضوعه ذي العنوان العنوان الدارج هنا وهناك، في بعض الحالات الخاصة الملتبسة ( شنكالستان: على يديَّ الموت
Şingalistan: Li ser destên mirinê)،إنه ينطلق من الإقامة بين فكَّي كماشة:
Ya rast, Êzîdî li vir( li Hewlêrê) xwelîser bûn, û li wir(li Bexdayê) qurbeser bûn
( الصحيح، هو أن الإزيديين هنا( في هولير)، بلا حول ولا قوة، وهناك ( في بغداد)، هم ضحايا)، تعبيراً واضحاً عن الجور المتساوي بين النسب الكردي المهدّد، والارتباط المميت بالآخرين.
هوشتك يحاول أن ينثر شعره، مثلما أنه يشعرن نثره، من خلال توسيع حدود الصور تركيبيا، رغبة في تنويع الإيحاء، والإبقاء على ذائقة لغوية مختلفة، كما هو الناشد اختلافاً مكانياً
Şingal, mirineke din jî, şêrîn bû.
Paş „xwîna sêşemê“,
çiya, mirineke din jî, bilind bû.
Paş „seferberkirina sêşemê“,
navê Şingalê, mirineke din jî, dubare bû.
Paş „Kurdistana sêşemê“,
destên Şingalê, mirineke din jî, kesk bû.
شنكال، موت آخر أيضاً، حلواً كان.
خلفاً ” دم الثلاثاء”.
جبل، موت آخر أيضاً، عالياً كان.
خلفاً ” تسفير الثلاثاء”،
اسم شنكال، موت آخر أيضاً، تكرَّر.
خلفاً ” كردستان الثلاثاء”،
أيدي شنكال، موت آخر أيضاً، اخضرَّ.
الشاعر لا يمارس تفكيراً ، كما هو التفكير المنطقي تجاه موضوع جار ٍ تقويمه، كما هو الملحوظ، منطلقاً من هول الحدث، إذ يذهب بالحدث إلى أقصاه، قاذفاً بالانتماء العام، إلى أقصى مدى من اللا ا عتبار، محكوماً بسياسة المكان خارجاً، وما يتحكم بالمكان خارج الرغبة المعرّفة بكيانه بالمقابل، على أنه إزيدي، ولهذا، يأتي النيل منه من الجهتين، وبشكل أكثر إيلاماً، حيث مشهد الدم الإزيدي، أكثر من كونه الكردي صفة مقام، يستثير فيه متخيَّله الوجداني: الفردي ككاتب، وهو في وضعه هذا، لا يتلمس منطقاً متوازناً ليعتمده، فلا يبقى سوى تسيير الكم الأكبر من الكلمات التي تمشهِِد فيه التاريخ المللي المهدور مكانة، فلا يعود من إمكانية للمناقشة، في منطق الصورة، وقد تساوى الطرفان، من أهل الدار وخارجها، بقدر ما يتطلب الإجراء قراءة لما وراء الصورة وزلزلة مقام الذات، وتخوفها، ومدى مشروعيته، في ضوء المعاش.
ويمكن لأحدهم أن يمزج بين المعتبَر شعراً، والمعرَّف به ضمناً نثراً، ولكن فاجعة الحدث،لا تستحيل كلمات، يمكن التأسي بها، ولو من باب العزاء النفسي، من باب المجاهدة، والإيعاز للذات، على أن ثمة إمكانية للتفكير في مجال أرحب، أن الكلمة، قد تهدّىء من روع المنكوب أو المفجوع، كما لو أن محاولة فينيكسية( balind ê Sîmir )، أو ( طيري سيمر الذي يعود قوياً، باحتراقه في ناره الخاصة، كلما صار كبيراً ووهنت قواه). إن وعي الكلمات، لا بد أن يتناظر مع وعي الحدث!
وهذا ما يمكن تلمُّسه فيما كتبه صالح كفربري Salihê Kevirbirî، وفي المعتبر نصاً تحت عنوان لافت، مؤلِم بدوره دلالياً ، هو ( عفوك كريفو: BIBORE KIRÎVO!..) حيث البداية حكائية، ليكون السرد التالي كوكتيلاً، لا أظنه قابلاً للشراب ، كما في هذين المقطعين: بداية ونهاية:
Li çayxaneyeke Sûka Sêrtiyan… 5 kurd; 4 misilman, yek êzîdî…
Piştî qetlîama li gundên Şengalê bi çend saetan…
Kûl û derdê giran vedibêjin, tevli îskanên çaya qaçax:
Bibore kirîvo, bibore…
Em doza lêborînê li te dikin, bi hêviya ku tu li me biborî.
Bi şemsa nûranî em sûcdar in kirîvê delal!..
Her wekî di bûyera ‘Mîrzikê Zaza û Derwêş Nebî’ de -ku xwîn laşan bi xwe re dibirin-, em îro jî sûcdar ango tawanbar in…Qetilxwîniya Şengalê, derdekî bêderman li karesata me kurdan zêde kir. Heta niha behsa ‘72 Fermanan’ dihate kirin. Va ye tê gotin ku tiştê qewimiye, ‘Fermana 73-an’ e…
500 gul çilmisîn, ne hêsan e…
Serê me tewiyaye…
***
Li Şengala ‘Lehengên Kurdên Êzdî’ giryan e!
Wekî gelek caran dîsa ‘xwîn tev li rondikên çavan e’,
‘Qam û qidûm şikestin’,
Qîz û bûk diqîrin, ‘bira bira’ lawelaw e…
Bibore kirîvo bibore,
Me îro jî tu neparastî,
Lewre ye ev berjêriya stûyê me!..
( في مقهى في سوق (السّيرتيين).. كان ثمة خمسة كردٌ: أربعة مسلمون، وواحد إزيدي. بعد القتل العام في قرى شنكال، بساعات عدة.. انبعثت منغصات وآلام حرَّى، امتزجت بأقداح الشاي المهرب:
عفوك كريفو، عفوك..
نحن نطلب منك السماح، على أمل أنك ستعفو عنا.
بالشمس النورانية، نحن مذنبون، كريفو الطيب!..
كما في حدث (( مرزكي زازا ودرويش نبي))، حيث كان الدم يجرف الجثث معه، نحن اليوم، أيضاً، مذنبون، أو متَّهمون… إن مذبحة شنكال، داء لا دواء له، أضيف إلى كارثتنا نحن الكرد. حتى الآن، ثمة تذكير باثنين وسبعين فرماناً، وها هو اليوم، فإن الذي جرى، هو ” الفرمان الثالث والسبعون…
ليس سهلاً، ذبول خمسمائة وردة ..
لقد نكست رؤوسنا..
_____
في شنكال، الأبطال ” الإزيديون ” بكوا
كما في حالات كثيرة، مجدداً، اختلطت الدماء بالدموع!
لم يعد في المستطاع التحرك!
البنات والعرائس يصرخن: ويلاه ، أخي ،ويلاه..
عفوك كريفو عفوك،
اليوم أيضاً ، لم نستطع حمايتك
لهذا، تكون أعناقنا محنية !
قبل كل شيء، تكون القيمة الوحيدة، في المكتوب، كامنة، في تحميل الذات الكردية العامة، ومن قبل الذين يمتلكون القدرة على التصرف أكثر، وانطلاقاً من وعي الذات هذه، ذلك الشعورالمطلوب بالمسئولية، كما لو أن الذي حدث فجائعياً، كان يمكن ألا يحدث، لو جرى اهتمام كردي، على مستوى أعلى وأوسع نطاقاً، وهذه حسنة لافتة، من حسنات الكتابة، إنما ليس في الدفع بالمسئولية، إلى الدرجة التي تحصرها في الجانب الكردي المعني.
أما في الجانب الآخر، فهو الطاغي، إنه الجانب الندبي، النواحي، الجانب الذي يفقد الرجل الرجل السيطرة على نفسه كسابقيه، وتتلبسه حالة من الأنثوية المروَّجة تاريخياً( المرأة بكَّائية)، وذلك التفريق المستعاد دون شعور بمسئولية المعنى، أي ( كريفو)، فهذه لا تقال هنا كردياً إطلاقاً، وثمة ما هو أكثر إيلاماً، باعتباره شرخاً في وعي الكاتب بالذات، وذلك حين يصيّر أبطال ( الإزيديين) بكائيين، وكيف أن الدماء تختلط بالدموع، ويجب أن تُذكَر( العيون)، كما لو أن للدموع منبعاً آخر..
وسليم بجوك Selîm Biçûk، يستصرخ ضميراً ما، مثلما يستنسخ صور الذين يتلمسون في التحدي، وفي المزيد، من الضحايا، ودمار البلاد، ليؤكد أن الحياة التي يعنيها ماضية، وهو يخاطب من كانوا سبباً لتلك الفاجعة الكبرى ، وفي موضوع تحت عنوان، يوضح مضمونه مباشرة ( مجدداً، في شنكال، تستباح الإنسانية: Dîsa li Şingalê mirovahî tê kuştin)، كما في قوله، ومنذ البداية:
Bikujin, bişewitînin, bila jiyan li ser piya nemîne, ev cihan tenê ji bo me hov û mirovxweran, xwediyên Xwedayê taristanê ye“.
Dîsa li Şingalê ev banga kevin-nû dubare dibe. Kerî û garanên mirinê, mirovxwer û neviyên tariyê û dijminên jiyanê li ser piyan e, bi zikreşiyeke hovane û dirinde agirê mirina reş li ser, zarok, jin, kal, lawir û her tiştên bi giyan direşînin. Û ji pişt sînoran, li derdorê, ji paytextên şahinşahiyên taristanê çepik û govendên şahiya mirinê li ser cendekê mirovahiyê li dar dikevin.
( اقتلوا، احرقوا، لتُعدَم كل قائمة للحياة، هذه الحياة فقط، من أجلنا الهمج أكَّالو البشر، شيعة إله الظلمة، مجدداً، في شنكال، يتكرر هذا النداء الجديد القديم، قطعان الموت المختلفة، أكالو البشر، وحفدة العتمة، وأعداء الحياة على أهبة الاستعداد. بحقد همجي ووحشي، يرشون النار السوداء، على الأطفال، النساء، المسنين، الشباب، وكل ذي روح. ومن وراء الحدود، من الجوار، في عواصم امبراطوريات العتمة، يصفقون ويديرون حلقات فرح الموت، على جثث الانسانية…).
السؤال: ماذا تنفع هذه القائمة الصاخبة من العبارات المفخخة، في وعيدها وصور ذمها وأوصافها المتكررة،( حيث النار ذاتها تتحول عنده إلى سائل، كما يظهر، وليس أنهم ” يشعلون النار”، ومن باب للعب باللغة في غير محله، سوى في تعمية الذات، كما لو أن الموضوع هو صراع بين همج، هم أعداء الإنسانية، وبمنتهى البساطة، وأناس أبرياء، هم كل الذين يُقتلَون على أيديهم، والتاريخ لا يقول هكذا، بقدر ما أن ثمة منطقاً معقلناً، يمكن النظر في كيفية اعتماده واستثمار آلياته، والكاتب، كان أبعد ما يكون عن موضوع الحدث الجلل، حيث اعتبار الآخر بالسفاح والدموي والحاقد، لا يعني أقصاء له، وإنما هو إقصاء الكاتب، عن الطريقة السوية لمكاشفة ذهنيته الفاعلة هنا، وهذا لم يُتلمَّس عنده، وإنما كان الانفعال المضطرم داخلاً.
ولعل Xanna Omerxalî، وانطلاقاً من شعورها المصدوم كإزيدية، ودون نسيان أنها امرأة مسكونة بقهر أكثر تاريخياً، لعلها، تتلمس فيما جرى، ما يعيد التاريخ العنفي، التاريخ المتعلق بإمال الإبادات الجماعية، أوالنيل الطرفي، الجماعي، من طرف آخر، أو جماعة أخرى، إلى الواجهة، وها هي تنكمش على ذاتها المنكوبة ، وهي تترجم شعورها إزاء المروَّع، لتكون الكتابة جرحاً على جرح، وفي جرح، وفي الآن عينه، بقاء في حمّى الألم المضاعف، لأن المروي، والموصوف، لا يمكّنان القارىء من مكاشفة المنفتح في الرؤية الأدبية للحدث، من القدرة على التفريق بين حدث يُبكي، وحدث، يفجر الطاقة لقول ملهِم، ومبصّر للجاري، وإلا فإن الحداد سيستمر، كما هو المقروء هنا، في ( الصوت المنحوس مجدداً : Dîsa Dengê Nexêrê):
Dîsa dengê nexêrê kete guhê me: Êzdiyên herêma Şingalê yên bêguneh û bêsûc hatine qirkirinê, dîsa xûna êzdiyan hate rêtinê. 14-ê Tebaxê sala 2007-a bû rojeke qetlê û zulmeke giran ser êzdîxanê. Bû rojeke reş. Em, êzdiyên temamiya cîhanê, dilşkestî ne û heznî ne. Agir û alav nav cegera me ketiye: Dilê me dêşe
( مجدداً، تناهى إلى مسامعنا صوت منحوس: لقد تعرض إزيديو منطقة شنكال الأبرياء ودون ذنب، مجدداً سُفِك دم الإزيديين. أصبح 14 آب، من سنة 2007، يوم قتل وظلم كبير على الإزيديين، صار يوماً أسود، نحن، إزيديو العالم قاطبة مغمومون، حزانى، النار والحريق يلبان في أكبادنا: قلوبنا تتلوع….)..
وصاحب مقال ( ماهذه الهمجية EV Çİ HOVÎTÎ YE)، وهو الكاتب ” م . شفيق اونجو” ONCU، أطلق العنان لانفعالاته في تبيان الآخر، متهافتاً أخلاقياً، ليريح أعصابه، دون أن يكلف نفسه، جهد محاولة التأني في التفكير، ومقاربة ما حدث عقلياً، لتحديد ما هو أفضل أو أجدى للتعامل معه، كما في قوله:
Qatilên dev bixwîn weka piştî hemû kiryarên xweyî bi kirêj tekbîr tînin, di videoyê de jî xwendina quranê wek fon bikar tînin.
Di 14-ê Tebaxê de ewrek reş ser Şingalê girt, ji 500 zêdetir kurd, kurdên êzidî bi hovîtî hatin kuştin, xênî hatin şewitandin, bi sedan mêr bêyî derfeta parastina zêc û zarokên xwe bibînin, bi bêbextî hatin kuştin, bi sedan jin bûn bî, bi sedan zarok firîyan ezmanan ewqas jî sêwî man.
( القتلة المفترسون، كما هي الحال إثر عملائهم القذرين، يكبرون في الفيديو أيضاً، يرتلون القرآن مجوَّداً.
في 14 آب، سحابة سوداء غطت شنكال، قتل أكثر من خمسمائة من الكرد، الكرد الإزيديين، بوحشية، أُحرقت البيوت، بالمثات، دون أن يُعطَوا فرصة حماية عائلاتهم وأطفالهم، قتلوا غيلة، بالمثات استحالت النساء أرامل، بالمئات صعدت أرواحهم إلى السماء، هكذا أيضاً ظلوا يتامى ).
أورد النص الأصلي، وأحاول وضع المقابل، فقط، وكما نوَّهت، كثيراً للمقارنة، لأن ثمة استخفافاً بالحدث، ولو عن سماجة تفكير، لأن المعدود هنا، يتجاوز الآلاف، والمحسوب، خمسمائة ونيّف، والأكثر من ذلك، لأن ما رؤي مصوراً ومتلفزاً، يبز كل مكتوب هنا، أو في أي مكان آخر، فلمَ هذا الاستحماء، وحتى تفسير بما دون الماء بالماء؟ والكتابة هي رؤية ما وراء المنظور الحسي ، وإلآ فنحن نكون إزاء، ما سماه ستيفن إليوت ، بـ( ثقافة تسويق الذات) في أسوأ تجلياتها ..
وفي المقام ذاته، يكون سياق كاتب آخر، هو AmerÇelik، حيث يزيد السخونة سخونة، في موضوعه الشنكالي المنكوب بذاته، وبالمتحدث عنه ( شهداء مساء الأربعاء: شنكال : ” Şingal ” Şehîdên êvara Çarşembê )، ولا أظن أن الموضوع بحاجة إلى المزيد من التعيلق، كما في قوله:
Warê gernas û mêrxasan di şewit e!…
Erda pîroz, warê Kûtî, cihê şeref û namûsa kurdiyatiyê dişewit e!…
Evîn. pakî, dilsozî, dilovanî û dilkovanî, dişewite!…
) موطن الشجعان والبواسل، يحترق !
الأرض المقدسة، موطن الكوتي، يحترق موضع الشرف والكرامة الكردايتية !..
الحب، الطيب، صدق الوعد، الرحمة، والقلب المتلوع ، يحترق !….الخ )
وبالتناظر معه، ما يقوله Gabar Çiyan، وفي مقاله المفترض ( الارهاب والوحشية في شنكال: ليس الإزيديون وحدهم، نحن بدورنا إزيديون : Terorîzm û hovîtiya li Şingalê: Êzîdî ne bi tenê ne û EM JÎ ÊZÎDÎ NE!)، ولا كلام على كلام كهذا، من باب المكاشفة الفكرية المطلوبة :
Wahşeta ku li Şingalê hatiye kirin çi ol, çand û wijdan nikare qebûl bike. Em vê êrîşa hovane protesto dikin. Ji xwîşk û birayên xwe yên Êzîdî serî saxiyê dixwazin. Yezdanê Heq sebrê bide malbatên bi kûl û keder.
( الوحشية التي مورست في شنكال، لا يمكن أن يقبلها لا دين، ولا ثقافة ولا وجدان، نحن نستنكر هذا الهجوم الوحشي، نتمنى دوام الحياة لأخواتنا وأخوتنا من الإزيديين، وليلهم الله الصبر للعائلات المفجوعة والمنكوبة) .
وماذا قبل كل شيء، وليس بعد؟ لم هذا السؤال – التساؤل أولاً ؟
لأن الكتابة لا تدخل في سلك الكتابة التي تكون في المستوى الذي يمكّنها من البقاء، كما أنها في محاولتها التعريف باسمها، أو باسم صاحبها، تتطلب الكثير من استيفاء الشروط التي تشفع لها، لكي تندرج في مضمار الممكنة القراءة، وما يمكن أن يُتردَّد بشأنها : تعليقاً، أو تحاوراً.
أما بصدد المعني، فثمة جهل بالحد الأدنى من الموضوع، من الآخر الذي يجري الحديث، أو الكتابة عنه، وهو العدو، مهما كان انتماؤه، أو جنسيته، وما جرى تحديداً، من ناحية التوصيف الذي لا صلة له بالجانب التاريخي، كما لو أن الأخلاق، على سبيل المثال، كانت منفصلة، في يوم ما عما هو تاريخي، إذ لاأخلاق مجردة إطلاقاً، وإلا لما رأينا كل هذا الامتداد والمداد الدمويين، هذا القتل والعسف والعنف والتنكيل بالآخرين، واعتبار ذلك ميموناً، وفي خانة الجهاديات الإلهية الكبرى، كما هو المدرَك في حده الأكثر بساطة فيما هو ديني أو اجتماعي، أو ثقافي، أوتاريخي، أو سياسي، هنا وهناك، وفي أوساطنا المتعددة الولاءات والانتماءات، والكاتب، هو أو غيره، يتجاهل هذا الحد الأدنى من ضرورة الإلمام بما يعنيه الآخر، ومن يكون الآخر، وفي التعرض لموضوعات لها دلالتها الكبرى، كالذي نحن إزاءه.
وفي الكتابة، ولمن يريد إيصال معلومة، قابلة للاستفادة منها، أو اعتبارها معلومة تاريخية، أن يميز دائماً بين ما هو صالح لاستنفار الآخرين، وتحويلهم إلى قطيع بشري منذور للذبح القرباني، ما يكون سياسياً، موعّياً ومنوراً للآخرين، وما هو دونه، لتعمية من يُراد لهم التنبه لمخاطر ما يجري، ليلزمهم نتيجةً، بالإمساك برأس عصاه( هراوته) قطيعياً، ومن يريد الكتابة تزجية للوقت، لتوريط نفسه، وسواه، في تكوين علاقات أو غيرها، تزيد طينه اليومي بلة، أو يزيدها لتأكيد ذات، لا أظنه بفالح أبداً، لو تم التفكر في المستقبل، كما في هذا الحدث الجلل الذي يستوجب الوعي المحيطي، والذات المنفتحة، والرؤية الأعمق ..الخ، وهذه تأكيدات تكررت سالفاً.
وقبل أن أنهي هذا الفصل/ القسم، لا أدري، ما الذي دفع بي، إلى التذكير بالأعمى العظيم والمبصر، الأرجنتيني بورخيس 1899-1986، وفي مقال له، يورد فيه، مثالاً له صلة بالشعر الشعر، يتعلق بدوره، بما ورد في قصيدة هندوسية، لم يكن متأكداً منها، تشير القصيدة تلك، إلى أن ( جبال هيمالايا)، هي ( ابنسامة شيفا)، ابتسامة ( إله الرعب)، ليعلق تالياً، بأنها ( استعارة مفزعة)، كما جاء ذلك في كتابه ( سبع ليال، الترجمة العربية، ص 122).
ولعلي مشاطرٌ الأعمى العظيم مجدداً والمبصر، فيما علَّق عليه، وأظنه ترك التأويل للقارىء، وهو معجب، كما أرى، بذلك التشبيه الاستعاري، إذ بالنسبة لي، تكون العلاقة بين الإله في مكانته الأولمبية العالية طبعاً، والجبل الشامخ الأول علواً في العالم، علاقة في منتهى التناسب، فالإله في أعاليه، وسمو مقداره، من الطبيعي أن يكون الجبل رمزاً من رموزه الحية والمرئية، لأن الجبل ذاك، مروّع، والروعة تتضمن المدهش إجلالاً، والمخيف تقديراً، وما الحدث المروّع إلا النظير النوعي لذاك الجبل، بصورة ما، وأعني بذلك تماماً تماماً، أن من المفترض أن تأتي الكتابة، بصدد أي حدث جلل هيمالائي الطابع، لتظل ملامسةً ما هو أبعد من سقف التاريخ!
———–