دور جديد

بقلم محمد علي علي

في الموعد المحدد انطفأت الأنوار في الصالة ، وأنارت إضاءة حمراء خشبة المسرح، إيذانا ببدء المشهد ألأول من العرض المسرحي. الصالة غاصة بالجمهور، في الصف الأول جلس أصحاب البزات وربطات العنق، إنهم صف “النخبة” أما في الصفوف الأخرى فقد جلس فيها جمهورا هائجا، لم يهدأ حتى بعد نهاية العرض.
 وما إن ظهر الممثلون على الخشبة حتى تعالت موجة من التصفيق والتصفير في أرجاء الصالة.

وساد الصمت والهدوء للحظات… ومر المشهد الأول بسلام، عندما بدأ المشهد الثاني وقعت الأزمة… . فقد تأزم الموقف في الصالة، ووصلت إلى قمة الإثارة والتشويق، فقد تعقدت العلاقة ما بين المنصة والصالة، اصطدم الممثلون بأهواء الجمهور، و لم يتدخل القدر لإنقاذ الموقف !
تعالت الضحكات والقهقهات في الصالة، وعم الصخب والفوضى في كل ركن وزاوية، ساد الهرج والمرج بين الجمهور، بدا يصفق تصفيقا هستيريا بشكل ساخر ومتواصل لكل شاردة وواردة، لكل حركة يقوم بها الممثلون، ولكل كلمة يتفوهون بها. كانوا يصّفرون كالريح الهوجاء، يسبون كالثملة في حانة ليلية. أمام هذه الأحداث المتسارعة، لم يستطع الممثلون متابعة مشاهد العرض، بل وقفوا مشدوهين، يتابعون بصمت مجريات المشهد المرتجل الذي لم يكن في الحسبان، كما انضم إليهم المخرج، المؤلف، وكذلك جميع الفنيين، جلسوا القرفصاء على الخشبة يتابعون “الفرجة”.
– ما هذه السخافات !؟
– أجئنا إلى هنا لنضحك أم لنبكي ؟!
– أعطونا ثمن بطاقاتنا كي نخرج !!
بقي المخرج والمؤلف يسمعان ويصغيان لحوارات الجمهور بانتباه وتأمل شديدين، لقد تفاعلوا مع الحدث، وتأثروا به، لدرجة إنهم وقفوا جميعا يصفقون للجمهور على أداءه الجميل، وفجأة صرخ المخرج فرحا:
– عظيم، رائع ! انه التطهير ! إنهم يتطهرون يا سوفوكليس !
 أما المممثلين، فقد اغرورقت عيونهم بالدموع، تأثرا بالمشهد الدرامي، لا بل إنهم نزلوا إلى الصالة بين الجمهور، بشكل تلقائي وعفوي، صاروا يبحثون عن ادوار جديدة لهم، ولكنهم لم يجدوا سوى لعب دور “الكومبارس” الذي لا يجيد سوى لغة الصمت والتصفيق !
 بعد أن فرغت الصالة من الجمهور، من المممثلين والفنيين، عم الظلام الدامس المكان، تأملت الكراسي الفارغة الخشبة، ثم صرخت في وجهها بالقول:
 – لن نلعب هذا الدور الرتيب بعد اليوم، نريد أدوارا رئيسية وجديدة ! لقد سئمنا من هذه الأدوار الثانوية الرتيبة: “جلوس، فصمت ثم تصفيق، جلوس فصمت ، ثم تصفيق” !
وهنا بقيت الخشبة صامتة لا تعرف بما تجيب ! وظلت صامتة حتى أسدل الستار, في انتظار عرض جديد …!

aramcosigal@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…