العيدُ.. هل يبهت بريقُه..؟!

هيثم حسين

يتساءل الكثيرون منّا في سرّهم أحياناً، وأحياناً، جهاراً، ممّن حولهم، سؤالاً أقرب ما يكون إلى الشكوى، لماذا يبهت بريق العيد في أنفسنا كلّما تقدّمت بنا السنون..؟!

لا شكّ أنّ العيد يبقى محتفظاً، كما كان، بحلّته المحبّبة إلى القلوب، وبقمره المنشِّط لدورة الأيّام، من خلال التواصُل والتوادُد، لكنّ مَن يطاله التغيّر، بفعل الزمن، هو نحن، لأنّ أيّ واحدٍ منا إذا ما رجع إلى نفسه، سيجد كم من الليالي كان يحلم فيها بصبيحة العيد، كان كلّ طفل يباهي أصدقاءه ومجايليه بما اشتُري له، وبما حضّره للعيد الذي كان لائقاً باسمه، ويمتدّ أكثر من الأيّام المخصّصة رسميّاً له، لأنّ الفرحة كانت تلقي بظلالها على الجميع. كما كنّا نظنّ حينها.
كان كلّ طفلٍ يطوي الكيس الذي سيجمع فيه سكاكره، ويضعه تحت مخدّته، ليفيق في الفجر، تُرجفه نسمة باردة، يشدّه النعاس ودفء الفراش إلى أن يتمّم نومه، لكنّه يبحث تحت المخدّة عن كيسه الذي سيكون قد استوى كأنّه قد كيّ، كما كانت الثياب الجديدة المكتواة تنتظر أن نبادر إلى تدشينها وقطع شريط السعر أو “الماركة”، لنعلن أنّنا مقبلون على يومٍ هو من أسعد أيّامنا، يومٍ ننتظره بفارغ الصبر طيلة العام، حتّى تكتمل الدورة، لنحتفظ بالذكريات الجميلة عنه، وكانت أجملها على الإطلاق تلك التي كنّا ننعتق فيها من كثير من القيود التي كانت تُفرَض علينا في الأيّام العادية، نتهرّب من مراقبة الأهل المفروضة علينا، لانشغالهم مع الضيوف، استقبالاً وتوديعاً، أو زيارة، كنّا “نجخّ” في المصروف لأنّ العيديّة كانت صرفاً لنا، وكنّا نسعد كلّ السعادة للفرحة التي كانت تغمر الجميع من حولنا.. وأيضاً، كما كنّا نظنّ حينها.  
تكبيرات ليلة العيد لها وقع لا يمحَى ولا يبدَّل في القلوب، يرافقها دويّ المدفعيّة يعلن أنْ غداً العيد، فكان يذكّر بما لن ينسى قطّ، أمّا طقوس صبيحة العيد، ما تزال مُتّبعة، منها، تعييد الوالدين، بتقبيل أياديهما، استسماحهما، إن كان هنالك ما قد كدّر صفو العلاقة أمر ما، ثمّ التعريج على الأقارب والجيران، وتهنئتهم بقدوم العيد، ثمّ الاجتماع على الغداء؛ الذي لاشكّ يكون متميّزاً كتميّز العيد نفسه، كيومٍ مُنتظَرٍ ومُحتفَىً به، مع الأهل الذين يهنّئون بعضهم بعضاً، ويتحلّقون حول حلاوة الكلمة وعذوبة البسمة، وإذا ما تصادف وجود إشكال ما دون حلّ، يتعاون الجميع على حلّه، بغية تنقية الأجواء، لتصبح الفرحة اثنتين. كما نظنّ..

نعم. كنّا فيما مضى فرحين بقدوم العيد، سعداء بأيّامه ولياليه، وكان لنا ما يبرّر فرحتنا.. والآن، وهنا، نرانا، نتمنّى في سرّنا، مُرغَمين أحياناً، دون أن يجهر أحدنا للآخر، أن يتأخّر العيد قليلاً أو كثيراً، ولنا ما يبرّر تخوّفنا أو تملّصنا غير المُعلَن، لأنّه يحتاج منّا أن نقوم بواجبه على الوجه الذي يليق به، وبانتظارنا له، إذ أنّ قسماً كبيراً لا يستطيع إيفاءَه حقّه، أو تلبية ما يُوجِبه، فندرك حينها تماماً أنّنا مَنْ انقلبنا على وعدنا له وفرحتنا به، حيث اضطُررنا إلى ذلك، وأُبهت فينا ذاك البريق. لكنّ العيد يبقى عيداً. يبقى لكلٍّ منّا عيدُه.. لنقول ونكرّر لازمة، لكنّها تصدر بإيقاع مختلف عن كلّ واحدٍ منّا: عيد بأيّ حال عدتَ يا عيد..؟! والعيد لا يخالف الظنّ، لكنّنا مدفوعون لنظنّ الظنون، ونبحث عمّن يعكّر فرحتنا بالعيد.. لنعيد للعيد معناه وبريقه..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…

سندس النجار

على مفارق السنين
التقينا ،
فازهرت المدائن
واستيقظ الخزامى
من غفوته العميقة
في دفق الشرايين ..
حين دخلنا جنائن البيلسان
ولمست اياديه يدي
غنى الحب على الافنان
باركتنا الفراشات
ورقصت العصافير
صادحة على غصون البان ..
غطتنا داليات العنب
فاحرقنا الليل بدفئ الحنين
ومن ندى الوجد
ملأنا جِرار الروح
نبيذا معتقا
ومن البرزخ
كوثرا وبريقا ..
واخيرا ..
افاقتنا مناقير حلم
ينزف دمعا ودما
كشمس الغروب …

خلات عمر

لم تكن البداية استثناءً،,, بل كانت كغيرها من حكايات القرى: رجل متعلّم، خريج شريعة، يكسو مظهره الوقار، ويلقى احترام الناس لأنه “إمام مسجد”. اختار أن يتزوّج فتاة لم تكمل الإعدادية من عمرها الدراسي، طفلة بيضاء شقراء، لا تعرف من الدنيا سوى براءة السنوات الأولى. كانت في عمر الورد حين حملت على كتفيها…

عصمت شاهين دوسكي

* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.

الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى،…