كينه أم kine em

فتح الله حسيني

كينه أم، أي مَنْ نَحّنُ، باللغة العربية الفصحى، أغنية رددها المطرب الكردي المعروف شفان برور، ولكن ما ذكرني بهذه الأغنية، عندما قال لي أحد أصدقائنا السورانيين، من كردنا الجنوبيين ههنا، ماذا تعني جملة كينه أم؟ ولكني لم أرد على صديقي السوراني، بل استرجعت ذاكرتي مع هذه الأغنية التي كتب كلماتها الشاعر الكردي جكرخوين، ثم ليحورها صديقي المطرب حمي أبو زيدو.

أبو زيدو أحد المطربين الشعبيين، وهو صديق، فقبل قرابة أربع سنين، صدر له كاسيت تحت نفس المسمى “كينه أم” وبدل أن يقول “حمي” نحن أسود وقلاع ونحطم العدو ومتاريسه، قال نحن بسكويت وبسكليت، والكثيرون أنزعجوا – آنذاك – منه، ولكني فرحت له، فرحت لأنه قالها من باب المعاناة الانسانية للكرد، وليس من باب الإساءة، فقلت له أنك أبدعت في مسعاكَ.
عند صدور كاسيته ذاك، كنت أنا ولقمان ديركي، الذين ننحدر من مدينة الدرباسية مسقط رأسينا اليابسين، كنا في ضيافة صديقنا الشاعر طه خليل في مدينة القامشلي ، وبعد سهرات صاخبة، ذهبنا ثلاثتنا نبحث عن شئ يصبر قلقنا، فاقترح لقمان أن نتواعد مع حمي لنلتقي به، ونتحدث عن أغنيته الجديدة، شاءت الأقدار أن نذهب من القامشلي الى الحسكة لنلتقي بمطربنا حمه، وحمه من أهالي  رأس العين، ولكن كان ملتقانا في الحسكة، حيث كنا ضيوفاً لدى جماعة من الممثلين الشعبيين على غرار أبو طيار.
ركبنا السرفيس الخصوصي في الساعة الثامنة مساءاً على حساب طه خليل، مضيفنا، إذ لا يوجد سرفيس عمومي في القامشلي بعد الساعة السابعة، ثم أتانا أبو طيار الجديد، في مفرق الصالحية، وأخذنا الى بيت ضخم، فخم، جلسنا، وبعد نصف ساعة، أتانا صديقنا  أبو زيدو، كان لقمان – كعادته- كثير الضحك، وأنا كثير المجاملة ، وطه كعادته عندما لا يعجبه شئ ، يتأمل الحياة.
 وضع حمه أبو زيد كاسيته على آلة التسجيل، وبدأنا نستمع، على أغنية كينه أم ، نقهقه وحمي يغني، وبدل أن يخرج الكرد من الأغنية جبابرة ومحطمي الأساطير وأبطال لايقهرهم الله،  طلعوا لاشئ . لم أتحمل المشهد الضاج والصخب المرافق للأغنية ولأصواتنا، كما لم يحتمله طه خليل، خرجنا، وتركنا الجمل بما حمل للقمان، الذي كان أهالي حي الصالحية في الحسكة كلهم آتون لكي يتفرجوا على شعره الطويل، وضحكاته التي تقاس على مقياس ريختر، والكل يؤشر عليه، ويهمسون هذا هو الممثل العظيم الذي مثل الى جانب البطل الوطني (نصار) بسام كوسا في مسلسل سوري، لم أعد أتذكر اسمه، والله لا يستطيع أن يذكرني بذاك المسلسل، ولكن لم ينظر أحد الى لقمان على انه شاعر وكاتب وسينارسيت.
المهم ظل السؤال الأهم في أغنية “كينه أم” حيث شفان قال فيها ، نحن أبطال، ولا نقهر، وحمي قال فيها، نحن بسكويت وبسكليت، فيا ترى ماذا نحن؟ هل نقولها؟ أم نترك ما يقوله عنا الآخرين، الآخرين سيكذبوا حتماً، ولكن نحن لا نحب الا الصدق.
فمن هم الكرد إذاً؟

الكرد بالنهاية مناضلين جميلين، وفيهم بعض المتخاذلين القبيحين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…