أيها الكتبة

عمر كوجري
 
 بمقدور المرء القول: إن الكتابة في أحيان كثيرة تبتذل كمفهوم وكمنحى إلى أبعد مانتصور بحيث تصبح مهنة من لا مهنة له أو «كار الفاشلين» رغم أنها في الطابع العام ليست مدعاة للإغراء والكسب الكريم كما في غير بقاع الدنيا.

   ومما يؤسف أن الطارئين والدخيلين في هذا الميدان الصعب كثر إلى حد يتعذر علينا معرفة الكاتب الجاد الذي يثابر على الدوام، ويجتهد لتطوير ملكاته الثقافية والإبداعية عبر تواصل خلاق مع كل ماهو جديد، وبين الكاتب الذي سال لعابه من الشهرة المذعومة، وقد يشتغل دهاناً أو بائع موبيليا أوحلاقاً.. وبين وقت انتظار الزبون يكتب مقالة أو قراءة في كتاب متسماً بالفجوات والأماكن الرخوة المعتمة التي لم يسعفه قلمه لإضاءتها وإعادة إنتاجها من جديد.
والأقسى من ذلك مفعماً بالأخطاء الإملائية والنحوية، وقد يترفع – لابل بالتأكيد – ذلك التحرير يترفع حتى عن إعطاء مساهمته « العظيمة» لصديق يمكنه تقويم اعوجاج النص، ويظهر عثراته ومثالبه قبل أن يأخذ طريقه إلى النشر في صحافة هي في الغالب رسمية أو ترعاه أمنا الدولة التي تأخذ من قوت الشعب مايمكن أن يغطي خسائر هذه الصحافة ومرتجعاتها الكثيرة بالطبع، ولا يخفى على ذي بصيرة أن الكثير من القائمين على الصحافة الرسمية لديهم فريق خاص بهم، وأسماء خاصة تتكرر على مدار الأيام والأسابيع حيث تربطهم مع بعض هؤلاء السذج والمنافقين علاقات صداقة وطيدة عبر اللحومات والمازوات الشرقية والغربية في مطاعم النجوم المتلألئة في العاصمة في حين أن أسماء كثيرة تغرد خارج السرب، وخارج التصفيق المجاني.. أسماء مهمة لها صولاتها وجولاتها خارج البلاد، وتستضاف على الفضائيات وتشارك في مؤتمرات دولية هامة.

   هذه الأسماء وبسياسة مدروسة ومتقنة تستقصى من المشهد الثقافي، وتهمش، وتحجر في زاوية ضيقة، وإذا قوبلت ببعض الترحيب غير المجاني يضغط على ذلك الكاتب الأصيل لكتابة نصوص على مقاس «سرير بروكوست» بحيث تنتفي نكهة الجمالية التي ارتآها، واشتغل عليها صاحبها، وتصبح مثل فاكهة بلاسيكية اعتلاها غبار كثيف.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

لَيْسَ الاستبدادُ حادثةً عابرةً في تاريخِ البَشَرِ ، بَلْ بُنْيَة مُعَقَّدَة تَتكرَّر بأقنعةٍ مُختلفة ، وَتُغَيِّر لُغَتَهَا دُونَ أنْ تُغيِّر جَوْهَرَها . إنَّه مَرَضُ السُّلطةِ حِينَ تنفصلُ عَن الإنسانِ ، وَحِينَ يَتحوَّل الحُكْمُ مِنْ وَظيفةٍ لِخِدمةِ المُجتمعِ إلى آلَةٍ لإخضاعه .

بَيْنَ عبد الرَّحمن الكواكبي (…