كم أنت جميل يا الله

  نص / فتح الله حسيني

منذ شهرين وأنا منغمس في تدوين كلمات لا طائل من وراءها ، أكتب للريح ، أكتب للنار ، وأتلظى بشراراتها ، منذ شهرين وأنا أعقد قران الله على كتاباتي ، وأعقد قران كتاباتي على عقود الحلم الكردي ، وعلى عذراوات الله ، فرادى فرادى ، وجمهرات جمهرات ، لأكون من الخاسرين في معارك الحزن ، وأخرج محارباً من تكية الشيوخ المسنين .
منذ أكثر من  شهرين وأنا اتصفح وجوه أصدقائي الكترونياً ، هناك ، البعيدين ، عن تعب الله وهو في قيافاته ، وعلى عرش المجون ، يهددنا بالجنون ..
منذ شهرين لم أكتب ما يريحني هذا القلق في روحي التائهة  ، تركت خلفي كل ألوان الرماد ، وتركت لوحات الباذخين تحترق في زقاق الجن ، لأقرأ سيرة مالفا مجدداً ، ولأكون من المتأملين في شؤون الله التي لاتنتهي الا بموتنا .
منذ شهرين وأنا اقرأ أسى الأصدقاء هناك ، بين مدن الهواء ومدن الفساد ، ومدن المعلبات ، ومدن الساردين ، والبحار التي تبخل عليهم وعلينا بنسمة من هندرين ، ويا لهذا الهندرين وقصر شيرين ، وعتبات بلاد الله الواسعة كجروح الأصدقاء .
منذ شهرين وأنا أرتب الألفة ، لتنهرني الخديعة ، ومنذ شهرين أفنى ، وأُعاد الى جثتي رافعاً يدي الى فنائي  لا الى السماء لأقول : كم  مضى من الوقت ، لم أكتب فيه  جروحي وجروح الجميليين كالانتحار .
منذ شهرين و حكاية  تتوالى على مسامعنا ، ضرباً من الألم المزمن ، لصديق هناك .
منذ شهرين مات الرب وكانت بداية الكلام بلا رتوش ومخابرات ، وقناني البيرة ، وكراتين الويسكي المهرب والمستورد من بلاد المشانق .
منذ شهرين أسمع صوتاً من الحزاني الغارقين في هموم الكرد في لا أبجدية الكرد ، لم أسمع صدى لكلام محمد عفيف الحسيني ، جان دوست ، ابراهيم ابراهيم ، طه خليل ، لقمان ديركي ، شلال كدو ، ابراهيم اليوسف ، حليم يوسف ، لقمان محمود ، روبين قاسم ، جانا سيدا ، آخين ولات ، نهاد كلي ، نديم آدو ، دلدار فلمز ، محمد بيجو ، ابراهيم حسو ، رزو خرزي ، بير رستم ، كزال خدر ، لطيف هلمت ، مصطفى أ وسي وياسين حسين ، وسليلو الحزن الأبدي في عوالم مجهولة هناكككككككك .
منذ شهرين أرتب بقايا الاصدقاء لأرسل لهم أحزانهم في بريد تقليدي بعيداً عن الالكترون وربّ الازرار القميئة ، ولم أفلح في ترديد الصوت ، ليكون صدى السماء في تغافلها .
منذ شهرين وأنا أتصفح وجهي فأرى فيه تعبهم وتعبي ، بعد أن صرّنا قوافل المهاجرين الى حدود الحجل والخجل الكرديين .
منذ شهرين لم أنم الا ليومين ، أكتب بالزر على الشاشات .
منذ شهرين نمت لشهرين ولم أستيقظ الا ليومين ، لأكسر الشاشات .
يا الله كم أنت جميل .
وقاسي

مثلي .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…