قصة حصان صلاح الدين وتمثاله في دمشق

 سيامند إبراهيم
 
للسائح الذي يسوح في دمشق الفيحاء, ويتجول في مواقعها الأثرية المختلفة, ويتمتع بجمال المدينة وأسواقها الرائعة, ولابد له إلا أن يعرج  على قبر صلاح الدين الأيوبي المجاور للمسجد الأموي, ثم يخرج من سوق الحميدية باتجاه قلعة دمشق التي رممت منذ سنوات عدة بعد أن كانت سجناً قبل أن ينقل السجن إلى سجن دمشق المركزي والمعروف شعبياً بسجن (عدرا) 
وبالعودة إلى سجن القلعة فقد زرنا المرحوم المناضل أوصمان صبري أنا وابنه (هفال) في السبعينيات من القرن الماضي, وفي هذا السجن قضى المناضل أوصمان صبري سنوات عدة من عمره, وقد رأينا صورة له يرصد فيه مواقف من حياته وموقفه من القضية الكوردية, ويذكر فيها عدم خنوعه واستسلامه لأية ضغوطات تواجهه فيقول:
لن أخضع للظلم و القهر
ويجب أن أذهب مرفوع الرأس إلى قبري
وحين أرتحل مرفوع الرأس إلى قبري
عندئذً أستحق أن أكون ابن كوردستان
وفي هذه القلعة كانت قد خصصت إحدى القاعات الشمالية إلى مخبز السجن, وقد روى لي بعض المهتمين بالتاريخ والعارفين بأسرار القلعة بأن غرفة نوم للبطل صلاح الدين الأيوبي قد حولت إلى  ذاك المخبز, وللمراجع لسيرة صلاح الدين يرى أن صلاح الدين أُخرج جثمانه من القلعة باتجاه مثواه الأخير.

ومن التاريخ العطر للقائد صلاح الدين نتذكر الجنرال غورو الذي ترجل من حصانه ووقف أمام قبره وهو يقول عبارته المشهورة (قم يا صلاح الدين ها قد عدنا ثانية) وهذه ضعف في الموقف التاريخي والأخلاقي بحق قائد عادل حتى مع خصومه؟!
ولا نعرف السبب في عدم زيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني أثناء زيارته إلى دمشق وزار المسجد الأموي ولم يعرج على قبر صلاح الدين ويزور هذا القائد المقدام الشجاع, مع أنه ذهب إلى اليونان وأعتذر من الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية؟ وللعلم إن الحكومة البريطانية صنعت عربة مدرعة سنة 1966 م وسمت هذه العربة باسم (Saladin ).
وفي التراث الإنساني الكثير من القصص الرائعة والعجيبة, وأنتم تعرفون قصة حصان طروادة, والحصار الذي جرى في إسبارطة وكيف أختبئ الجنود في جوف الحصان, ثم فتحوا المدينة. وفي التراث الكوردي ويقول الكورد عن الحصان الجامح Hespê sile)) خاصة ثمة العديد من الأغاني للفارس ( (Siwaro الذي يطير بحصانه في السهول والجبال وهو يحارب الغزاة, ويروي التاريخ بأن (رستم زال) قد وقع من على حصانه ولم يستطع النهوض فهاجم العرب وقتلوه وكذلك مؤسس الدولة الدوستكية, وقد كان للقائد الكوردي أبو مسلم الخراساني والذي قضى على الدولة الأموية, وسلم الحكم للعباسيين الذي نكلوا به بغدر وخسة من قبل أبو جعفر المنصور, أنه كان يقتل حصان زوجته لكي لا يستخدمه أياً كان؟ وأعود إلى تمثال القائد صلاح الدين الذي عمل فيه الفنان السوري عبد الله السيد, بعد إجراء مسابقة قدم فيها العشرات من التصاميم المختلفة للتصاميم وقد روى لي أستاذي في مادة الرسم صلاح زلفو بأنه صمم أنموذجاً أجمل من الكل وهو عبارة عن قلعة أيوبية وفوق القلعة يشمخ صلاح الدين ووجه نحو الغرب ويصهل حصانه في حركة جموح رائعة لكن اللجنة لم تأخذ بتصميمه وقد رأيت هذا التصميم في منزله, وقال الأستاذ صلاح زلفو يبدو أن اللجنة لا تريد أن يكون صاحب التصميم كوردياً, فاختارت تصميم اللجنة للأستاذ (عبد الله السيد) وهو فنان قدير, وفي كل زيارتي لهذا التصميم العجيب للقائد صلاح الدين استرعى انتباهي شيء غريب عجيب قد لم يخطر للكثيرين من الآلاف الذين زاروا موقع  التصميم, فالقائد صلاح الدين يشمخ على الحصان وفي يده سيفه ويعتمر خوذته الحربية لكن الشيء الغير منطقي أن ترى أحد ملوك إنكلترا أو فرنسا تحت مؤخرة الحصان, نعم هذا هو المشهد بحذافيره. ولا ندري لماذا أخذ هذا الفنان القدير صانع التمثال بهذا المنحى؟
أيا ترى هل هذه الحركة الفنية جاءت مقصودة منه أم جاءت عفوية, وللعلم أن في الفن لا يوجد شيء أسمه العفوية أو العبثية, بل الفن هو وجدان وصدق إبداع وتألق, وفي أعلى درجاته العبقرية.
————————
*رئيس تحرير مجلة آسو الثقافية الكوردية في سورية
عضو نقابة الصحافيين في كوردستان العراق
عضو حركة الشعراء العالمي
mazidax@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…