مواطن محترم في بلد محترم

    روبين قاسم

قال لي : اضبط شغلك وتريث يمكن ان يجمعنا القدر ثانية ، وإذا احتجنا اليك سوف نتصل بك هاتفياً، وسوف نخدم الشباب الطموح ونحرره من براثن البطالة وسنسخر له كل طاقاتنا المادية والمعنوية، لكي لا يصاب بالشلل الذهني والخمول النفسي، وسوف نلملمكم من الزوايا والساحات الهاربة من خريطة الحياة ، لأنكم قوتنا ومستقبلنا و مفخرتنا، وبكل تأكيد أنكم لا تفكرون بالهجرة لأن حياتكم هنيئة ومسلية ومفيدة أكثر من الأوروبي وشجرته العائلية والأحياء منهم والأموات “.
و ببنت شفة تسائلت في قرارة نفسي ، سراً دون أن يلاحظ تمتمات شفاهي ” الحمد لله والشكر الشغل معدوم والأسعار تناطح السحاب في تعاليها والرزق على الله، والأبنية الزجاجية في عمار تلمع في الهواءات المليئة بالتلوث البيئي والخلقي والزمني  .
ثم أكمل هو حديثه النوراني ، بطريقته الفظة ” دولنا الشرقية لا حرب فيها ولا إرهاب ولا قمع ولا تنكيل ولاقتل ولاتعذيب، فلا داعي للقلق ما دمتم تحت رحمتنا فأنتم في أيادي أمينة “..
أيضاً في قراراة نفسي العميقة والعقيمة قلت لذاتي ” بنيتم لنا منتجعات من الجوع ، وأرصفة للتشرد ، وأروقة للتسكع وطرقات تأكل من أحذيتنا البالية..
فقال لي علانية للمرة العاشرة ” نحن نفكر عنكم ونخطط عنكم ونترك لكم التنفيذ ، قوانين الطوارئ تسهر على راحتكم ، وأزلامنا يحافظون عليكم من زلات اللسان ، وتعثر الخطوات والأفكار المحظورة ، وسجوننا والحمد لله أكثر اتساعاً من الكون وفي تطور وبناء وإزدهار ، ترحب بكم على الرحب والسعة، فلما تحملون أصرتكم المليئة بعرق خوفكم الدائم والمستمر وتقفون طوابير على أبواب السفارات الأمريكية والاوروبية والاسيوية والافريقية والشبه جهنمية والسماوية ، وأمام منظمات حقوق الانسان والنساء والاطفال والبالغين والكهول، لما تشوشون على نفسكم فتضيعون في ازدحام تلك الحقوق، ولما تشغلون بالكم بها؟ ”
ثم امرني – بوقاحة وقال أخيراً “عد الى البيت وأغلق فمك واشتري راحة بالك بإطباق شفاهك وخمول ذهنك وارتخاء أعصابك ، وطبق و أنت راضي مرضي قاعدة: أنا لا أرى ولا أسمع ولا اتكلم، وكن مواطنا محترماً في وطن محترم ” ..

لا أعلم ما الذي أصابني ، ولكني لم أفكر – البتة – بما قاله لي ضابط المخابرات، وعدت الى طيشي ، لأكون لا محترماً في بلد لا محترم .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…