رسالة مشمعة بالأحمر الى فتاة من برونز

فتح الله حسيني

بلغني من أحد القيافين ، أنكِ تتناثرين كالسكاكر على رؤوس مَنْ هبّ ودّب ، وبلغني أنكِ – مختومة بالشمع الأحمر – كهذه الرسالة ، ولكن لم يبلغني أحد عن ترحك، عن وحدتك ، عن تأملك في المجهول والقادم من الأيام الصعبة ، ولم يبلغني أحد عن دموعك المنهمرة في منتصف الليل ، عندما تظلين وحيدة ، محتارة ، لتقولي لنفسك الظمآنة : يا الله .. لماذا كل هذا العطش والموت.
كيف لي أن أشاطرك حزنك ، وأنت تقيمين في بلاد الظمأ ، وأنا في بلاد بلا نور ، كيف لي أن أتسكع لألقاك أمام مسرح البهجة لا صالات المرارة ، بعدما انتظرتك في المكاتب ، خلف الطاولات، كمسافر ينتظر تفتيش حقيبته ، ولا ينتظر حبييته الغرقى في بحر من الآلام القادمة ، وكيف لي ، أن أقسو على أهداب أعين ، قسى عليهما الزمن ، وخانهما المكان من مبتدأه الى آخر خبره ، دون أن تتوحدي مع وحشتك ، مع جسدك الذي ينتحر أمام عينيّ ، اللتان ترتشفان الدم من دموعك ، بعد كل هذا الخراب .
في خرائط أوطان الآخرين وأكفانهم ، وفي أوطاننا وأكفاننا ، ثمة شمال ، شمال لن يمنحنا إلا الريح ، شمال الكردي ، شمالك أنتِ ، شمالي أنا ، والإتجاهات الباذخة ملآى بدموع تشبه دمك هناك ، وهنا ، دمك الذي يؤطر لحكمة الطيش في بلاغة البلاهة ، ثمة أنين أسمعه ، من خصرك ، ثمة أبجدية جديدة أتوجها لشفاهك ، وثمة وطن أصنعه لك ، لتكوني تاجاً على رأس النباهة ، ترتشفين الشهوة كما ترتشفين فنجان قهوة .
الزمن ينتظرنا حيثما أنت ، وأنا أدرك الغفوة ، سآتيك بحزني ، لتفرحي ، أن ثمة حزيناً آخرَ في هذا القصر لا يروق له إلا حزنك الجميل كالشهداء ، ولا يروق له إلا ابتسامتك كتكية محارب يفتش عن معاركه الصغيرة حول دائرة قبلة أحّنُ الى صفائها ، رغم أني عائم على بحر من الإبتسامات والأحزان ، التي لا تشبه أناشيدك .

إليك كل هذا اللا فرح والفرح – يا سيدة النور –  إليك كل هذه الأناشيد من تخوم الحجل الى تخوم الخجل ، ورتبي زندك لآتيك متعباً ، كمتمرد على قوانين الله ، لأفضفض لك عن جنوني ، وعن جنونك الذي لايهدأ كألمي ، ثم لأسميك دفء الوطن ، أو ما تبقى من شجن.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…