بهمن قبادي والسينما الكردية الجديدة .. عشرة دور للسينما لأربعين مليون نسمة

في مهرجان برلين السينمائي وضع المخرج الكردي بهمن قبادي  المشاهدين أمام الأوضاع الراهنة في إقليم كردستان العراق من خلال فيلمه “السّلاحف تستطيع الطيران”. تكتب أريانا ميرزا عن المشروع الأخير لقبادي، وعن الكثافة الخاصة للأفلام الكردية.

الصورة: “السّلاحف تستطيع الطيران” يروي قصة أيتام يكسبون قوت يومهم من إخراج الألغام من تحت الأرض.
 يعتبر بهمن قبادي أهمّ ممثّل للسينما الكردية المعاصرة منذ أن حقق نجاحه العالمي في فيلمه “زمن للخيول السّكرى” (A Time For Drunken Horses). وفاز آخر عمل سينمائي له “السّلاحف تستطيع الطيران”  (Turtles Can Fly)بجائزة أفضل فيلم في مهرجان سان سباستيان السينمائي في أسبانيا لعام 2004، كما أنّ الفيلم فاز بجائزة السلام في مهرجان برلين السينمائي الدولي لعام 2005. يدور أحداث الفيلم المؤثّرة جداً حول أيتامٍ يكسبون قوت يومهم من إخراج الألغام من تحت الأرض، وهو الفيلم الأول الذي تمّ تصويره في العراق بعد سقوط صدام حسين.

وفي فيلمه الناجح “زمن للخيول السكرى”، يتناول قبادي أيضاً الشروط المعيشية للأولاد والمراهقين في المنطقة الحدودية بين إيران والعراق. وفي مهرجان برلين السينمائي لهذا العام، عرض المخرج البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً صوراً بالغة التأثير عن الطفولة الضائعة.  
جراح الحرب والاضطهاد البليغة
يقول بهمن قبادي: في كردستان ينبغي أن تكون راشداً منذ لحظة الولادة”. إن الحياة التي يعرضها الفيلم هي حياة مليئة بالحرمان والجراح العميقة التي سبّبها الاضطهاد والحرب. لم يسلم الأولاد جسدياً أو روحياً من تلك الآثار. حتى أنهم لم يحصلوا على ما يكفي من الحب لمعالجة جراحهم تلك.
انتقد الكثير من المشاهدين الكرد في مهرجان برلين السينمائي فيلم “السّلاحف تستطيع الطيران”، بسبب الفسحة القليلة للأمل والتفاؤل التي يقدمها الفيلم. لقد قالوا: “بالإضافة إلى ما يعرضه الفيلم من مشاهد مأساوية، يوجد في الجانب الآخر كردستان جديد وأفضل، ويوجد تطورٌ وناسٌ على قدرٍ كبيرٍ من الثقافة”. ولكن لا يميل قبادي إلاّ قليلاً لأخذ هذه النظرة المتفائلة، مثله في ذلك مثل بقية المخرجين الكرد المعاصرين.
يوحدّ الإنتاج السينمائي الكردي فكرة مشتركة وهي: التركيز على الناس العاديين الذين لا يستطيعون أن يؤثّروا في مصائرهم. يجد المخرجون الكرد، سواءً كانوا في المنافي، أو في تركيا وإيران، أو في العراق مؤخراً، يجدون أفكارهم في المجابهة اليومية التي يعيشها أبناء وطنهم ضد القمع. أما في سورية، البلد الرابع الذي يتواجد فيه الكرد، لا يوجد فعلياً أي نوع من الإنتاج السينمائي، بل مشاهد سينمائية نادرة. يعمل المخرجون السينمائيون الكرد “السوريون” في كلّ من أمريكا الشمالية وأوروبة.
 
الغموض والطبيعة القاسية في كردستان


 
يقول بهمن قبادي أنه عمل مع ممثلين هواة: “يمثّلون حياتهم الحقيقية“.

فرضت الأعمال السينمائية الكردية في الأعوام الأخيرة نفسها على النقّاد والمهرجانات السينمائية العالمية على حدٍّ سواء، نظراً للسّمات الجّمالية الخاصة بالفيلم الكردي التي تحملها تلك الأعمال. فإلى جانب واقعيتها الوصفية العالية، تقدّم أيضاً الجانب الآخر السحري، حيث تفعل القوى الخفية فعلها إلى جانب بطل الفيلم. تبدو المناظر الطبيعية في كردستان أمام عدسة الكاميرا غامضة ووحشية تفرز حياة غريبة خاصة بها.
إن عناصرَ مثل الهواء والتراب والنار والماء، يمكن تلمسها بقوتها الكاملة. كما أن رؤية وجه عجوز أو عيون فتاة صغيرة يمكنها أن تروي قصة كاملة. إن هذا التداخل بين القصة المؤثِّرة والصور الجذّابة هي من إحدى السمات النموذجية التي تتسم بها أفلام بهمن قبادي. تحدث أشياء عجيبة في الطبيعة الكردستانية القاسية، ويقوم الفيلم بعكس تلك المشاهد على طريقته الخاصة.
أما السّمة الثانية المشتركة بين العديد من الأفلام الكردية هي سمة ضرورية حسب رأي بهمن قبادي، الذي يقول مفسِّراً: “أعرض في أفلامي قدراً كبيراً من الاضطهاد، لذا اضطرّ أن أطعّمها بشيء من الفكاهة حتى يتحملّها المشاهد”. بالمقارنة مع تقاليد المخرج الأوروبي في الأفلام الاجتماعية الناقدة التي تمتاز بسعة الإطلاع، لا تخلو الأفلام الكردية من بعض المشاهد الكوميدية. ففي الوقت الذي يُنظر إلى بطل الفيلم بحنان ورقة، تثير شخصيته بلمستها الغريبة شيئاً من الطرافة”.
الناس وقصصهم اليومية الحقيقية
ثمة تداخل بين التراجيديا والكوميديا في أفلام قبادي كما لو أنهما أكثر الأشياء انسجاماً في العالم، ويؤدي الممثلون الهواة في فيلم “السّلاحف تستطيع الطيران” أدوارهم لإظهار هذا التداخل على نحو طبيعي ومقنع. ويقول قبادي بهذا الصدد: “إنهم يمثلون حياتهم في النهاية. لم أكتب قصة سينمائية، بل أن تجربة الأولاد هي التي صاغت الفيلم”. إن القصة الحقيقية للفيلم يمكن تلمسها في كل دقيقة من العرض. ولا بدّ لنا أن نصدّق المخرج حينما يقول: “لو استطاع الأولاد المجيء معي إلى مهرجان برلين، لعانوا كثيراً من الصدمة الثقافية. عالمهم هو العالم الذي عرضه الفيلم”.
صوّر بهمن قبادي مشاهد فيلمه في إقليم كردستان العراق، وقد حصل على دعم الإدارة الكردية في الإقليم لإنجاز مشروعه ذاك. لقد سُرّ المخرج كثيراً بالتعاون الذي أظهرته الإدارة الكردية هناك بدعم مشروعه من ناحية المسائل المادية. وقال تعليقاً على هذه النقطة: “يفهمون مدى أهمية فيلمٍ يصل إلى الشعوب في أرجاء المعمورة”.  لقد أكدّت كل من الجهة الموزّعة للفيلم ((Mitosfilm، والمنظمة الإنسانية الطبية العالمية غير الحكومية في ألمانيا
German NGO medico international) ) بأن الفيلم سيُعرض في العديد من دور السينما في ألمانيا. لقد قدّمت تلك المنظمة الألمانية غير الحكومية الكثير من المساعدة إلى ضحايا الألغام في كردستان وأفغانستان.
بالرّغم من أن الفيلم يركّز على معاناة الشعب الكردي، فإن هذا الشعب محروم من فرصة مشاهدة الفيلم، سواء كان في العراق أو في إيران –البلد المجاور. وبهذا الخصوص يقول بهمن قبادي: “في المنطقة كلها لا توجد سوى عشرة دور للسينما لأربعين مليون كردي”. وأضاف، أنه تمكن في إحدى المرّات من عرض فيلمه على جمهوره الكردي، وبعد انتهاء الفيلم: “عانقني الناس وانفجروا بالدموع”!! 

 الترجمة من الألمانية إلى الإنكليزية: إيزابيل كول
 الترجمة من الإنكليزية إلى العربية: عمر رسول
   عن: © Qantara.de 2005


 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…