أحمد موسى
لك اليوم كله على حافة مرهقة، تعانق القرفصاء، وتجول في خاصرة البعاد. فما زلت سليل العناق ترمي الرحيل، في حضن هزيمة الخرائط. مازلت لحظة واقفة، في بحر غريق ترمم بكاءً خجولاً، فقد تنبأ اسمك بأننا نبلل أنفسنا بضوء الانتظار؟ .
في أمسية غياب كهذه وعلى مقربة من هذا المكان كنا في العام الماضي، ننثر ورود الحب على اسم الراحل كاميران. لم يحضر”هساري” كاملاً لعجز قدمه عن إسناد جبل من العطف والحنان. لكنه حضر صورة شاحبة في فراش لم يتسع لكبريائه. أسمعنا صوتاً مبحوحاً، ليذكرنا بأن للوداع بقية. كان عاصفة مسترخية في مخدعه، مبتسماً يتحدث معنا بلغة المودع، رغم مرحه بما تبقى منه، ليضيف على زيارتنا الأخيرة، هواء الفراق. كان قامة؛ بطول النهار، فلم يشأ أن تليق به السكينة، نظر إلينا ونظر إلى آثاره برضا الفاتح المرهق. قلنا له وقال لنا ما يقول العارفون، بأن اللقاء وداع. بادلناه الابتسامة كثيراً، وأطلنا في الكلمات الأخيرة، أخفينا خوفاً أثاره في داخلنا، وهو منكب على ترتيب الموعد القاسي.
قبل عام من هذا اليوم، لم يشأ كاميران أن يدوم طويلاً، ترك خلفه ظهيرة كاملة تعصف بالبكاء، على فارس قاوم الهدوء بكل ما يملك. لكنه مازال مصراً أن يجمعنا وهو البعيد عنا في فناء جسدي ليسرد قصة حب شعبه.
نعم مازال يريد أن ندرك ماهية رحلته. نلملم بقايانا نسترشد مثواه فقد وضع لنا الحزن والوداع على طاولة. في سَكينة لا حدود لها، يقول: فليحصد كل واحد منكم، حصته مما زرعته من الذكريات والمودة.
جئنا هنا لنقرأ كل أيامه، ونستعيد خواطره العاجلة. نتسابق في تأسيس الأمنية، نتلو للضوء خفايا الشروق. ونشغل الصباح بهزائمنا. أحلامنا المتناثرة، باتت أشلاء تاريخ مسلوب اخترقت شبابيك الأسطورة.
لم نحضر هنا لنجهز على وصيتك بلا رحمة، فقد كنت النسر الوحيد الذي حلق بكبرياء، ملتفاً بالمسافات، هدرت في كل المحافل حاضراً كجبل في ذروته. سطرت الأغاني، فصنعت من أحلامك ألحاناً تدير شأن الضعيف، وترثي وقت المحبين. لكن الوقت علمنا أنه لن يرحم أحداً، لطالما مهمته سرقة من نحبهم ونحترمهم. وعلمنا أن ندع البكاء يبكي شوقاً على الفراق.
عندما لم تكن ترحمك الهزائم غير المجزأة، لم تفتح أنت أيضاً للوم مشيئة عذرها. فمازال وقتك لم ينفذ، فلن نعلق حاضر ذكراك على مفترق طرقنا العجوزة. ها هي الشمس ذاتها لم تفصح بعد عن غروب حضورك، ولم تقطف إمبراطورية حبك المهدور. اعلم يا كاميران هساري، لن تغرب الشمس على ما أسسته من فكر في أغانيك، ربما، لأنك كنت تعلم متى تصرّف الحكمة عندما كان الزمن متعلّقا بك.
لقد دعوتنا لنحصد الحب فيما قد زرعته آنفاً. ليتدرّج فيه الضوء بمقاييسه وأقاليمه، بليله ونهاره، بيمينه ويساره، دعوتنا هذه المرة لننثر العطاء الحر معاً على من يود البقاء زمناً صالحاً لوجوده.
لم تكن يوما ما حكاية حزينة في حلم ذابل. فأضرمت النار مرارا في قاع النفس البريئة. عندما أعلنت الفراق، سارع النار مقرراً أن يحرق جسم الفن. لكنك لم تأخذ فنك معك. فتركت جمبلي وممي آلان، على طريقتك لتعلن للميدين مازلنا هنا.
ما كان رهان كاميران إلاّ صوته الشجي، ومستمعه القادم من المجهول فوجد في حنجرته صدى لصوته، ولوحة رسمت بريشة أيقن صاحبها، أنه اختار جزءاً من الاستثناء. فخرجت عن المألوف، بعدما بنيت جسر اللقاء الأخير، بينك وبين عطر الحرية التي سلبت منك . لتصبح رثاء ناقص في سيرة هبوب الحلم.
لم يكن كاميران ذاك الذي بخل في العطاء حيث كان يحيا. فقد غنى سيرتنا الناقصة، وغنى في غياب شعب أدانوه في التاريخ، وصلبوه في الجغرافيا. فقد كنت الغريب في الوطن، فلم تكن طارئاً في يوم على خارطة رسمها من وزّع ألحانها غربتك في الوطن . ربما غنى كاميران في زمن أفضل من الزمن الذي ودعه، وربما، أقول ربما، يكون ماضينا أفضل من حاضرنا، لكن الشقاء الكامل، إن دام حاضرنا أفضل من غدنا.
قبل عام من هذا اليوم، لم يشأ كاميران أن يدوم طويلاً، ترك خلفه ظهيرة كاملة تعصف بالبكاء، على فارس قاوم الهدوء بكل ما يملك. لكنه مازال مصراً أن يجمعنا وهو البعيد عنا في فناء جسدي ليسرد قصة حب شعبه.
نعم مازال يريد أن ندرك ماهية رحلته. نلملم بقايانا نسترشد مثواه فقد وضع لنا الحزن والوداع على طاولة. في سَكينة لا حدود لها، يقول: فليحصد كل واحد منكم، حصته مما زرعته من الذكريات والمودة.
جئنا هنا لنقرأ كل أيامه، ونستعيد خواطره العاجلة. نتسابق في تأسيس الأمنية، نتلو للضوء خفايا الشروق. ونشغل الصباح بهزائمنا. أحلامنا المتناثرة، باتت أشلاء تاريخ مسلوب اخترقت شبابيك الأسطورة.
لم نحضر هنا لنجهز على وصيتك بلا رحمة، فقد كنت النسر الوحيد الذي حلق بكبرياء، ملتفاً بالمسافات، هدرت في كل المحافل حاضراً كجبل في ذروته. سطرت الأغاني، فصنعت من أحلامك ألحاناً تدير شأن الضعيف، وترثي وقت المحبين. لكن الوقت علمنا أنه لن يرحم أحداً، لطالما مهمته سرقة من نحبهم ونحترمهم. وعلمنا أن ندع البكاء يبكي شوقاً على الفراق.
عندما لم تكن ترحمك الهزائم غير المجزأة، لم تفتح أنت أيضاً للوم مشيئة عذرها. فمازال وقتك لم ينفذ، فلن نعلق حاضر ذكراك على مفترق طرقنا العجوزة. ها هي الشمس ذاتها لم تفصح بعد عن غروب حضورك، ولم تقطف إمبراطورية حبك المهدور. اعلم يا كاميران هساري، لن تغرب الشمس على ما أسسته من فكر في أغانيك، ربما، لأنك كنت تعلم متى تصرّف الحكمة عندما كان الزمن متعلّقا بك.
لقد دعوتنا لنحصد الحب فيما قد زرعته آنفاً. ليتدرّج فيه الضوء بمقاييسه وأقاليمه، بليله ونهاره، بيمينه ويساره، دعوتنا هذه المرة لننثر العطاء الحر معاً على من يود البقاء زمناً صالحاً لوجوده.
لم تكن يوما ما حكاية حزينة في حلم ذابل. فأضرمت النار مرارا في قاع النفس البريئة. عندما أعلنت الفراق، سارع النار مقرراً أن يحرق جسم الفن. لكنك لم تأخذ فنك معك. فتركت جمبلي وممي آلان، على طريقتك لتعلن للميدين مازلنا هنا.
ما كان رهان كاميران إلاّ صوته الشجي، ومستمعه القادم من المجهول فوجد في حنجرته صدى لصوته، ولوحة رسمت بريشة أيقن صاحبها، أنه اختار جزءاً من الاستثناء. فخرجت عن المألوف، بعدما بنيت جسر اللقاء الأخير، بينك وبين عطر الحرية التي سلبت منك . لتصبح رثاء ناقص في سيرة هبوب الحلم.
لم يكن كاميران ذاك الذي بخل في العطاء حيث كان يحيا. فقد غنى سيرتنا الناقصة، وغنى في غياب شعب أدانوه في التاريخ، وصلبوه في الجغرافيا. فقد كنت الغريب في الوطن، فلم تكن طارئاً في يوم على خارطة رسمها من وزّع ألحانها غربتك في الوطن . ربما غنى كاميران في زمن أفضل من الزمن الذي ودعه، وربما، أقول ربما، يكون ماضينا أفضل من حاضرنا، لكن الشقاء الكامل، إن دام حاضرنا أفضل من غدنا.
أيها الباقي في فلك الذكرى، وللمرة الكثيرة سنقولها، إننا نرثي أنفسنا، فقدناك فناناً وإنساناً. ونتقدم بأحر التعازي إلى آل الفقيد وذويه. ونعزي الأمة الكردية فراق فنان آلمنا رحيله.