ربي زدني مالاً !

موسى زاخوراني

حمداً لله على أنه لم يكتب لشاعرنا أن ينهض و لو لدقائق , ليلقي نظرة أخيرة و هو يوارى الثرى , على أبناء مدينته و شعبه و حركته , و يرى ما قدموه له من (رد الجميل) لأنه لو حدث ذلك لأجهش بالبكاء , و لجأ إلى إحراق كل دواوينه و نتاجا ته الأدبية , و لربما ندم على خدماته الثقافية و النضالية , التي قدمها لوطنه و شعبه و رفاقه و أصدقائه.
أقول هذا لأن ما تم تقديمه له , من قبل أبناء قامشلو و غيرها من مدن المحافظة و البلاد كانت أقل بكثير مما يقدم لمختار قرية كان كل همه و ديدنه إرضاء رئيس مخفر للشرطة لدفعه لتوجيه صفعات عدة لوجه أحد فلاحيه , لمجرد أن ذلك الفلاح لا يستطيع تصديق أكاذيبه.
مثلما كان اقل و بما لا يقاس مما يقدم لشخص عمل جاهداً , و بوسائل غير شريفة لجمع ما جمعه من أموال طائلة , و في هذا السياق لا يجوز أن أخفي ما قدمه المهتمون بالشأن الثقافي الكردي الذين شاركوا بفعالية في تشييع الجنازة , و تناسوا شدة الحرارة و استراحة الظهيرة الصيفية في قامشلو و حضروا المراسيم فور تلقيهم النبأ الصاعق و قاموا بما يمليه عليهم الواجب الوطني و الإنساني  رغم أن قلة قليلة منهم اهملو القيام بواجب الحضور و المشاركة و….
و إزاء ما ذكر لا بد لي من التساؤل قائلاً : ألم تكن تلك المعاناة و الآلام و الآمال و الحرية و المحبة و التآخي و النضال التي كتب عنها شاعرنا هي ما يتظاهرون بها و القول هنا موجه لأولئك الذين قصروا غاية التقصير بحق هذا الشاعر المناضل الذي كان صادقاً مع ذاته و مع وطنه و شعبه و أدبه و لغته و طموحاته , أم أن الشعر و الأدب و التراث و النضال أيضاً مفردات لا محل لها من الأعراب لدى الأكثرية الساحقة من أبناء حركتنا – وهذا احتمال لا بد من أخذه بعين الاعتبار – إذ و على ما يبدو أن قاموس اهتماماتهم لا تتضمن سوى المال و مشتقاته , كما و أقولها جهاراً أليست هذه حقيقة موقف الحركة من الأدب و النضال الكرديين , و كذا هي علاقة السياسة بالثقافة عندنا , لدرجة و صل بهم الأمر أن تكتلاً سياسياً يضم عدة أحزاب كردية؟
ترفع عن ألقاء كلمة بل و حتى إرسال برقية في هذا التشييع , و يحضرني في هذا الإطار و على سبيل المثال- خبر مفاده – أن رئيساً لحكومة إسرائيلية التقى رئيس جمهورية اليمن , على هامش قمة شرق أوسطية  عقدت بشرم الشيخ قبل سنوات , حيث طالب رئيس تلك الحكومة الرئيس اليمني بالتعاون معه لنقل رفات شاعر يهودي له قصائد كثيرة حول النبات و الزهور و الورود و قد توفي في اليمن منذ أكثر من ألف عام.
أما أخوننا العرب و مثل ما قيل عنهم فان الشعر هو ديوانهم فلا يخفى الحفاوة و التقدير الذي يلاقيه شعرائهم , خاصة و أن لهم ما لهم من وسائل و إمكانات و…
فإذا قضت ظروف خاصة و معروفة و مستهجنة أن يتم حرمان شاعرنا من تقدير المركز الثقافي لمدينتي الحسكة و القامشلي بل المركز الثقافي بدمشق , فما هي يا ترى ظروف و أسباب و حيثيات حرمانه من تقدير أبناء شعبه و حركته و هنا أورد قول أحدهم حول شاعرنا الذي بما معناه أن سيدايي كلش من جملة من هم أموات في حياتهم و أحياء في موتهم , و اعلق على ذلك بالقول و بالرغم من حقيقة وواقعية ذلك , إن هذا شأن الشعراء و الأدباء و المخلصين لدى الشعوب الميتة , فالشعوب الحية تحب الحياة و الأحياء و تقدرهم حق قدرهم.
أقول و بملئ فمي , كفاكم , استهتاراً بأدبكم و بأدبائكم و شعركم  شعرائكم أسألكم جميعاً أهذا جزاء من كتب و ناضل من أجلكم أكثر من نصف قرن فبخلتم بحقه بنصف ساعة و نصف نصف التقدير و…!!؟؟
وهل سبب ذلك تحزبكم المقيت أم تكاسلكم المميت , خاصة و أن الحقيقة و الواقع تبين أن شاعرنا كان جديراً بالمزيد و المزيد , أم كنتم تريدون موته منذ زمن بعيد , و محكمة التاريخ سيلاحق أبنائكم و أحفاد أحفادكم يا عباقرة و أساتذة كليات الجهالة و التحزب و الأنانية و العبيد ,
و عذراً من وطني و شعبي الذي أبتلي بما لا يريد .
   قامشلو في 18-6-2007

الشاعر والكاتب الكردي  موسى زاخوراني

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…

سندس النجار

على مفارق السنين
التقينا ،
فازهرت المدائن
واستيقظ الخزامى
من غفوته العميقة
في دفق الشرايين ..
حين دخلنا جنائن البيلسان
ولمست اياديه يدي
غنى الحب على الافنان
باركتنا الفراشات
ورقصت العصافير
صادحة على غصون البان ..
غطتنا داليات العنب
فاحرقنا الليل بدفئ الحنين
ومن ندى الوجد
ملأنا جِرار الروح
نبيذا معتقا
ومن البرزخ
كوثرا وبريقا ..
واخيرا ..
افاقتنا مناقير حلم
ينزف دمعا ودما
كشمس الغروب …

خلات عمر

لم تكن البداية استثناءً،,, بل كانت كغيرها من حكايات القرى: رجل متعلّم، خريج شريعة، يكسو مظهره الوقار، ويلقى احترام الناس لأنه “إمام مسجد”. اختار أن يتزوّج فتاة لم تكمل الإعدادية من عمرها الدراسي، طفلة بيضاء شقراء، لا تعرف من الدنيا سوى براءة السنوات الأولى. كانت في عمر الورد حين حملت على كتفيها…

عصمت شاهين دوسكي

* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.

الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى،…