سلامتك سيدايي كلش…..!

  إبراهيم اليوسف

منذ عشية نوروز لهذا العام – كما سأعلم لاحقاً – وحتّى الآن ، يصارع الشاعر الكردي سيدايي كلش ، المرض العضال ، وهو المثقّف الكردي المعروف ، ورفيق درب جكرخوين ، وأحد شعراء الرّعيل الأول  الذين انطلقوا من نقطة الصفر، حيث ذلك البون الشّسيع بين حاضر اللّحظة الإبداعية، وأرومتها المتوزعة بين الإمّحاء والتغييب
كي يسدّوا ذلك الفراغ الهائل الذي بات يظهر على نحو لافت ، بين السّابقين عليهم ، ومرحلتهم ، تلك ، مبدعين ، أو حالة تراثية ، كي يدفعوا ضريبة خيارهم الصّعب ، على أكثر من صعيد، دون أن يتردّدوا- آنذاك – حتّى عن خوض غمار لجّة الأدوات غير المعرفية ، من أجل شعب مذرذر ، يعاني أسوأ صنوف الاضطهاد على أيدي حفنة عصاة ، من أردأ أنظمة العالم طرّاً………!
والشّاعر كلش، وهو الآن في العقد الثامن , كان يتمتّع بروح الشباب حتى تلك اللحظة التي اشتدت عليه سطوة المرض العضال , ،حيث ظهور الانتفاخات الكتلية الثلاثة في الدماغ، لايفتأ يكتب قصائد الغزل ، التي ندعوه لسماعه،هذه الانتفاخات اللعينة, ربّما سببها  سقوطه في البئر في ثمانينيات القرن الماضي ، وكانت – وياللمصادفة المريرة-شقيقة لي آنذاك، وهي طفلة ذات السنوات الثماني  في غرفته ،في المشفى الوطني في قامشلي ، وقد سقطت بدورها في بئر آخر، واجتمعا في غرفة واحدة  من المشفى نفسه ، وأنقذا في مصادفة أكثر غرابة …..!
 كان كلش  يتمتّع بألق الشّباب , وروح الطفولة , وحكمة الشيوخ , وهو الذي تجرّع علقم المرارات, مرّة تلو مرة , وكيف لا ،ما دام إنه واحد ممن أسهموا في وضع اللّبنات الأولى ، معرفيّاًَ ، بحسب إمكاناته ، بل  و نضاليا ًـ على حساب حياته ، من أجل ثقافة ، ومستقبل إنسانه الكرديّ، وهو يمارس أحد الأعمال الشاقة ،  بنّاءً معمارياً ، ليؤمّن الرّغيف لأطفاله الصّغار، زغب الحواصل ….!
ثمّة الكثير، الكثير ، الذي يمكن أن أتحدث به عن هذا الشّاعر الذي تعود علاقتي به إلى أيام شبابي الأول ,  حيث توثقت به هذه العلاقة، أسريّاً , في الوقت الذي كنت أتردّد فيه على الشاعر جكرخوين –  معلمه الأول ، معلم القصيدة الكردية ،وهما يقطنان  شارعين مجاورين لمنزلي – رغم إن  هذه العلاقة الأخيرة،  وئدت , في مهدها، حيث  هجرة جكر خوين المفاجئة إلى السويد ، لكي أشهد كلّ ضروب معاناة هذا المثقف الكرديّ , كلّما ضاقت به لحظة العيش , نتيجة الاستبداد المثولث الذي يمارس عليه، و أمثاله من المثقفين الكرد، أصحاب الموقف، كي أتحدّث عن علاقتي بالشاعر كلش , هذه العلاقة التي لم يعكّر صفوها شائبة , وليس أدل ّعلى هذا الكلام إن بيتي  الذي أسكنه- الآن- كان قد أشاده بيديه، لبنةًًً لبنةًًً , وتشاء المصادفات أن أقطنه لاحقاً مع أسرتي ، حيث سيكبر فيه أطفالي، بل إنه سيصاب في هذا البيت نفسه، قبل حوالي  سنوات عشر ، بنوبة قلبية , وهو  يحضر ندوة ثقافية   ، كنت قد دعوت إليها مثقفي المدينة،  تكابر الشاعر على ألمه الجسيم , ولم يعلن عنه لأحد ، حتّى انتهاء الندوة , بل وحتى بعدخروجه من المنزل , مع بعض الكتاب ، كي يسعفه بعض جيرانه، بعد ذلك……!
أجل , ثمّة الكثير الذي يمكن أن أقوله في مقام كلش , بيد  إنّني أختصر كلّ ذلك كي أسأل وبحرقة: كلش الذي اكتشف مرضه , وهو يتابع في دمشق،في النصف الثاني من آذار الماضي ، شؤون الموافقة على الدّعوة التي وجهت إليه ليذهب إلى كردستان العراق – يحضر إحدى الفعاليات الثقافية، هناك , وهو ما حدث له، لأول مرّة , ولكن, صفعة يد المرض العضال  ، كانت أقوى ـ وأسرع ،من أن يحقق حلمه , وحجّه إلى كردستان….!
ترى ، كيف لم نفكّر – مثقفين وساسة ،ومؤسّسات، بالقيام بأية خطوة , تريح ضمائرنا تجاهه , لمعالجته خارج سوريا , فقط لنقول : إننا عملنا ولو شيئاً قليلاً له……………!
خلال زيارتي الأخيرة إلى منزله , لم يشأ نجلاه كسرى وكاوا، أن يقود اني إلى غرفته , وهو يصارع المرض العضال , حيث ينال السقام شيئاً فشيئاً من جسد الشاعر، كي يبقيه جلداً على عظم , لأنّهما يدريان كم أنا متعلّق به , ولا أتحمّل أن أراه إلا كما عهدته باسقاً كطود كرديّ , صلداً ككلمة ” لا ”  حانياً كنبع يحتضن العطاش، لحظة لوذهم به….!
شخصياً , أعلنت عن مرض الشّاعر في الأول من حزيران ,أثناء افتتاحي المهرجان الخطابيّ لإحياء ذكرى الشهيد الخزنوي ، بعد أن أعلن ذووه , عن حالته ، هذه ، وعلمت بها بدوري ,بعد أن شعرت على غير العادة بافتقاد  تواصله الحميميّ ، وأنا أواجه بدوري لجّة الحياة ،  ناقلاً تحياته – في هذا المهرجان- إلى ذلك الحشد الكبير , ولا أدري كم منّا , قد عايده في بيته في  امتحانه هذا، إزاء هذا المرض الجاحد , ولا أقول :  من منّا فعل له  ولوشيئاً …..بسيطاً…بسيطاً………..!.؟
 – كلش ،  صديقي……….!
ليس لديّ ما أقدّمه لك غير أن أدعو لك بالشّفاء
أجل , ليس لدي سوى ذلك….
ليس……….
ليس…

ترى هل سأتعّظ كمدعي ثقافة وإبداع، مرّة أخرى ، ككثيرين سواي ، لنحبّ بعضنا بعضاً؟، أم سنمضي ممارسين -ثقافة البغضاء- الذّميمة التي تضرّبنا جميعاً، في نهاية المطاف……..!

– كلش

كان يحبّنا جميعاً

ما أحوجنا إلى الحبّ…….!
………
……
……
……..

للدّمع بقيّة……!.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…