آلَ قمش …. بين المجزرة والزيارة من يحيي موتانا

المحامي محمود عمر

الجزء الثاني
قضم أتاتورك ـ حين بلغ مراميه ـ الدستور والوعود التي أبرمها بلسانه وبلع ريقها وهو يبتسم مستهزئا من الذين صدقوه, يا لهم من مساكين ويا له عقد ٍواهٍ و واهن ـ بئس الدستور دستورُ يقوم على اللسان ـ وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت ـ لتوه كان قد فرغ من حروبه منتصرا و فيها وتحت وسادة مطامحه ومصالح أسياده أخفى اتفاقية سيفر وما فيها من حقوق للكورد ونسخها واستبدلها معهم باتفاقية لوزان التي فصلها على مقاسه وأهوائه
وملخصها إن كل من في تركيا هو تركي وهو له أب, ومن يدعي خلاف ذلك فعليه أن يكون عبدا لأسياده الترك أو الرحيل وإلا سيلقى مصيره المحتوم, انقلب على الكورد ودهس على عمامة السلطان ووعد أسياده بأنه سيجعل الويسكي ماءاً لكل من يريد أن يتوضأ على هذه الأرض وانه سيبني على أرض الشرق دولة غربية بكل المواصفات, وليبين لهم صدق نواياه كان لا بدُ أن يمتثل شيئا من أفعال أسياده قد رسم معهم الحدود ومزًق كل الإشارات التي تشير إلى العهد القديم المتخلف وارتدى الشفقة والزى الغربي تأكيدا منه على علمانيته, ولكن هذا لا يكفي لا بد من شيء يساوي أو يفوق ما أنجزوه أنها المحرقة واستعباد الشعوب وتشتيتها ـ عجبا لشعب عانى الظلم والاضطهاد ويقوم باضطهاد شعب آخر كان معه تحت نير الظلم, أهذا ما قاله غاندي عن دولة كمال وحضارته هل سمع غاندي بآل قمش ومثيلاتها فيما بعد ليقول هذا؟؟؟؟ ـ ما إن وصل نبأ إن أتاتورك ينوي الاستعداد للقيام بمراسيم الاحتفال وان آلُ قمش من عداد قرى الكرنفال  حتى توجه الأهالي لفورهم هربا نحو الجنوب صوب علي بدران بمحاذاة الوادي, تاركين خلفهم كل ما يملكون على قلته,لماذا آلُ قمش؟ أنها قرية كبيرة ويسكن فيها عدد كبير من السكان,ومن عدة عشائر أنها صلة الوصل بين الشمال(سرخت )و الجنوب( بنخت) وهو ما يجعل صدى احتفالنا ينتشر بسرعة أكبر بين الناس, هنا وفي عموم المنطقة؟؟!! ولا تنسوا إن هؤلاء الأوغاد كان يوفرون الملجأ والغطاء لكل مطلوب إلى إن يرَحلونه باتجاه الجنوب وهذه القرية كانت المحطة الأولى لكل اؤلئك الذين يريدون أن يلتحقوا بمن يريد أن يقف في وجهنا, وهؤلاء حموا وآووه العديد من الأرمن وهرَبوهم فيما بعد, وستكون هذه القرية إحدى أهم المحطات التي سترفد المدعو شيخ سعيد وأعوانه وكل من يريد إن يقوم بالثورات مستقبلا, نعم يجب أن تكون آلُ قمش المسرح الأول لاحتفالنا الذي لن ينساه أحد!!! ألا تكفي كل هذه المبررات أيها الأحمق لتكون هذه القرية أول أهدافنا؟؟؟ في الجيش عليك ألا تعدم الوسيلة لما ستقدم عليه, وإلا لا ينفع إن تكون جنديا في جيش الأب أتاتورك العظيم هذا هو رد الضابط على أحد جنوده, وهو يستفسر عن مبررات إقحام القرية وحرقها , وصل  الناس إلى علي بدران التي تقاسم أهلها الرغيف معهم, هؤلاء المساكين لم يكن معظمهم قد سمع بشيخ سعيد بعد أو إن ثورة كردية ستقام, وإنهم ماأووا الأرمن لأن أخلاقهم وتعاليم دينهم تفرض عليهم ذلك( استجب استغاثة المظلوم وان كان كافرا) هكذا يوصي الرسول الكريم, فكيف لا يستجيبوا استغاثة من تقاسموا معهم الحلوة والمرة ومنذ فجر التاريخ, هذه فقط لا يستطيع أن يجيدها أتاتورك وبطانته التي لم ترضع إلى حليب الغدر والخيانة والركوع أمام الأسياد, بينما كان أهالي آلَ قمش وبفارغ الصبر ينتظرون الأخبار كان جنود أتاتورك قد أصيبوا بالصاعقة حينما وصلوا القرية ولم يجدوا فيها ما يكفي لإعداد الوليمة صدرت إليهم أوامر العودة, وبدأ جواسيسهم ينتقلون بين القرى الكردية وهم ينشرون خبراً آخر مفاده إن الدولة قد أصدرت عفوا عن جميع المطلوبين وإنها تريد فتح صفحة جديدة مع مواطنيها, وان كل ما أشيع من أنباء عن حرق القرى هي مجرد إشاعات فأي دولة تريد حرق قرى مواطنيها وان أتاتورك ما زال عند وعوده التي قطعها للكورد وعلى كل من هاجر أو حمل السلاح إن يتركه ويعود إلى موطنه مطمئنا, وصلت هذه الأنباء إلى علي بدران وسمعها أهالي آل قمش كغيرهم, شوقهم إلى قريتهم واالقيام بأعمالهم المعتادة في مثل هذه الأوقات من السنة كتقليم الكروم والأشجار وزراعة الخضار لم يسمح لهم بالتفكير في صدق الخبر من كذبه وما فيه من غدر, وحده الحاج أحمد دعاهم إلى التريث قائلا انه ليس لدى هؤلاء شيء اسمه الوعد. لم يأخذ بكلامه أحد, سار خلف القافلة وهو متيقن من أن الغدر يلف هذه الأنباء ولكنه كان يقول: لست بأفضل من هؤلاء (حط رأسك بين الرؤوس وقل يا قطاع الرؤوس),لم تكد تصل قوافل المهجرين من علي بدران وبقية القرى إلى آلَ قمش حتى كان الجنود قد طوقوا المكان فرحين بالصيد الحنيذ, استقبلوا الناس وابتسموا لهم وقالوا إن أتاتورك هو أب الكورد والترك,وهو الذي يرعاهم دون تمييز, كان على الناس من قلة حيلتهم أن يصدقوا ما يقال لهم,بينما حدسهم يشير إلى إن هناك شيء آخر يعد لهم وإلا لماذا هذا الكم الهائل من الجنود والعتاد وجمع أهالي العديد من القرى المجاورة في آلَ قمش,ما الذي يعد لهم؟؟؟؟…

الجزء الثالث

 لا تخافوا ولا تحزنوا فقط يتم جمعكم لتلاوة بعض التعليمات وأخذ الحيطة والحذر من بعض المجرمين الذين يحاولون هدم ما نبنيه لكم ولنا جميعا من أمثال المجرم شيخ سعيد الذي يدعي التدين وهو أكثر الناس كفراً ـ أليس الذي يقف في وجه أتاتورك بكافر!!؟؟ـ هكذا كان يطمئن أعوان الطغاة أهل القرية وبقية من تم جمعهم,كان أهالي علي بدران يترقبون سماع الأنباء عمَ آل إليه مصير إخوتهم هناك ولكن الطوق الأمني حول آل قمش وعلى الحدود لم يترك المجال حتى للطيور لنقل الخبر, بعد إن تيقن الطغاة بأن ما تم جمعه كاف لإعداد الوليمة وإيصال رسالة سيدهم إلى أسياده والناس أجمعين, اشتد الطوق العسكري حول القرية أكثر, وفي صباح ذلك اليوم وبينما كانت البراعم تتفتح على الأغصان وتزهر الأشجار المثمرة وينتشر عبق الورد والرياحين على أطلال آل َ قمش, كان الضابط وعدد من جنوده قد اخترقوا منتصف القرية ووقفوا على أعلى التلة التي تتوسطها وتطل عليها شمالا و جنوبا, هذا المكان جيد لإتمام المهمة ردد هذا الكلام وأمر بجمع الرجال في فسحة الدار الكائن شمال التلة والنسوة والأطفال في فسحة الدار الكائن جنوبها, أوتي بالناس فرادى وكان العديد من الجنود قد أحضروا السلك الشائك الذي كان الأهالي قد سوروا بها بساتينهم وشدت المعاصم إلى بعضها وأمروا الناس بالصمت وعدم الاستفسار عن شيء, وعن أي شيء سيستفسرون بعدها وهم يرون بأم عيونهم كيف إن الأيادي العزل تكبل مقابل هذه الآلة العسكرية الضخمة ـ الله أكبر ـ ومع ذلك كان خوف الجلاد أعظم!!!.
 استغرقت العملية عدة ساعات كان خلالها  تشد  إلى أيادي النساء معاصم أطفالهم الصغار الذين كانوا من خوفهم يخفون رؤوسهم في ثياب أمهاتهم الواسعة( الكراس والخفتان) في حين كان بعض الجلاوزة مكلفين بتفتيش البيوت للـتأكد من عدم وجود أحد فيها, احتار الجنود في أمر الرضع القابعين في مراجيحهم حيث تهدهدهم الملائكة وتطمئنهم بأن موعدهم مع ذويهم الجنة ـ صبرا آل ياسر فأن موعدكم الجنة ـ دلتهم محاضرات أتاتورك في الحضارة إلى فكرة لا يستدل عليها الشيطان بعينه, وقفوا فوقهم ولعبوا معهم ليبتسموا وما تكاد ابتسامتهم أن تنتهي حتى كانت الحراب تغرس في صدورهم الغضة, رفع الجنود أجسادهم الغضة بالبنادق والحراب مغروسة فيها فوق  رؤوسهم, وهم يقهقهون فرحا بالانتصار ـ الله أكبر ـ أي قلب يملكه هذه الحيوانات المتغطرسة, ومن صدر أية عاهرة ساقطة قد أرضعوا, يغادر روح الصغير البريئة جسده الصغير ليغدو أحد طيور الجنة, يستمر الجلادون في غيهم يقهقهون وبعد إنهاء الواجب المقدس يهرب البعض منهم  بقهقهته خارج سرب الجنود نحو البراري هل جن هؤلاء؟؟ كلا أنها سكرة ونشوة الانتصار على هذا المتمرد الصغير!! الناس في القرى المجاورة كانوا في انتظار من يأتي إليهم من آل قمش بالخبر اليقين  ولكن يبدو إن الحياة بكل آياتها قد توقفت في هذه القرية التي حكم عليها بالإعدام, لم يجرؤ أحد على الاقتراب أو الاستفسار,عاد المتجولون في القرية من الجنود وطمئنوا سيدهم بأن الدور أضحت خاوية من ساكنيها,وأبلغ أيضا بأن الجمع قدا كتمل وهم بانتظار الأوامر.
يستمر الثلج في الذوبان كاشفا الغطاء عن خضرة الأرض المزركشة بكافة ألوان الربيع من الورود والزنابق والخجخجوك (شقائق لنعمان), ما أشبه ثياب نساء آلَ قمش وبقية نساء الكورد بهذه اللوحة الطبيعية لربيع كردستان,ومع ذوبان الثلج كان يزداد صوت خرير المياه في دجلة والفرات ونهر آلَ قمش الصغير المتجه جنوبا,  نُصب على عتبة باب الدار الذي يتوسط التلة قاعدة الرشاش ـ هذه العتبة المؤلفة من حجرة واحدة مستطيلة يندهش الناظر كيف تم قطعها وحفها وكيف أضحت ملساء وكيف رفعت إلى أعلى الباب ـ لم تكن هذه العتبة الوحيدة التي سويت بهذه الطريقة في القرية ولكنها وحدها التي نصب عليها رشاش الميتراليوز, ربما لتكون شاهدا على أن الأهالي جميعا رجالا ونساء صغارا وكهول  قد رموا بالرصاص جميعا من على ظهرها وربما كان آخر شيء يقع عليه نظرهم ويودعونه في قريتهم ـ اللهم اجعله شاهدا ينطق بما حصل لآلَ آلَ قمش يوم تحاسب الناس لديك ـ أمر صغير أتاتورك رامي الرشاش بان يوجهه أولا نحو صدور الرجال, تمهل الرجل واحتار وفاضت عيناه بالدموع, اعتلى السيد العتبة وأشهر مسدسه في رأس الجندي وبزق في وجهه قائلا: إن من يبكي لا يستحق أن يكون من رجال أتاتورك رد المسكين سيدي إنهم قد رفعوا أكفهم إلى السماء يكبُرون, كان الحاج أحمد قد استطاع إن يخطو وهو مكبل خطوة ونصفها إلى الأمام واستدار نحو أهله ورفع صوته بعض الشيء قائلا وهو يبكي: أيها الناس تعلمون إن بيننا وبين الموت دقائق ولم يمهلنا هذا الطاغي أياما لنكمل شهر رمضان لهذا العام ارفعوا أيدكم إلى السماء قدر استطاعتكم وكبروا معي حتى نصلي صلاة العيد الذي داهمنا مبكرا, استدار الحاج أحمد وأمم المصلين وكبرت الحناجر العيد(الله أكبر.. لبيك اللهم لبيك)!!!!!.

الجزء الرابع

 

  سيدي أنهم يكبرون الله رددها الجندي مرة أخرى ودموعه تفيض, أيها الأحمق نحن هنا لنقتل فيهم العيد ورمضان والتكبير…(أن نكون في مؤخرة الدول الغربية خيرٌ من أن نكون في مقدمة الدول الإسلامية) ألم تستوعب هذا القول لوالدنا أتاتورك؟؟؟!!! ستطلق؟؟!! أو افرغ هذا المسدس في رأسك الغبي؟؟ غريزة الحياة فيه كانت أقوى ودفع بسبابته الملتفة على الزناد باتجاه الداخل وانطلق الرصاص كانهمار المطر في ربيع آلَ قمش صوب الصدور التي كانت ومع تكبيرات الله اكبر تتهاوى نحو الأرض ـ لا تقتلوا دابة قبل أن تنهي شربها فكيف يقتل الناس ولم ينهوا صلاتهم بعد ـ استمر الرصاص ممطرا ولم يمهل السيد جنودهم راحة بعد الانتهاء من قتل الرجال, على الفور أمرهم بالتوجه نحو النساء والصغار فالمعركة في لحظاتها الحاسمة ويجب أن لا يمنح جيش الله هذا فرصة النجاة أو الفرار!! أسكت الرصاص عويل وبكاء الصغار وبعض الزغاريد التي كانت تطلقه بعض النساء عندما كان يتهاوى بعض رجالهم من الشباب خاصة وعادة الزغاريد هذه متأصلة في الموروث الثقافي والشعبي الكردي منذ القدم حينما يقتل شاب أو يموت عزيز تيمنا بيوم عرسه ـ لم يبق أحد ليعد طعاما لآل جعفر فهم اليوم مفجوعين ـ صوت الرصاص الذي نقله الريح إلى الجوار قطع عليهم صمتهم وترقبهم الذي طال, ما الذي حدث ولما كل هذا الرصاص؟ لعله إطلاق في الهواء من أجل بث الرعب والخوف في النفوس؟ أو إن حقل للرمي قد اعد بالقرب من آلَ قمش وفيه يتم تدريب الجند واختبارهم؟ أو إن بعض ممن تطاردهم الدولة قد مروا من الجوار ؟ كان الناس هكذا يتصورون الأمر أو يتمنونه بينما حدسهم يخبرهم بأن أمر عظيم قد ألم بآلَ قمش وأهلها, أمر الطاغية جنده بالمرور بين الجثث و غرس الحراب في صدر كل من تدب فيه الحياة , وخاصة هؤلاء الملاعين الصغار الذين كنت ألاحظ إن العديد منهم ينتقل ونحن نطلق الرصاص هنا وهناك أو يحاول بعضهم التخفي تحت أجساد النسوة والاحتماء بها, لم يكن حقد الأوغاد قد شفي بعد فغرسوا حقدهم بالحراب من جديد في أجساد الجميع أحياء وأموات والتمثيل بها عبر بقر البطون وكشف العورات والعب بالأحشاء برؤوس الحراب, هل هؤلاء من بقايا ذرية تيمورلنك وجنكيزخان؟؟ كان جدي مع القليل من أقرانه نالوا نصيبهم من الحراب التي انتصرت عليها إرادة الحياة ,كتموا أنفاسهم وتخفوا تحت الأجساد التي غرقت في الدماء, وتحت الأجساد تسير الدماء خائفة لتشكل ساقيتين الأولى أسفل التلة جنوبا فيه يتجمع دم النسوة والصغار, والأخرى أسفلها شمالا حيث يتجمع دماء الرجال التي تسير ببطء لتلتف حول التلة وتلتقي بأختها ليمتزجا بماء النهر ويشكلوا جميعا جديلة حزينة تسير في الوادي نحو الجنوب, ألوان شقائق لنعمان من حينها غدت أكثر حمرةً على طرفي الوادي!! لا عجب فهي ترتوي من دماء آلَ قمش!!!؟؟كان أهالي علي بدران منشغلين بأعمالهم المعتادة , بدأ الدم يغلي في عروقهم حينما وشوش بعض الناس بأن أمرا عظيما قد حدث؟؟ أرسلوا رسلهم باتجاه الشمال وقبل أن يصلوا كانت الأنباء قدعمَت الأرجاء بأن آلَ قمش وعن بكرة أبيها قد أبيدت ـ وإذا آلَ قمش سئلت بأي ذنب قتلت ـ أمر الطاغوت جنوده بمغادرة ساحة المعركة وأخذ قسط من الراحة يتم تبادل التهاني خلالها بهذا النصر المجيد ورفع التقارير بذلك إلى القيادة في انتظار المكافأة, الأرواح تكمل رحلتها في الصعود إلى بارئها ورويدا رويدا تفارق الدماء الأجساد وتكمل رحلة سيرها في الوادي حيث تسرق الأرض قسطا منها لترتوي به, كان البعض ممن قدر الله أن يبقيه على قيد الحياة من النسوة والرجال والأطفال قد بدؤوا بلملمة جراحهم ومغادرة المكان خلسة والاجتماع في أقرب بيت, وعلى الفور قاموا بما توفر تحت أيديهم من أدوات بثقب الجدران الجدار تلو الجدار,كان البعض الآخر ممن استطاع التخفي في أماكن مستعصية من زوايا وأقبية وأكواخ الدواب يحاول أيضا أن يجد طريقه للوصول إلى الوادي ويتجه جنوباً بحثا عن الحياة, قدر الله لهؤلاء النجاة, و أعمى عنهم عيون الطغاة الذين طالت استراحتهم وسكرتهم فيها, نادى أحد الجنود: سيدي وماذا بشأن الجثث؟ وكيف سنتخلص منها؟ قهقه المتجبر بسخرية وقال: سيظل عقل الجندي صغيرا قدَ قامته, يا بني: أنت لا تعلم تاريخ هذه المنطقة, أنا أعرفه, اترك مصير ذلك لي, لم يعلم الجنود نية  سيدهم حينما أمرهم بلم الحطب وتفتيش البيوت من الداخل والخارج وجمع كل ما يمكن إن يتقد فيه النار, على الفور نفذ الجنود الأمر وجمعوا كل ما احتطبه أهل القرية وما في بيوتهم من ثياب, وظلوا في انتظار ما ستتفتق عنه مخيلة سيدهم!! وهم يتهامسون فيما  بينهم عن مقصده من كل ذلك, لم تطل حيرتهم حينما ناداهم: في قديم الزمان و على مقربة من هذا المكان وفي مدينة أورفا ادعى إبراهيم ـ الذي يدعي هؤلاء بأنه جدهم ـ النبوة وتطاول على سيده نمرود وقام بهدم التماثيل الآلهة التي كانوا يعبدونها, واسترسل في سرد قصة سيدنا إبراهيم…….

الجزء الأخير

 بعد إن فشل نمرود في نصح إبراهيم وردعه عن غيه وعصيانه حتى لوالده, كما فعل أصحاب هذه الجثث أو حاولوا أو كان في نيتهم أن يحاولوا عصيان والدنا أتاتورك ـ حاول الطاغي أن يذرف بعض الدموع على سيده أتاتورك ومن قبله نمرود واسترسل في الحديث بعد إن مسح دموع التماسيح عن عينيه ـ نعم.. أيها ألأولاد احتار نمرود في أمر إبراهيم وبعد إن فقد كل أمل بأن يعود إلى رشده أمر بجمع الحطب ـ كما فعلتم انتم الآن ـ وأخذ إبراهيم إلى أعلى القصر ورميه بين النار أمام مرأى من عيون القوم حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر, لذلك أوقدوا النار في جثثهم فقد اعتادوا ألأمر من أيام جدهم إبراهيم…الخليل…. قالها مستهزئا ولكن قبل ّذلك؟؟!!! إني أرى إن ما جمعتموه لا يفي بالغرض ألم يبق شيء ينفع للحرق, أراد أحدهم إن يجيب بالنفي؟؟ حينما سبقه آخر سيدي: كانت في البيوت نسخ من القرآن إلا إن البعض منعنا من جمعها بحجة قدسيتها واتجه بنظره صوب ذاك الذي أراد أن ينفي وجود أي شيء, أيها الحمقى ألم أقل اجمعوا كل شيء قابل للاحتراق على الفور جمع بعض الجنود نسخ المصحف من البيوت ووضعوها أمامه الذي سرعان ما قام بتمزيق بعضها أمام عيون جنوده والدهس عليها برجليه القذرتين, وهو يقول غاضبا: ألم أقل كل شيء لم يؤخرنا عن ركب الحضارة سوى ما في هذه الصحف من أقاويل عفا عليها الزمن,  ثم رمى بها فوق الجثث بعد إن أضرم النار في صفحات بعضها, على الفور سار النار في الهشيم الذي وزعه الجنود على الجثث التي بدأت تحترق وتنطلق منها رائحة اللحم المشوي وبدأ الدم يسيل تحتها من جديد وهو يغلي ـ يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ـ فهل يا نار كنت بردا وسلاما على آلُ قمش وأهلها؟؟؟ تصاعد الدخان وحمل الريح رائحة الدم المحروق والأجساد المتفحمة إلى الجوار واحتار الناس في الأمر ـ يا الهي ماذا يكون هؤلاء الأوغاد قد فعلوا؟ أبعد الموت هناك شيء؟ لم يكن يدري الناس بأن آلُ قمش تدفع ضريبة النبي إبراهيم وثورته على أصنام نمرود وأتاتورك من جديد , تحول اللحم إلى سوائل رفدت الدم الذي يجري في الوادي وغدت العظام رمادا ولم يبق سوى البعض الذي لم يتمكن النار من الوصول إليه وبعض السلك الشائك الذي كان يشد المعاصم إلى بعضها, فر الكثير من الطير بينما تهاوى البعض منها في النار وخاصة تلك التي لم تتعود الطيران بعد لصغرها, في آل ُ قمش نحر الطير والحيوان والشجر والبشرـ وإذا آلُ قمش سئلت بأي ذنب نحرت؟؟ وإذا آلُ قمش سئلت بأي ذنب حرٌِقت؟؟ ـ أمر بتفقد الجنود والعتاد بعد هذا النصر الذي لن ينساه التاريخ!! تاريخ دولة أتاتورك وأمر بالرحيل, وظل بقية عمره يتقلد الأوسمة والنياشين, وأصبح أحد أعمدة دولة الدم هذه, كان بعض الطير سباقا وحام حول المكان ومعه من الجبل نزلت بعض الحيوانات, وعلى الفور غادروا المكان بالصياح والعويل من هول ما رأوه, بينما كان من كتب لهم الحياة مستمرين في سيرهم وهم يحملون جراحاتهم وخوفهم نحو الجنوب وما كادوا أن يصلوا حتى كان لسان كل منهم يقول: دثروني …. دثروني, أي أغطية في العالم ستكون قادرة على أن تدثرهم وتلفلف شيئاً من بردهم وهلعهم,في آلٌ قمش اعدم الزمان والمكان,وما زالت الحياة معلقة فيها بين الخوف والرغبة في النسيان,  لم تقم على أرواح موتاها صلاة الجنازة,  ولم يجرؤ أحد أن يقيم لهم حتى صلاة الغائب,لا تقرأ على أرواحهم الفاتحة وان قرأها أحد فهو يقرأها و يلتفت يمنة ويسرة دون أن يقف أو يرفع كفيه إلى ألأعلى مخافة أن يلاحظه أحد, لم تقاد على أرواحهم الشموع, ولم تقم لهم أربعينية, ولم يحيي ذكراها أحد حتى بعد كل هذه السنين, يا الهي ما كل هذا الخوف المتجزر أم إن خوف الناس مبرر بعد هول الفاجعة, في الفاجعة لم يسأل الناس عن أي ذنب اقترفوه, ولم تقرأ عليهم لائحة الاتهام, ولم تعقد لهم محكمة ميدانية كتلك التي تنصب للجنود أيام الحرب والطوارئ, ولم يسأل الناس عن آخر رغباتهم, ولم يحضر رجل دين ليلقنهم الشهادة وبعض مما يحتاجه الميت في رحلته نحو الموت,تركت الأجساد المتفحمة في أماكنها حتى دون أن يكلف الطغاة أنفسهم مشقة دفنها أو حتى طمرها ـ إكرام الميت دفنه ـ حرفًها الطغاة إلى حرقه وليس دفنه, بقيت هكذا إلى إن أُخذ الإذن بالدفن,وكانت غاية الجناة ليست الرأفة أو الرغبة بدفن جريمتهم ولكن الغاية كانت هي وقوف بقية الناس على هول المحرقة لتكون عبرة لكل من تسول له نفسه, تدفق الناس من كل الجوار إ ـ الله أكبر ـ لم يتحمل البعض وهرب على فوره من المكان أراد البعض إن يتفقد عدد الذين افتقدهم ولكن ليس في المكان إلا رماد, استقر الرأي أخيراً على أن تطمر الأجساد في مكانها إذ ليس في المكان سوى الرماد وبعض العظام الهشة وشيء من السلك الأسود الشائك وبعد أن انتهوا من طمر مقبرة النساء تحولوا باتجاه جثث الرجال وكما كان الموت جماعيا كان كذلك الدفن, بعدها سورت كل مقبرة على حدة بالحجر الأسود وهي على ما هي عليه إلى لحظتي وصولي إليها بعد أكثر من ثمانين عام فقط, ليست الأمم والشعوب الأخرى على خطأ وهي تحيي ذكرى  أحد موتاها الذي مات ظلما أو تندبه حتى اليوم وبعد إن مرً على ذلك مئات أو آلاف السنين فقط كي لا تنسى وتزرع في أجيالها اللاحقة قصة موتهم ظلما !!! أزورها بعد كل هذه الحقبة وبين المجزرة والزيارة لم يحيي أحد موتاها الذين ماتوا ظلما ولم يكتفى بموتهم بل مثِل بجثثهم وحرقت دون أن يطمر رمادها, ولم يسأل الطغاة لحينه عن سبب جريمتهم,لم تنظم شهادات وفاة لهم, ألم يحن الوقت لنحيي موتى آل قمش ونطالب بمحاكمة الطغاة, ونفتح القبور بإشراف لجان دولية لنحصي موتانا ونتعرف عليهم ونضع لهم شواهد على القبور,ما تم في آل قمش إبادة جماعية وجريمة حرب ضد الإنسانية,فلما لا نطالب العالم باعتبارها كذلك ونقدم الطغاة لمحكمة جرائم الحرب, ونطالب أحفاد أتاتورك بتعيين هوية المسؤليين عنها وإلزامهم بتعويض ذوي الضحايا, كما تريد الشعوب الأخرى أن تحيي موتاها الذين قضوا في ظروف مشابهة, على يد طغاة الشرق أبيد الكرد بالسيانيد وهجروا وانفلوا وقتلوا بالرصاصات الحارقة المحرقة المتفجرة  ولم يسلموا من الموت والحرق حتى  في السجون ـ يا الهي هل قدرنا أحفاد إبراهيم الخليل أن نموت حرقا ـ ولكن رغم هذا وذاك تظل لمحرقة لآل قمش غصة ألم خاصة من حيث بعدي الزمان والمكان وناسها البسطاء العزل الذين لم يرتكبوا إثما أو يشعلوا نار ثورة أو يفكروا بدولة, تظل لهذه المجزرة نكهة ظلم خاصة  لذلك زوروا آل قمش وكتبوا لها القصائد وغنوها وتخيلوا لضحاياها التسعمائة والنيف صورا وارسموها واجعلوا منها لوحة تشكيلية تحكي المأساة,زوروا آل قمش وجردوها من كل هذا الخوف والصمت وأحيوها وابعثوا فيها الحياة , أوقدوا فيها الشموع وقفوا دقيقة صمت وحداد  لأني أزورها بعد أكثر من ثمانين عاما على المجزرة أزور آل قمش وأتساءل بين المجزرة والزيارة من يحيي موتانا؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!..
زوروا آلَ قمش وغنوا معها أغنيتها التي ترصد المجزرة والمأساة وهي الوحيدة التي ما زالت تحيي ذكراها وتحفر في ذاكرة الأجيال قصتها فقط كي لا تنسى؟؟؟؟؟!!!!!!
                                ذكرى آلَ قمش
 Biranina ale qemse
Ew sala ale qemse          jin u mer kirne hewse 
Wan wehse kure wehsa         ager berdane lase  
    Qir qire buke sale              xwin heriki newale
    (في آلَ قمش وبذلك العام جمعوا في * *  الدار الرجال والنساء وكل العباد
 اؤلئك الوحوش أولاد الوحوش * *  أضرموا النار في الأجساد
 مع صيحات وصرخات العرائس * * الدم يجري بغزارة في الواد)
Ew zaroke be guih li    wa sikandin ser u goh  
Qerp qerpe qere pace     ticar jibire me nace 
   Ji me kustin bav u xal     ji me girtin jin u mal  
 غرسوا في صدور الصغار   * *  كل حقدهم وغيهم بالحراب اؤلئك الأوغاد
      لن ننسى مهما امتد الزمان * * تلك الآهات التي سارت في السهول الو هاد
      سلبوا منا المال والعذارى وقتلوا * * فينا العم والخال ولم يبقوا حتى الأجداد)
De rabin tevde rabin      tevde weki birabin 
Rabin weki pilinga    dest bavejin tifinge 
Derde xemgin dejware     derman xwine neyare 
هلموا استفيقوا من هذا السبات * * وكونوا إخوة متحدين كالأوتاد
      هلموا حاربوا مثل الأسود * * ولتعانق أياديكم البنادق وتحقق الوعود
      فالجرح الأليم الذي ألم بنا ليس * * له دواء سوى دماء الأعداء في كل البلاد)

  ملاحظة: الترجمة تمت ببعض التصرف.

             

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…