آ لَ قمش ….بين المجزرة والزيارة من يحيي موتانا / الجزء الأول

المحامي محمود عمر

بين المجزرة والزيارة ” لآلَ قمش” مسافةُ من الزمن تتجاوز الثمانية عقود,وثالوث آخر من المسافات لا يستغرق كل واحدٍ منها سوى الساعة,في الأول تصل إلى آلُ قمش وأنت تجتاز سهول نصيبين شرقا وبموازاة جبال طوروس التي تبدو من خلال النظر كخطٍ يخترق اللانهائي, ومن خلال الثاني بإمكانك الوصول إلى قرية علي بدران متجها أيضا بمحاذاة الحدود شرقا ولكن هنا من مدينة القامشلي
الفرق بين الاثنين هو انك هنا تتجه جنوب الخط(بنخت) وضمن حدود الدولة السورية, وهناك تتجه شمال الخط(سرخت)و ضمن حدود الدولة التركية, الحدود التي رسمها سايكس وبيكو!!في هذين الثالوثين ولقطع المسافة أنت بحاجة إلى أن تقلك سيارة,  أما من خلال الثالث ـ ولولا الحدود ـ فتستطيع الوصول إلى آلَ قمش سيرا على الأقدام متجها إليها شمالاُ من علي بدران ـ اللعنة على الحدود ـ زرع بذور الفرقة والجفاء في كل شيء وقطع حبل المودة والتواصل بين ذوي القربى على طرفيه,فأصبحت العائلة عائلتين والعشيرة عشيرتين والأب سرختي والابن بنختي و كذلك الأخوة ـ مات جدي وآثار الحراب على جسده رافقته إلى القبر, هذا ما كانت ترويه لنا جدتي دوما عن حكاية جدي ومجزرة آلَ قمش, هناك وفي ذلك العام كان الثلج لتوه بدأ بالذوبان من على أعلى قمم الجبال والتلال العالية, ودجلة والفرات بدءا للتو رحلتهما السعيدة المعتادة كل عام في الفيضان,وبدأ الشتاء في لملمة خيمته آخذا الإذن بالرحيل لتدب الحياة في كل شيء وتخرج الأحياء من سباتها الشتوي الطويل وتستعد لاستقبال الربيع,  ربيع يعم فيه الخير والنشاط على كل المكان, ومعه كان الناس في عموم المنطقة و بخاصة في قرى ومدن وقصبات كردستان في انتظار ربيع آخر, وعدهم به أتاتورك حينما مرً عليهم في مدنهم وقراهم وطلب منهم مؤازرته وعدم الوقوف في وجهه وسعيه لبناء تركيا جديدة يتساوى فيه الكورد والترك, وعدهم برفع كل المظالم التي خلفها السلطان الذي زج بأبنائهم في مشارق الأرض ومغاربها و في حروب لا تخدم سوى ضعف السلطان وأهوائه, السلطان الذي أورثهم كل هذا الفقر والأسى, حلف بأغلظ الإيمان بأن دولته ستقوم على العدل والمساواة بين القوميات والأديان وسينعم فيها الناس بالرخاء والازدهار والأمان, صدًقه الناس وماذا بيد هؤلاء البسطاء سوى ذلك,كانت عهود أتاتورك وعقوده معهم مبنية فقط على اللسان , الناس حينها ما زالوا يعتقدون أن دستور الرجال لسانهم ـ  جدي هذا كان من الناجين القلائل من المجزرة, لحسن حظه إن صغر سنه ساعده بالاختباء تحت الأجساد حينا, وادعاء الموت كلما كان يقترب منه الطغاة حينا آخر, علما انه قد نال حظه الوافر من الحراب ولكن يبدو أن أيامه في الحياة ـ وكما يقال ـ لم تنقضي بعد, وصغر سنه هذا ساعده فيما بعد بالتعلق بثوب بعض النسوة  اللاتي كن يثقبن جدران البيوت البيت تلو الآخر بينما كلن الجند رمة غافلين في استراحة النصر ـ  نساءُ يحاولن النجاة بأرواحهن دون أن يمنحهم الخوف وغريزة الحياة فرصة الالتفات لصغارهن!!!! ـ العياذ بالله ـ هل هو يوم القيامة قد أصبح قاب قوسين أو أدنى في هذه القرية المسكينة,حتى تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها.

 أصل إلى آلَ قمش منتصف نهار شتائي يغطي فيه الثلج وجه الأرض و مع برودة الطقس وصمت المكان تحولت مشاعرنا إلى ما يشبه الكرة ثلجية  التي تتدحرج بسقوط حر من عل دون أن تدري إلى أي مصيرٍ سيؤول حالها ـ الله أكبرـ ما هذا الخوف الذي جعل كل شيء أسيرا له كل هذه السنين, وكأن الجنود قد غادروا لتوهم القرية, كل ذلك لم يمنعني من أن القي أسئلتي الكثيرة على كل شيء وقع عليه حدسي أو نظري من بشر وشجر وحجر وقبور, أدهشني الأمر؟؟؟ الكل يريد الهروب من الأسئلة!!  أو لا يريد أن يتذكر شيء مما حدث ـ ما الذي حدث؟؟؟ وما الذي فعله هذا النمرود ,ليمتلك الرعب المكان والزمان بعد كل هذه العقود ـ ها هنا وقبل ثلاث وثمانون عاما, وبالضبط في الرابع والعشرين من شهر نيسان عام أربعة وعشرين وتسعمائة وألف وفي شهر رمضان ـ ها هنا قامت القيامة حينما نصب أتاتورك من نفسه إلها , وأراد أن يحتفل بانتصاراته على طريقته الخاصة, حين كان يسعى لأن يمتطي صهوة حصان السلطة في تركيا, هكذا تبدأ القصة؟؟؟

 .

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

كاوا عبد الرحمن درويش

 

شهرٌ كاملٌ مرَّ اليوم على اجرائي عملية استئصال المرارة، شهرٌ مرَّ على مفارقة جسدي لقطعةٍ صغيرةٍ في حجمها، جبارةٍ عظيمةٍ في عملها.

عشت قبل توديعها صراعاً مريراً مع الألم الذي اعتدت على زياراته الثقيلة كضيفٍ غير مرغوبٍ فيه، لا يطرق أبواب مضيفه إلا بعد انتصاف الليل على مدار سنواتٍ عديدةٍ بلا رحمة ولاهوادة.

كنت…

أصدر الكاتب والشاعر والمترجم الكردي السوري عبدالرحمن عفيف مجموعة قصصية جديدة بعنوان “جمال العالم الموجود”، عن دار نشر “سامح” في السويد 2025، بتصميم غلاف من إبداع الفنان الكردي لقمان أحمد. المجموعة، التي تضم أكثر من ٣٠ قصة قصيرة، تأخذ القارئ في رحلة عبر تفاصيل الحياة اليومية في بلدة عامودا السورية ومحيطها، حيث تلتقي الشخصيات العادية…

عبدالوهاب پيراني

 

(عتيقة انت

كأنك رصيف في مدينة مهجورة

تركه المطر ليجف وحده

وترك لك خطوات الراحلين مثل آثار نوم

حين كتبتك

نزف القلم عطرا

وغصت الورقة بأسمائك القديمة

كان الزمان واقفا

يراجع ذاكرته

 

اعترف

لم اعد احتاجك

لكنني اشتاقك كما يشتاق الباب صوت الطرق

وكما تشتاق المرايا

ملامح من رحلوا

تظنينني نسيت

لكنني ما زلت اخبئك

في درج السرير

بين تذكرة قديمة)

 

في عالم تغلفه أنسجة الغربة والشتات، يخاطبنا لوركا پيراني بنص…

عبدالوهاب پيراني

 

تعد نضال سواس إحدى الوجوه السورية الفنية المبدعة التي رسمت بجرأة ملامح الألم والأمل في آن واحد، المعتزة بجذورها، حيث ولدت وعاشت ورسمت وكتبت، وازدادت قلقاً في ظل معاناة الوطن من الحرب والدمار، التي تركت بصمات لا تمحى ،وارهقت ذاكراتها البصرية واللونية، وحملتها الظروف إلى دروب الاغتراب، حيث فرض الواقع البارد للصقيع الاجتماعي…