إبراهيم حسو
على مدار أكثر من ربع قرن و الباحث السوري إبراهيم محمود يبحث هنا وهناك عن معنى آخر للكتابة النقدية، معنى يكون أكثر التحاما بالمعنى نفسه، لكنه وفي كل ما كتبه، أكثر من أربعين كتاباً، لا يجد المعنى إلا وهو محوط باللامعنى الدريداوي، فيحتار أي نوع من الكتابة إذاً يمكن أن يكون المعنى فيها أكثر من المعنى نفسه، لتصير الكتابة معنى من المعاني.
على مدار أكثر من ربع قرن و الباحث السوري إبراهيم محمود يبحث هنا وهناك عن معنى آخر للكتابة النقدية، معنى يكون أكثر التحاما بالمعنى نفسه، لكنه وفي كل ما كتبه، أكثر من أربعين كتاباً، لا يجد المعنى إلا وهو محوط باللامعنى الدريداوي، فيحتار أي نوع من الكتابة إذاً يمكن أن يكون المعنى فيها أكثر من المعنى نفسه، لتصير الكتابة معنى من المعاني.
ويبدو أن عملية البحث الجارية منذ كتابه النقدي الثالث (ماهي البنيوية) والتي كان يقلب فيها المدارس البنيوية مدرسة تلو مدرسة بغية الوصول إلى) حافة الكتابة) أو ذروتها، كما يقول جاك دريدا، تبدو هذه العملية متشعبة إلى درجة أن إبراهيم محمود يتوقف طواعية هنا عند هذا الحاجز و يتابع هناك خلف تلك الفسحة الشاسعة من طابور المصطلحات النقدية التي تزيد المعنى لا معنيتها إن صحت التسمية أو لم تصح، لا يعرف هذا الباحث (الراكض دائماً) التعب أو الهدأة من خلال مطاردته للمعنى، وان تعب فإنه يداوم على مراقبة كل جديد يظهر في جغرافية العالم النقدي.
وإذا كان معظم ما كتبه إبراهيم يندرج تحت مسمى نقدي عابر لا يثير لدى القارئ العادي شبق المعرفة المرجوة حسب ما يراه الكثير من (النقاد) العاديين الذين هم خارج دائرة المعرفة ومعنى المعرفة الذي صرف فيهما الباحث جل عمره الكتابي، منقباً عن ذهب المعنى وفضة المعرفة، إلا انه في كتابه الجديد والمثير (قتل الأب في الأدب ـ سليم بركات نموذجاً) يعطي لذلك الناقد والقارئ العاديين اللذين لا (يستثيران) حقيقة ساطعة وهي أن المعرفة هي نتاج مرحلة تاريخية والمعنى هو جغرافية المعرفة بكل تضاريسها.
في هذا الكتاب ثمة أفكار تطرح هكذا دون أن تكون لها سابقة معرفية، وإن بدت خيوط هذه الأفكار تتشابك وفق تزاحمها وتسابقها، ثمة فكرة القتل، ويقصد القتل بامتياز، قتل من ؟ قتل الأب المقتول، دون ممارسة القتل.. والقتل كما يقول إبراهيم محمود ليس أن يهيئ أو يهيأ لقتل ما، قتل عادي بدقة لازمة، إنما بقدر ما انه يدرك ما يعنيه الأب بالنسبة إليه، يدرك عطفا أنه لا يمكنه الارتقاء إلى مستوى الأب، دون أن يتلمس في ذاته قوتين هما قوة الطبيعة العامة الغريزية والقوة الخاصة به، و يبدو أن الباحث إبراهيم ينطلق في كتابه هذا من مفاهيم فلسفية ومن مدارس التحليل الذاتي والسيري ليقدم نماذج إبداعية إشكالية هامة قائمة على التعقيد والتيه والقلق، وأعتقد هنا تبرز متعة قراءة إبراهيم محمود ومغامرة القول في المقروء والمتحصّل منه.
يقسم الباحث الكتاب إلى أجزاء، وهي أجزاء متممة للبعض لتشكل بانوراما مفصلة عن حياة وأدب سليم بركات النثري والإبداعي، في الجزء الأول قراءة سيرية في سيرة المشاهد الموصوفة، شفافية السيرة المتماوجة وهذه الأرض المقبوض عليها، في المشهد الحيواني والمشهد النباتي وشهادات عيان جنسية وفي المسارد المكانية وتجلياتها في المشهدين الحيواني والنباتي وكذلك هناك بحث مثير عن المقاربات الجنسية في السير الذاتية والمسارات الشعرية بخاصة في ديوانه (بالشباك ذاتها، بالثعالب التي تقود الريح) وكتاب (البازيار) وكتاب (المجابهات) و(طيش الياقوت). أما في المسارات الروائية فيبحث الكاتب عن الأب المقتول في روايات (الريش و أرواح هندسية، ومعسكرات الأبد)، وفي اغلب رواياته المنشورة حديثاً، وفي الجزء الثاني يواجه سليم بركات قتلته من الكتاب السوريين أمثال أحمد حسيني ومحمد عفيف وإبراهيم اليوسف وطه خليل وحليم يوسف وإبراهيم حسو وأحمد عمر وآخرين، وهؤلاء الكتاب والشعراء القتلة من الصعب أن يكونوا آباءً في المستقبل يعني شعراءً ولا يستطيعون أن يكونوا أبداً في مقام الأب بمعناه العام المتداول، هؤلاء القتلة مسخوا الأب سليم بركات فصار سليم هنا ابنا استمراريا لاحقاً، يُنهب أدبه كما تنهب صورته الأبوية.. والمشكلة الكبيرة حسب رأي الباحث هي مع الذين يخلطون بين اعتباره والداً فينتسبون إليه بسهولة واستحالتهم في الانتساب إليه أباً في الأدب، لأنهم يجهلونه كأب تاريخي ولا يجرؤون على قتله، ليحلوا أباً بالمقابل، ومن الممكن قوله كذلك أن هذا الكتاب هو بحث معرفي بامتياز ويكاد يكون أكثر من ذلك بما أن المحرك الرئيسي لهذا البحث هو إشكالية فلسفية غير مطروحة للبحث أبداً وإن ظهرت تلميحات مشابهة في الفنون الإبداعية الأخرى.
الكتاب: (قتل الأب في الأدب ـ سليم بركات نموذجاً)
المؤلف: ابراهيم محمود
الناشر: دار الينابيع ـ دمشق ـ 2007
—–
—–
دمشق صحيفة تشرين /عالم الكتب
السبت 23 حزيران 2007
السبت 23 حزيران 2007