حوار مع الشاعر عصمت شاهين دوسكي

حاوره الدكتور: ماجد خليل – سورية
* سؤال قبل الأسئلة إذا سأل أهل اللغة العربية : من أنت جملة وتفصيلا، فبما عساك تجيبهم شعراً ونثراً ؟ 
– جرى على القلم الجمال المفتون
يبيح للحروف التمرد والحب المعنون
بلا جاه ومثوى سوى قلم وقرطاس مسجون
وإن أبدع في الأدب قالوا صاحبنا مجنون
* سؤالي الأول كيف ترى اليوم حال (أهل العربية) ؟ تراهم أضاعوها واتبعوا ما لا ترجى فائدته،أم أنهم حفظوها وقدروها حق قدرها ؟ ثم كيف هو حال الشعر العربي المعاصر؟
– سؤال من عدة أسئلة ويحتاج إلى إجابة طويلة ولكن الأدب العربي يضم الأعمال التي تكتب باللغة العربية ويشمل الشعر والنثر والقرآن الكريم جاء بالفصحى لغة قريش التي سادت قبل الإسلام ومع استمرار الزمن طغت الصياغة واللفظ والسجع وبعد أزمنة تضعف تارة وتسمو تارة بسبب الحروب والأزمات تركت هذه الإشكالية الزمنية عوالمها وأثرها على الأدب العربي المعاصر وكلما كان الأديب متمكنا لغة وصياغة وتعبيرا وإحساسا كان قريبا إلى الواقع وإلى القلوب وهذه مسؤولية وأمانة على الأديب أن يحملها بدقة والشعر العربي المعاصر يمر بمرحلة المخاض وقد يكون المولود الأدبي سليما أو مشوها بقدر من يحملون على عاتقهم منهجا تربويا ولغويا صحيحا رغم إني أرى ضعف الاثنين في الوقت الحاضر إلا ما ندر هنا وهناك .
* سؤالي الثاني هل بلغ الشعر والنثر العربيان اليوم بعضاً من ذروتهما قديماً ؟ وهل أخذا المكانة اللائقة بهما في عالم الأدب الراهن؟ 
– مثلما لكل زمان رجاله ،في الأدب لكل زمن أدباؤه فرسانه شعرا نثرا وما دام التجديد والتغير مستمرا يتغير الأدب على ضوء معطيات ذلك الزمن فلا ننسى القامات الشعرية في المعلقات وما تلاها من قامات شعرية إلى العصور التي حضنت البحتري والمتنبي وامرؤ القيس وإبراهيم ناجي والجواهري ونزار قباني والسياب وغيرهم فلكل عصر يأخذ الشعر مكانته مهما كان التردي أو الارتقاء .
* سؤالي الثالث هل ثمة بالفعل أجناس نثرية وشعرية عربية، أم أنه الأدب أو الشعر والنثر وكفى؟
– من خلال مطالعتي قرأت المسرحية الشعرية مثل مسرحية شموكين للأديب معد الجبوري والإحساس الشعري في قصة أهل الكهف لتوفيق الحكيم وقصص المنفلوطي والومضة الشعرية والتجديد مستمر في النفوس والروح  والفكر والأسلوب ولكن يبقى الشعر العمودي والحر التفعيلي له مكانة مميزة  .
* سؤالي الرابع ما حقيقة الأساليب النثرية والشعرية العربية قديماً وحديثاً؟ 
– الأساليب الشعرية اختلفت على مر الزمن وتشعبت عما كانت عليه في العصور الجاهلية والإسلامية منها ما كانت متوازية لها أو ناقصة شيء ما ولكن في العصور الحديثة وبسبب التغيرات العلمية والفكرية والأدبية أخذت أساليب كثيرة في القصيدة العمودية وزادت وتعقدت أكثر أسلوبا في النثر الشعري فأصبح لكل شاعر أسلوبه الخاص ومن المحال أن تجد منطقة وسطية بينهم لكل هذه الأساليب والمتاهات وطرقاتها المختلفة بين عوالم الأسلوب التعبيري الحسي والإيقاعي الداخلي الحيوي والدرامي والرؤية الشعرية  ثم الأسلوب التجريدي الذي يخلو من الإيقاع الشعري وإظهار الصورة السيريالية في مضامينها .
* سؤالي الخامس كيف ترى الرسائل الشعرية المتبادلة بين الشعراء؟ وهل سبق لك أن راسلت بعض الشعراء شعراً؟
– في قلادة الأدب العربي رسائل شعرية متبادلة منذ القدم رغم بعدنا عنها وفي العصر الحديث الرسائل الشعرية بين مي زيادة وجبران خليل جبران وبينها وبين العقاد والرافعي وأشهر وابرز رسائل شعراء القضية الفلسطينية الشاعر محمود درويش والشاعر سميح القاسم وهي حالة متجددة فكريا وحسيا وروحيا وإبداعيا ، أما أنا نعم راسلت بعض الشعراء شعرا وولدت بعض القصائد خلالها مثل قصيدة ميلاد نشوة وعفرين عروسة الياسمين ويا عازف الناي وقالت أحبك وغيرها .
* سؤالي السادس ما هي القصيدة العربية التي بقيت راسخة في ذهنك بعد أن قرأتها ؟ وهل من ديوان شعر سبق أن قرأته وتجد له مقاماً محموداً في نفسك ؟
– قصيدة المتنبي الخيل والليل والبيداء تعرفني ، 
أنَا الذي نَظَـرَ الأعْمَـى إلى أدَبـي
وَأسْمَعَتْ كَلِماتـي مَنْ بـهِ صَمَـمُ
أنَامُ مِلْءَ جُفُونـي عَـنْ شَوَارِدِهَـا
وَيَسْهَـرُ الخَلْـقُ جَرّاهَـا وَيخْتَصِـمُ
وَجاهِلٍ مَـدّهُ فِي جَهْلِـهِ ضَحِكـي
حَتَّـى أتَتْـه يَـدٌ فَـرّاسَـةٌ وَفَـمُ
هناك دواوين كثيرة قرأتها للبحتري والمتنبي والجواهري ونزار القباني والسياب لكل ديوان له متعة فكرية وحسية .
* سؤالي السابع ترى هل يقوم العنوان الشعري مقام القصيدة الشعرية ويشغل مكان الديوان الشعري؟ وهل هو بالفعل جزء منهما، أم أنه كائن مستقل بنفسه عنهما؟
– الاهتمام بالعنوان من الأمور المهمة الجادة وله تأثير كبير على القارئ فهو علم بحد ذاته والانطلاقة الأولى لعلم العنونة جاءت من خلال دراسة لعناوين الكتب في القرن الثامن عشر وتنسب إلى الناقد الفرنسي ليوهوك من خلال كتابه ” سمة العنوان ” الذي ابرز فيه المفاهيم العنوانية فالعنوان له قوة إيحائية ويقوم بمقام السؤال والنص يقوم بمقام الجواب والعنوان دال والنص مدلول ويقوم على أبعاد التجربة الأدبية للكاتب الثقافية والإرشادية والإشهارية وقد يعتبر العنوان نص صغير قبل الدخول إلى النص الداخلي الكبير فهو العنصر المثير الذي يحفز القارئ على متابعة القراءة .
* سؤالي الثامن ما القيمة الأدبية والنقدية التي تنطوي عليها المشاهد المرئية ، والأصوات المسموعة مقارنة مع سائر الذي يتم التعبير عن طريقه من شعر أو نثر؟
– أسلوب إيصال الفكرة الكلمة الرؤية اختلفت عن العصور الماضية فكان الشعراء يقدمون ويلقونها في تجمعات مثل سوق عكاظ وغيرها إلى أن تجلت في العصور الحديثة في مهرجات أدبية مثل مهرجان المربد في العراق ومهرجانات مماثلة في تونس والمغرب والقاهرة ولبنان وسوريا وفلسطين ومع تطور التقنيات المرئية والشبكة العنكبوتية واليوتيوب بدأت تصل إلى المشاهد في أي مكان في العالم أما النقدية ما زال النقد يحاول أن يجد القاسم المشترك بين كل هذه الاعمال الأدبية النتاجات والمنشورات فليس كلما ينشر أدبا وشعرا خاصة في التواصل الاجتماعي فالأدب له أصوله وجذوره الفكرية واللغوية والتعبيرية والرؤية وفي هذا الشأن كتبت قصيدة ” سفير بلا سفارة وأديب بلا أدب ” .
* سؤالي التاسع أما زلت تذكر أولى كتاباتك الأدبية، ؟ ما عساها كانت تعنيه تلك الكتابات وذلك النظم بالنسبة إليك بالأمس؟ وما الذي تدل عليه اليوم في رأيك؟
– لا أنسى الصبابة الشعرية الأولية لمحاولة إثبات شعري ذاتي
تلك المحاولات ولادات أولية ترسخ في مشاعر وفكر وإحساس الشاعر فتلمس الذاكرة وتستقر فيها احتفظت هذه البدايات  في مجموعة شعرية ” وستبقى العيون تسافر ” وما زالت العيون تسافر عبر سموات الأحداث الإنسانية والوجدانية .
* سؤالي العاشر هل صحيح أن الشعر العربي سيظل ديواناً للعرب دون منازع له في هذه الصفة أو منافس له في مكانته؟
– نعم سيظل الشعر العربي ديوانا للعرب مهما كانت منافسات فنون القول وأشكال الإبداعات المختلفة، باعتبار الآداب الأخرى تستفيد من الشعر عندما توظفه في سياقات أدبية مختلفة فهو متجذر في السليقة اللغوية لأصحاب الضاد .
* سؤالي الحادي عشر كيف تنظر إلى ضمير المتكلم “أنا” في الأعمال الأدبية النثرية والشعرية؟
– حينما يكون ” أنا تعادل نحن ” فهذا يعني الإيحاء السليم للآخر وفتح أبواب للتأويل المتقد بالجمال والفكر والإبداع  .
* سؤالي الثاني عشر ما نصيب الإلقاء الشعري من اهتمام وعناية الشعراء العرب المعاصرين؟ 
– الإلقاء وسيلة التواصل بين الشاعر والجمهور خاصة عندما يتمكن الشاعر من اللغة والأسلوب الذي يجعل المشاهد في فضاء من التناغم الفكري والحسي .
* سؤالي الثالث عشر ترى هل سبق لك أن صادفت في قراءاتك قصصاً وسيراً ذاتية شعرية؟
– نعم من خلال مطالعاتي لكتب وسير ذاتية لأدباء ومفكرين .
* سؤالي الرابع عشر ما الذي تراه في شأن صلة الأدب شعره ونثره بالخلق الرفيع؟ وهل تستوي دعوة من ينادي بأن الأدب يجب أن لا تكون له غاية سوى الأدب مع من يرفع صوته بالدعوة إلى أن يكون الأدب وسيلة من أجل الرقي بالحياة الإنسانية إلى ما يزكيها، والسمو بها إلى ما يحييها؟
– الأدب من أجل الإنسانية والارتقاء بها أينما كانت وليس هناك نظام يحدد اطر معينة مقيدة والأدب الرفيع أكثر صلة بالحياة وتغيراتها .
* سؤالي الأخير هل من سؤال أو أسئلة لم أهتد إلى بسطها في هذا المقام؟ ما عساه يكون السؤال أو تكون الأسئلة؟ وما عساها تكون إجابتك عليه أو عليها؟ 
– على الأديب أن يتقبل الآخر مهما كان وضعه ولا يمكن وضع الأدب في عنق زجاجة والتشبث بأطر ضيقة فالعالم واسع يكفي الجميع وكل أديب يدلُ بدلوه ولا يبقى في الأخير إلا الأصيل .
**********
أخي القارئ
هذه باقة حروف حوارية وضعتها برفق في مزهرية شعرية ، عسى أن يتقبل القارئ الكريم شذوها وأريجها بقبول حسن … 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

بطبعة أنيقة وحلة قشيبة، وبمبادرة كريمة وعناية كبيرة من الأستاذ رفيق صالح، مدير مركز زين للتوثيق الدراسات في السليمانية، صدر حديثا كتاب “علم التاريخ في أوروبا وفلسفته وأساليبه وتطوره”، للدكتور عصمت شريف وانلي، رحمه الله. والكتاب يعتبر عملا فريدا من نوعه، فهو يتناول علم التاريخ وفلسفته من خلال منهج علمي دقيق لتطور الشعوب والأمم…

خلات عمر

في قريتنا الصغيرة، حيث الطرقات تعانقها الخضرة، كانت سعادتنا تزهر كل صباح جديد. كنا ننتظر وقت اجتماعنا المنتظر بلهفة الأطفال، نتهيأ وكأننا على موعد مع فرح لا ينتهي. وعندما نلتقي، تنطلق أقدامنا على دروب القرية، نضحك ونمزح، كأن الأرض تبتسم معنا.

كانت الساعات تمر كالحلم، نمشي طويلًا بين الحقول فلا نشعر بالوقت، حتى يعلن الغروب…

عبدالجابر حبيب

 

منذ أقدم الأزمنة، عَرَف الكُرد الطرفة لا بوصفها ملحاً على المائدة وحسب، بل باعتبارها خبزاً يُقتات به في مواجهة قسوة العيش. النكتة عند الكردي ليست ضحكة عابرة، وإنما أداة بقاء، و سلاح يواجه به الغربة والاضطهاد وضغط الأيام. فالضحك عنده كان، ولا يزال يحمل في طيّاته درساً مبطناً وحكمة مموهة، أقرب إلى بسمةٍ تخفي…

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…