المعرفة تعوق المعرفة

ابراهيم البليهي

إن المعرفة التي يُحَصِّلها أي شخص مهما تكن ليست فقط غير كافية، وإنما المعرفة الخاطئة السابقة تعوق قبول أي معرفة صحيحة لاحقة …
لذلك علينا أن ندرك أن من أعمق المشكلات البشرية التي يغفل عنها أكثر الناس؛ أن كل معرفة سابقة مهما كانت خاطئة؛ تعوق قبول أي معرفة صحيحة لاحقة. ومن هذه المعضلة؛ تنشأ معظم الأوهام والتنافرات والخلافات وسوء الفهم لأن الشخص لا يكون مستعدا لتغيير فهمه  ….
كنت مرة أتحدث مع أستاذ جامعي وذكرتُ رأيًا للفيلسوف الألماني فشته فبادرني بما يظنه تصحيحًا فقال: تَقصد نتشه فقلت له بل فشته فكرر بأنه لا يوجد فيسلوف باسم فشته أو فخته وإنما هو نتشه ورغم أن الأمر لا يتعلق بفكرةٍ قابلةٍ لتعدد الفهم وإنما يتعلق باسم سخص لا مجال فيه لتعدُّد الرؤى إلا أنه بقي مصرًّا على ما استقر في ذهنه ….
إن أية معلومة أو تصور حين يستقر في الذهن فإنه يتحكم بما يُقبل وما يُرفض …
إن هذه المعضلة قد باتت معروفة على مستوى العلم. وكما ينبه العالم ادوارد دي بونو في كتابه (تعليم التفكير ) إلى هذا العائق فيقول:
((تقوم المعلومة الأولى بتغيير حالة العقل بشكلٍ  يجعل المعلومة الثانية؛ ترتبط بها أو توافقها. وبهذه الطريقة يتم بناء الأنماط الذهنية))
ويقول د فاخر عاقل في كتابه (سيكولوجية الإدراك):
((إن المعلومات المبدئية؛ تكون إطارًا ومفتاحًا للمعلومات التالية. وإذا كانت المعلومات التالية مخالفة للمعلومات الأولى؛ فإنها تُلوى لتناسب المعلومة المبدئية ))
إن هذه الحقيقة عن العقل البشري، وكيفية تعامله مع المعارف اللاحقة؛ هي حقيقة مفصلية لكن أكثر الناس يجهلونها ويترتب على هذا الجهل مشكلات لا نهاية لها سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى الجماعات أم على مستوى الأمم …..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مصطفى عبدالملك الصميدي/اليمن*

تُعدّ ترجمةُ الشَّعر رحلة مُتفَرِّدة تُشبه كثيراً محاولة الإمساك بالنسيم قبل أن يختفي سليلهُ بين فروج الأصابع، بل وأكثر من أن تكون رسماً خَرائِطياً لألوانٍ لا تُرى بين نَدأَةِ الشروق وشفق الغروب، وما يتشكل من خلال المسافة بينهما، هو ما نسميه بحياكة الظلال؛ أي برسم لوحة المعاني الكامنه وراء النص بقالبه…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

تَتميَّز الرُّوحَانِيَّةُ عِندَ الكاتب اللبناني الأمريكي جُبْرَان خَليل جُبْرَان ( 1883_ 1931 ) بِعُمْقِها الفَلسفيِّ، وقُدرتِها عَلى تَجاوزِ الماديَّاتِ ، والتَّعبيرِ عَن الحَنينِ إلى مَا هُوَ أسْمَى وأرْقَى في النَّفْسِ البشرية . وَهُوَ يَرى أنَّ الرُّوحَانِيَّة لَيْسَتْ مُجرَّد شُعورٍ أوْ طُقوسٍ تقليدية ، بَلْ هِيَ حالةُ وَعْيٍ مُتكاملة…

ابراهيم البليهي

من أبرز الشواهد على إخفاق التعليم الذي لا يقوم على التفاعل الجياش عجزُ الدارسين عن اكتساب السليقة النحوية للغة العربية فالطلاب يحفظون القاعدة والمثال فينجحون في الامتحان لكنهم يبقون عاجزين عن إتقان التحدث أو القراءة من دون لحن إن هذا الخلل ليس خاصا باللغة بل يشمل كل المواد فالمعلومات تختلف نوعيا عن الممارسة…

خلات عمر

لم يكن الطفل قد فهم بعد معنى الانفصال، ولا يدرك لماذا غابت أمّه فجأة عن البيت الذي كان يمتلئ بحنانها. خمس سنوات فقط، عمر صغير لا يسع حجم الفقد، لكن قلبه كان واسعًا بما يكفي ليحمل حبًّا لا يشبه حبًّا آخر.

بعد سنواتٍ من الظلم والقسوة، وبعد أن ضاقت الأم ذرعًا بتصرفات الأب…