فوارغ الرصاص

أفين أوسو

نهضت بتثاقل هذا الصباح
أمعنت النظر في الرطوبة، التي تمتدّ فوف رأسي كغيمة من الأحجار
مددت يدي أنبش عن نظارتي بين جثوة أعقاب السجائر، التي هي مضاد لخسائرنا
تراجعت؛ فلا رغبة لأن أرى الأشياء بوضوح
لا بأس بوجوه ضبابية، في حيّ لا يستحقّ الدقة والصفاء.
في أيام البؤس لا فرق بين الشروق والمغيب
سوى تمريرة حلم ربما تحمل ترسبات سلام
لا داعي لدخول المطبخ، ولا الحمّام في بلد لا ماء به ولا كهرباء
نزلت السلالم، وصخب الجارات يودّعنَ أطفالهُنّ للمدارس يصدح المكان
لا عجب نحن أبناء المواعيد التي تغتالها الموت
ولقاءاتنا كلُعبة مقامر في جولة حسم
عند مدخل البناء صادفني طفل في الخامسة من وجعه
في يده علبة أكلَتْ نصف جسده الصغير
يمشّط الأرصفة، ينعتي طفولته كعجوز على كتف الانتظار
وجهه الباسم وخز في ندبتي ألف سيف
كدت أغفو بين راحتي النسيان، لكني صحوت على عويل ذاكرتي
استحضرت شياطين الذاكرة وجهك الباسم قبيل الوداع الأخير
ابتسامة تشوبه أشواك وغم وبركان
تجاهلته، ومضيت وأنا أستعيذ من وجهك يستحوذني
وددت لو أصفعه كإمام يكسر منبّهاً تسبّب في إيقاظه للصلاة
حرّكتُ أصابعي داخل جيوبي الفارغة
كغريق تمسّك بمجداف نجاة، تحسّست عملة ورقية مكوّرة ملتصقة، وكأنها استحمّت مراراً مع البنطال
خمسمائة ليرة تكفي لكوب قهوة ترخي قبضة الحنين على عنقي
استوقفني صوت متحرّج ينادي: «من مال الله يا محسنين»
نياط صوتها الباكي استفزّ مكامن الوجع بي
رمقتها، كانت كسيحة نحيلة، والفقر يمطّر من محيّاها
وجنين مقمّط بين ذراعيها
قالت: «حسنة لوجه الله»، وهل سباقنا للموت من الحسنات؟
اقتربت منها لتضح الرؤية
أفجعني الحزن الجاسم في عينها، ونكئت بجراحي توسّلاتها
كانت كوجه انكساراتك يوم الوداع
كيف أمسكتِ بيدي تتقيئين الحلول، وتلدين ألف أمل هزيل من رحم المستحيل بمخاض مميت
أدرت لها ظهري، كما فعلتُ بكِ
وأمطرتني بوابل من الدعوات
شعرت بكلماتها ككتيبة نمل تأكل رأسي
أدلفت لداخل المقهى، وصوت فيروز ينادي دون تقاعس «وينون صار في وادي بيني وبينن»
لم يجهض المسافات حبّنا
لم يفرقنا، لا وديان، ولا جبال
بيني وبينك تقاطع طريق، وفرسخ قدم
لكن صوتها
أخذني من يدي لمدينة ألعاب كبيرة، أيام الأعياد في عين طفل ممزّق الثوب وحافي القدمين، لا يملك للسعادة ثمن
يسرق لاهثاً النظر في ضحكات الأطفال
أمسكت برأسي وهباب محرقة تنثر المكان
رحت كمصوّر حرب، أجمع صور أطفالي، وأنبش عن وثيقة تثبت إعلاناً للسلام
كمَن أقلع عن التدخين، يرى كل الوجوه سجائر وتبغاً
وأنا أرى في وجوه السحاب والمطر ملامحك المبعثرة في الواجهات
يا سيدة فيروز، نحن نجيد ترويض الحبّ، ولكننا لا نملك ثمن إسطبل تأوي قلوبنا
ماذا لو كان بيني وبينها في هذا الصباح أطفال
ببطون خاوية، وأبدان تكسوها خرق من قماش
سيدتي:
الحبّ وحده لا يدفع بختامها يتزوج العشّاق
بيني وبينها
مهر
وزفاف
ومأكل
وملذات حياة…
في وطن نحن فيه حشوة بنادق وفوارغ رصاص…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

الهرمنيوطيقا وما بعد الهرمنيوطيقا هما مفهومان مركزيان في الفلسفة والعلوم الإنسانية يتناولان فهم وتفسير النصوص والمعاني والظواهر الثقافية. وفيما يلي السمات والخصائص والاختلافات بين هذين المنهجين:

 

الهرمنيوطيقا. الخصائص والمميزات:

التعريف:

الهرمنيوطيقا هي فن وعلم التفسير، لا سيما للنصوص واللغة والمصنوعات الثقافية. تعود جذوره إلى الفلسفة القديمة وتم تطويره في القرنين التاسع عشر والعشرين.

 

الجذور التاريخية: للهرمينوطيقا جذور تاريخية…

الشيخ صبحي نابو

 

الإيزيدية هي مجموعة عرقية ودينية قديمة . وهي ديانة توحيدية غير تبشيرية، تعتمد على مفاهيم روحانية خاصة بها، حيث تؤمن بوجود إله وأحد خالق للكون، وتقدس الملائكة السبعة النورانين و أحترام جميع الأديان والمعتقدات.

تتميز الإيزيدية بعاداتها وتقاليدها الفريدة التي تتوارثها الأجيال، مما يجعلها من الديانات الغنية بالتراث والثقافة التي تدل على تاريخها الممتد…

جمال البرواري

 

صدر من مكتبة كازي بوك كتاب ” فرحة السلام – من الشعر الكلاسيكي الكوردي للشاعر عصمت شاهين الدوسكي تصميم الغلاف الفنان الكبير نزار البزاز الطبعة الأولى رقم الايداع في المكتبة العامة في دهوك 25/2525 156″ صفحة ” حجم متوسط ..يستهل الكتاب بشكر للأستاذ الكبير دلخواز موسى محمد مدير الثقافة والفنون في زاخو لمساهمته مشكورا…

رياض عبد الواحد| العراق

يمكن أن نلج إلى هذه المجموعة من منافذ عديدة، أولها ثريا المجموعة/ أقدحُ شررَ الكلام، تحليل الجملة “أقدح شرر الكلام” يمكن تقسيمه إلى ثلاثة مستويات: فونيمي (صوتي)، ودلالي (معنوي)، ونحوي (تركيبي).

التحليل الفونيمي (الصوتي):

الكلمة: “أقدح”

الأصوات الصامتة: (همزة)، (قاف)، (دال)، (حاء).

الأصوات الصائتة: (فتحة قصيرة).

البنية الصوتية: همزة قطع في البداية، يتبعها صوت قاف انفجاري…