الطريقة التي يحلم بها المذاق: سلسلة الزهور الذابلة – الجزء 1

آلا رضوان حسين*

سأخبركَ قصة عن الغد. أطلب منك أن تبقى هذه الحكاية بيني وبينك، فقد تسمع الجدران الهمسات التي تجمع بيننا. الصمت الكئيب يحمل مساحة كبيرة للكلمات غير المنطوقة والأفكار بصوت عالٍ جدًا. في بعض الأحيان يمكنك سماعها إذا استمعت عن كثب؛ تمتمات الجدران. الهمهمة الناعمة لأصواتهم يتردد صداها عبر الغرفة في أذهاننا، بارانويا لا صوت لها تلاحقنا. لقد سمعت ما يقولونه ورأيت الرؤى التي يستحضرونها. حية للغاية بالنسبة للظل البسيط لأفكاري؛ التي افتعلها عذاب داخلي. يخبرونني بما يشعر به الغد، ويبقيني مستيقظًةً في الليل. لم تعد غمغماتهم خافتًا، بل بصوت عالٍ مثل قعقعة الأرض عند قدمي الضعيفتين ؛ يجرُّني إلى أحضانها القاسية والمظلمة.
شعريٌ متشابك في عُقَدٍ وتقلبات لا أفهمها، لكن أصابعكَ تعيد تنظيم الأكاليل المتكونة على رأسي ؛ استرخاء ضفائر العزاء ، وكذلك أنا لمسة رجل نبيل. بحار مع سفينته. أشعر بالراحة في التحول، تتوسع أطراف كتفي، وتمزق الأجنحة من خلال ظهري – حتى يتم تحريرها. غيوم بيضاء تغلف السماء. هي أثقل مما تعتقد. كثيفة مثل الأرض الفاسدة التي ولدت منها. الآن، أنا في الهواء. ثمة طيران. هناك شيء غريب في الطريقة التي تنظر بها إلي. أتساءل هل تريد أن تأتي معي؟
أملأ جيبي بالأحجار الكريمة والصدف وأغرق نفسي في حمام الشباب الأبدي. السائل يبتلع بشرتي، يتدفق في صدري، ويقيم معسكرًا بين أقفاص ضلعي. الأشياء في جيبي تسحبني إلى الأسفل ، فالأسفل ، فالأسفل، عميقًا في أعماق اليأس. أنا لا أتنفس. لست بحاجة إلى ذلك – لأن الخياشيم قد تكونت على جانب صدري، مما أدى إلى تمزيق بشرتي الناضجة. أنا أسبح عبر مساحة شاسعة. أطرد قطع التعفن التي مزقتها دموع الحزن والألم، تلك التي كنت أخفيها داخل غابة الأشجار التي تركتها ورائي. بكيتْ السماء دموع حزينة، تساقطت على رأسي. شعرَ عقلي بالتطهير أولاً ، وأغرقَ عذابي في أشياء فارغة. كان أول شيء يتم تخديره. 
غدا نشعر وكأننا نجلس أمام بعضنا البعض. عيون مغلقة، ونحن ندرس الأسرار المخفية وراء حدقة العين. نحن لا نتنفس، خائفين من ترك بعضنا البعض. أنت الأكسجين الذي أتوق إليه، وأنا لك لتلتهمني بالكامل. أجسادنا لا تُلمس، لكن أرواحنا متشابكة في الرقص اليائس الذي حفظناه. الواحد المحفور في راحة أيدينا. بالتشبث بآخر في وسط الفراغات والحشود التي لا معنى لها، نحن اللذان يتحدثون عنهما بنبرة هادئة، مفتونون ببؤسنا. تغني أرواحنا أغنية عن مصيرنا اللعين، وتردّد دقات قلوبنا المتزايد للإيقاع. مسرعة. سريع جداً. نحن نتحرك بسرعة كبيرة. يصبح الحشد الذي لا معنى له ضبابية من اللون القرمزي والرمادي، وتشكل المساحات الفارغة حاجزًا. تتلاشى رؤيتي وأنا أغرق. لماذا ابتسمتَ عندما سمحت لي بالذهاب.
رئتي سوداء ومحترقة ولا يجب أن أكون قادرة على التنفس ولكن الشمس والماء ولدت نبتة وفجأة أصبحت في حقل من الأشجار ورئتاي جالستان بجانبي.
غداً ثمة حلم وما لاأزال نائمةً.
*تكتب باللغة الإنجليزية وتقيم في دبي/ الإمارات 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…