غريب ملا زلال
ملك مختار تعمل بصمت، بعيدة عن كل ضوء و كل ضجيج، تتجنب الأماكن الصاخبة، تختفي طويلاً و تغيب، لتفاجئنا فيما بعد بحركة غير طبيعية بأن غيابها لم تكن إلا لتكون في رحاب ما تحب، في رحاب فنها و موسيقاها، تفاجئنا بنشاطها الكبير و بهذا الكم من الطاقة التي تحملها، فكأنها قادرة أن تقطع المحيطات مشياً، تكره الدوامات و لا تقع فيها، لا تتعب طالما تنبض بموسيقا ألوانها، فمن معرض فردي قدمته في مدينة السليمانية بعنوان ( الصمت المباح ) ما بين ( 26-30-08-2021 )، إلى تنفيذ فكرة راودتها حين وقعت عينيها على أطفال يزورون معرضها مع ذويهم، و مع إنتهاء معرضها آلت إلا أن تنفذها على الأرض،
ففي حديقة آزادي بالسليمانية، و على مقربة من ضريح الشاعر شيركو بيكس جمعت أطفال اللاجئين السوريين في المدينة المذكورة لتنفذ معهم عملاً جماعياً على إيقاعات قصائد بيكس، عملاً بقياس كبير شارك معها في رسمه و تنفيذه العشرات من هؤلاء الأطفال الذين كانت البسمة لا تفارق قلوبهم، و تزين وجوههم، البسمة التي لم أرها منذ عقد من الزمن، نفذت عملاً بات الآن من مقتنيات محافظ السليمانية و تزين إحدى صالونات مبناه، إلى المشاركة بسيمبوزيوم السليمانية الثالث ما بين ( 3-09-09-2032 ) الذي ضم ثمانية عشر فناناً و فنانة من كورد سورية و كورد العراق، فخرجت بثلاثة أعمال تخضع لأسلوبها، أقول ملك مختار رغم ظهورها القليل، تخضع لأشد لحظات الإبداع إندفاعاً و مضاء، تشرع بالصعود على سلم الألوان و هي تردد جملتها الألوان نغم فتنثال عليها الموسيقى انثيالاً، أقول تغيب مختار و كأنها معزولة عن العالم، و حين تشرق و كأن الأرض كلها ملكها، تتعاضد مع نفسها و تتماهى في ذلك على شكل لوحة، نعم تقفل بعض الأبواب لتكون بالمطلق مع ملفوظاتها الجمالية و ما ترسمها من علاقات قيمية فيما بينها، تغيب كما تغيب الشمس بهدوء، و تشرق كما تشرق الشمس فلا تستكين، بل كادت أن تتحول إلى ورشة عمل كاملة، ورشة من لون و نور، لا تنتظر الحياة بل تمشي هي إليها لتكشف النقاب عن خطواتها و ما تزرعها من جمال، و إن كانت رهينة لبساطتها الغنية بالمعرفة، فهي تنثر الألوان في مجادلات المكان على نحو أنيق، لا مراوغات لديها و لا خدع، فكل ريشها توحي بمكنونات روحها النفيسة .
ملك مختار موسيقية قبل تكون تشكيلية و لها باع في ذلك، و تشكيلية قبل أن تكون موسيقية فكان يسري في عروقها دم ملون سرعان ما كان يدير كل لحظات التعالق و التشابك بينهما ( اللون و الموسيقا )، بل تعقد إتفاقاً بينهما ليصبحا نصاً من سلالتها تعلن عنهما بلوحات فنية حيناً و حيناً بمؤلفات موسيقية ترفض الجهر بها الآن،
و لهذا فمجمل أعمالها إن كانت المنجزة هنا، أو ما قدمته في معرضها الفردي الأخير في السليمانية معزوفات لونية، معزوفات كفيلة بقيادة مقولاتها و تهريبها إلى دروب مؤدية إلى جمالية النص و إبداعيته، بعيدة عن صخب العصر و مآزق ملامحه، و كأنها تلفظ لحظة المكاشفة الفنية برؤية تتعمد أن تخبرنا بها عن منابتها فيما هي تتشكل و تتكون، حتى كادت أن تبلغ درجة معمقة من التكثيف اللحظي و ما يحدث فيها من دلالات مباغتة، فتحرث الحقل بطريقة تجعلها تتعايش معه سوية في ظل خطاب قابل للترجمة إلى مساحات حاسمة في التحول و التراكم، فلا تبدو فيها خلخلة بل تبدو أكثر هيمنة حين تمضي إلى داخل الذات كمرحلة تحمل كل الإمكانيات حتى يكون المنجز ناضجاً دون إقصاء أي جانب تدليلي منها / عنها، فهي تطلق عملها و كأنها تعزفها بألوانها فهي على يقين بأن للموسيقا ألوان، و للألوان موسيقا، و بأن السلم الموسيقي المبني على مقامات سبعة هي ذاتها ألوانها الأساسية السبعة فتقوم بتوزيعها على فضاءاتها و كأنها تبلورها بمقامات لا تخدش جمالها بل تزيدها عذوبة، فهي و بلا مواربة لا تغلق منجزها بل تتركه يصدح بالمكان و كأنه ينشد نشيد الإنشاد .
ثلاث معزوفات لونية هي مؤلفات ملك مختار في هذا السيمبوزيوم، ثلاث معزوفات بثلاثة ألحان تثير كل منها في حواسنا إمكان الإحساس بالشكل و القدرة على إطلاق الخيال، و إثارة التوقعات و إشباعها، إثارة التوقعات المرتبطة بكل نغمة فد تحدث و قد ترتقي في الوقت نفسه عند كل المستويات، و قد يحدث تغيير في الإيقاع أو تذهب في إتجاه معين لكن الأهم وجود ذلك التآلف بين النغمات جميعها مشكلة لحنها المنشود، فهي تعزف باللون، و تلون بالموسيقا لا تستطيع الفصل بينهما، ركنان عليهما تبنى نصها الجمالي، النص الذي يكتسي إدراكات خاصة تحاول إستكشاف بعض المتغيرات الخاصة بالجمال، و تلك الأشكال المتآزرة معاً، المربوطة و المشدودة معاً، نص يبعث على التأمل الذي يحملك بذوقك الفني الرفيع إلى الإستماع إلى إيقاعاتها و نغماتها، بمسافاتها و جذورها التي تضرب عميقاً في رحاب ذلك المتخيل الذي تسير إليه و هي تستلهم رموزه بالوقوع على لحظاته التي تنتشلها من سطوة الصدى، فتعيد صياغته و إنتاجه بما تنزّل عليها، هذه التصورات التي تظهر لديها نلاحظها عليها و هي غارقة بأصابعها في رحلتها الجميلة، ما إن تنسى ما يحيط بها حتى تتحد بعملها، كل منهما ينبض بالآخر، تخالها و كأنها في عراك مع ذاتها حيناً، و حيناً متصالحة مع تلك الذات إلى بعدها الأقصى، تحتار و أنت تتأملها و هي في لحظات الخلق تلك من يرسم من، هي التي ترسم نصها أم النص يرسمها، ستجيب على ذلك حين تقترب من الخروج من الحالة و تجد الألوان يحتفي بها من أصابعها إلى ما تلبسه ستقول حتماً كل منهما رسم الآخر، و هنا تأتي المواجهة فكليهما يحتفي بتوسيع الدائرة المباحة للآخر .
ملك مختار
من مواليد معبطلي – عفرين – سورية .
2005 درست الموسيقا في معهد خاص .
2010 ساهمت مع بعض الأصدقاء في تأسيس معهد و دار موسيقي في معبطلي خاص بتدريب و تعليم الأطفال .
2010 ساهمت بتأسيس فرقة موسيقية بعفرين، و عملت كمدربة و مصممة للوحات الفولكلورية الراقصة، كما ساهمت في تأسيس كروب دم هر دم .
درست الفن التشكيلي دراسة خاصة .
من معارضها الفردية :
2018 في فيبورغ / دانيمارك .
2021 في السليمانية / كردستان العراق .
و لها العديد من المعارض المشتركة في أوروبا، كما لها مشاركة خاصة في متحف ستراسبورغ بفرنسا .