جيل الاغتراب الأكبر………! الأسد يطلق النار على المستقبل أيضاً

إبراهيم اليوسف

إلى الطفل السوري

لثقل وقع سفك دم إنساننا السوري، وإزهاق روحه، ودمار مكانه، تحت وطأة الطائرات التي ترمي براميلها- المتنتة- والصواريخ، والمدافع، والدبابات التي سوت العمارات الشاهقة بالأرض، والحياة بالموت، والوطن بالمهجر، توزع السوري على معسكرات اللاجئين في دول الجوار، وابتلعت الأنهار، والبحار*، والحفرالمتشكلة على عجل أشلاءه، كي تتداخل تفاصيل جسدالكبير بالصغير، الرجل بالمرأة، إلى حد التماهي، وتغيب عن مسرح الوجود، بلا أرقام، وبلا شواهد، كي يعلي الغاز الكيميائي رأسه- بين وقت وآخر- ويضيف قافلة من سلالته إلى الرقم الكبير المتزايد مع عقارب الساعة،

 ينافس في ذلك المجزرة الأكبر، وحفلة الإعدام الجماعي، في الجامع، أو الجامعة، في السجن أو المدرسة، في الفرن أو الملجأ، لافرق، ما جعل الأربعة والعشرين مليون سوري، وهم في رحلة التلاشي-حسب مخطط النظام القاتل- موزعين بين آلم المصائر: الموت، والهجرة، أو انتظارالمصيرالمجهول، وهي ثلاثية متساوية في طعم مرارتها، ووطأتها، وفجائعيتها، مالم يكن قاتلاً، ينفس عما يعيشه، بالانتقام من الإنسان، حيث تلك سنته، وذاك ديدنه، منذ أنيط اللثام عن وجهه، وباتت جيفة روحه مرئية الملامح، لمن حوله، كماهي، وهوالذي يتخذ القاتل من سلوكه جواز سفرإلى فعلته التي لم يشهد لها موقع في تصانيف الإجرام من قبل..! .

وبدهي، أن مقدمة- كهذه- كافية، كي تبين ما آل إليه السوري، وسورياه، أمام أعين العالم الذي يسهم في قتامة حاله، ولحظته، وسدّ الآفاق من حوله، إلى الدرجة التي لاخيار فيهاأمامه إلى أن ينتمي إلى دورة القتل، اللغة الوحيدة التي فرضها النظام، وهويسجل احتمال نجاته، من خلال المزيد من دماء الأبرياء، إلى الدرجة التي لم يعد يهمه أحد، إلا: كرسيه، وتتضاءل دائرة المعنيين به، إلى درجة التفكير بمن يتدرَّأ بهم، فحسب..، وهم في الأصل”أي في عرفه” ليسوا إلا وسائل من أجل نجاته، وكرسيه ذياك، وهي مفارقة كان طرحها- مشوباً بالشك من قبل بعض المراقبين- ممن باتوا أنفسهم يشهدون ترجمة كل ذلك، بعد أن سقطت ورقة مزاعمه و أمات طروحاته الكبرى التي لم تكن لتختلف عن الدرايا الآدمية التي بات دفعه لها، إلى التهلكة، حيث بان للعالم كله، أن صموده كان على الكرسي وللكرسي، وبالكرسي،، وان تصديه ما كان إلا في وجه من يهدد كرسيه، ومامقاومته إلاضد كل من هم محتملو المنافسة، على الكرسي، أو ممن يمتلكون حوامل فكرية، رؤيوية، قد تتلاقح مع الفضاء الاجتماعي، فتنتش بذرة الوعي بنسف فكرة أبدية الكرسي، للمكرس له، ولسلالته من بعده، كي تكون البلاد”سوريا الأسد”، وكي يكون السوريون سوريي الأسد، والسوري هنا:الأضحية، والقربان، ووسيلة ديمومة الكرسي.
ثلاثون شهراً من عمرالثورة، والبلاد التي حلم أبناؤها بأن تسيرإلى حريتها، بيد أن حدودها- من الجهات الخمس، باتت تنطبق عليهم، بعد أن ضاقت تدريجياً، وماعادأمامهم، الا الانخفاس في في الجهة السادسة، حيث جبلَّة التراب والدم، أوحيث النهاية، وهي نهاية: وطن وإنسان، النقيض لماهو محلوم به، ضريبة الأربعين عاماً، من القهر، و بناء سوريا، وفق مقاييس خدمة”ديمومة الكرسي”، ليفرض عليهم أن يكونوا في بلد لامكان فيه إلا لمن يقبل بالعبودية، ويرضخ للذل، يسوسه عنصرالمخابرات، مستمداً قوته من قوة”الرمز”الأول، ما جعل البلاد- ماعدا من في نفوسهم خميرة الإباء والكرامة- رهن شبكة خيوط تتكفل دمارها، أنى أراد هذا الرمز، مستنفراً كل أدوات الشر، كي تبقى كلمته هي العليا، وكي تبقى صورته هي العليا، وصوته هو الأعلى، مادام سوطه هوالأعلى، بيد أن ذوي النفوس الطاهرة، أحكمت أبوابها، في وجه نفثات كربون النظام، الفاسد، ماجعلها تواجه حمم ناره، مهما كان ثمن ذلك غالياً، لاسيما بعد أن أدرك جميع السوريين، أن إزالة”بيت الدبابير” بل “بيت الأفاعي” ليرتب ضريبته الكبرى التي لم يبخلوا بها، وهم يصنعون أسطورة السوري التي يعرفها العالم كله.
خسارات السوريين كثيرة، أوقل: كبيرة..، وهل من خسارة أكبرمن أن يبلغ عدد القرابين التي قدمها حتى الآن مائة ألف سوري-في ميزان حكم التدوين الحقوقي على مبدأ الرصد عن بعد- بله الرقم غيرالدقيق، مادام أن ثلاثمئة ألف سوري من أسرى معسكرات التعذيب، هم رهائن الإبادة، هذه المعسكرات التي تجاوزت كل ماهومعروف في أعراف الجلادين، المتوحشين، وما دام مصير متبوِّلٍ على صورة رئيس- غيرمحقق شروط الرئاسة- بترالعضوالذكري، له، وهو-الطفل الذي لما يتجاوزالرابعة عشرمن عمره- كما هو حال حمزة الخطيب، الذي كان ملف تعذيبه- وحده- كافياً لتحريك الضميرالعالمي، ليمارس الدورالمعول عليه- ضمن مفهوم مصطلح الأسرة الدولية- وهوما أدرج ضمن أوج الخذلان، بحق”يتيمة الثورات” التي اتفق كل النظارة، على وأدها..!
-هل هذه وحدها ضريبة السوري؟
للإجابة عن السؤال، فإنه لابد من المضي للتفكير، بمصائر جيل المستقبل، الغارق في الغموض، حيث كنا دوماً، نداري إحباطاتنا قائلين: لقد دفعنا ضريبتنا، وحسبنا أن أبناءنا، هم من سيتخلصون من طواغيت الظلام، ودراكولات الموت، ومصاصي الدماء، ليبنوا سوريا الحرة، ويبدوأن الجيل، الأجيال، التي تلتنا-وهي التي تمردت على ثقافة التدجين- ورهنت نفسها للمواجهة، دفعت الضريبة الأكبر، وها الطفل الرضيع الذي- إن نجا من مدية الجزار- فهو منذ أول يوم من ولادته، يفاجأ بالهواء المكيمأ، أوالمكربن، برائحة البارود، والدخان، والحرائق، دون أن يجد الحليب، ولا حسوة الماء، أو لمسة الحنان، في ظل اليتم، والتهجير، وهوحال كل من هم أكبرمنه، ما قبل جيل التعليم، وضمنه، ممن حرموا من مقاعد رياض التعليم، والمدارس، والمعاهد، والجامعات، خلال ثلاثة أعوام دراسية- وهي مدة طويلة، في عرف دورة التعليم التي لم توقف، منذ تأسيس سوريا، حتى في ظل الانتداب الفرنسي، أو حتى في ظل حروب1948-1968-1970-1982 وحتى تاريخ انطلاقة الثورة السورية، فالطالب الذي غامر بروحه وذهب إلى جامعته، أومدرسته، كان تحت رحمة الشبيحة، والقناصين، ولعل مأساة الطالب المهجر، لهي كبيرة، أيضاً، حتى وإن كان قد تخلص من شبح الشبيح وسيده ورصاصهما، بيد أنه تحت تهديد ألف خوف وخوف، وليس أقلهما: أنه لايجد فرصة الدراسة، في مدارس وجامعات غيره- إلا بمنتهى الصعوبة- أضف إلى ذلك طبيعة مناهج الدول المضيفة، وظروف الدراسة في المخيمات، والإحساس بالألم النفسي الفظيع، وهوفي بلد غيربلده، وسيبدوالأمرأكثرألماً، في ما لوعرفنا، أن طمأنينة الحياة الدراسية، في وطنه الأم، لن تتحقق في المدى القريب، بعيد سقوط النظام، الذي خلط الأوراق لديمومة الخراب بعد ملاقاته لمصيره الأكيد، من خلال عقل عصاباتي، مافيوي، في أبشع درك مستنقعي متعفن.
إن الحديث عن مصيرالأجيال السورية الجديدة، وهي تتدرج في مراحلها العمرية، هو- في الأصل- نواة موضوع دراسات مطولة، من الممكن إجراؤها، كي نتوقف عند حجم المأساة الكبيرة، لملايين أبنائنا وبناتنا، وهم في فم حوت النظام، سواء أكانوا في الوطن، أم خارجه، حيث أن أثرالحرب لن يتوقف في حدود زمنها- وهو سنتان ونصف*”، وقد كان عمرالحرب العالمية الأولى1914-1918 أربع سنوات فقط، بينما استغرق عمرالحرب العالمية الثانية 1939-1945، ست سنوات، وإذا كان الحديث عن آثارهاتين الحربين، لما يزل يلقي بظلاله- وهو محورالأبحاث والدراسات- رغم كل الجهود التي بذلتها الدول الأكثر تضرراً منهما، فإن النظام السوري يدفع الأمور باتجاه استمرارية آثارالعنف، مدة أطول، ناهيك عن افتقاد الظرف العالمي الموائم لإخماد نارالفتنة في دول التضررفي الحالة الأولى، وقيام أطراف هاتين الحربين- من خلال سلوكاتها ومصالحها- لإطالة عمرالصراع في هذا المكان، ما يجعل مستقبل أجيالنا الجديدة، في خطر، مالم نسع- من الآن- لتكريس جهودنا لترسيخ ثقافة التسامح، حفاظاً على ابتسامة الأطفال، وإن ستظل مكسورة، مجروحة إلى أمد غيرقليل..!
*
كم غرق السوريون في بحارالعالم هرباً من جورالنظام
**
الطفل الذي ولد بعد انطلاق الثورة السورية، صاريردد”الشعب يريد إسقاط النظام”
Elyousef@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…