صفحة من تاريخ الجزيرة عبدي آغا خلو ومؤتمر توبز عام 1937م

بقلم: كونى ره ش

عبدي آغا خلو: رئيس عشيرة ميرسنان المؤلفة من عدة أفخاذ: آل رمان، آل مسور (ديوانان) وآل باشوك بالإضافة إلى الفرع الأساسي للعشيرة آل بروكى. عرف عبدي آغا بعلاقاته الجيدة مع الحكومة الفرنسية المنتدبة على سوريا، وكانوا قد منحوه وسام دولة سوريا مع غيره من رؤساء القبائل العربية في الجزيرة عام 1927م ورتبة (باشا) عام 1931م،..  وكان له علاقات ممتازة مع الطوائف السريانية في الجزيرة إلى جانب بعض رؤساء القبائل العربية.
عشية حريق عامودا أو (توشا عامودى) بالكوردية عام 1937م، وكونه احد أقطاب التيار الوطني الكوردي في الجزيرة، على غرار التيار الأخر من الوطنيين الكورد الذين كانوا مع استقلال ووحدة سوريا..  فأنه سعى وترأس (مؤتمر توبز)، الذي انعقد في عام 1937م،  في قريته توبز، وذلك بحضور معظم الشخصيات الكوردية في الجزيرة من باشاوات وآغاوات وبكوات ومخاتير القرى الكوردية الموالين والمعارضين للفرنسيين مثل: (نايف باشا الميراني، عبدي آغا المرعي، حاجو آغا، محمد الأحمد من آل أحمد اليوسف، طاهر آغا محمود تازا، حسن إبراهيم، شيخموس آغا هسو، سعيد آغا دقوري، نواف آغا حسن، قدري بك جميل باشا، قدوربك، عيسى آغا عبد الكريم، عيسى آغا قطنا، حاج درويش، خليل بك ابراهيم باشا..)  بالإضافة إلى بعض شيوخ القبائل العربية المعروفة، التي كانت تحبذ استقلالية الجزيرة عن الداخل السوري وتشكيل إمارة عربية مستقلة في مناطق تواجدهم مثل: (الشيخ دهام الهادي، الشيخ محمد عبد الرحمن، الشيخ جميل المسلط..)  والعديد من الوجهاء وأقطاب الطوائف السريانية مثل: (المطران يوحنا حبي، الياس مرشو، إبراهيم ايلو “صباغ”، عزيز حانا، كلى شابو، سعيد اسحق، عمسو ميرجي، آل قريو، مشيل دوم، آل ترزي باشي، شاهين واسحق نجار..)  وذلك بطلب ومساعدة ومباركة من الحكومة الفرنسية المنتدبة على سوريا.. لأجل الاتفاق على إنشاء دولة كوردية في الجزيرة السورية تضم الكورد والمسيحيين إلى جانب إمارة عربية كما ذكرنا وحتى تستطيع الحكومة الفرنسية تمديد انتدابها على الجزيرة لمدة 25 عاماً أخر..  ولكن لم ينجح المؤتمر للأسباب التالية:
1 –  اشتعال الحرب العالمية الثانية..
2 –  كان فكرة المؤتمر فكرة فرنسية أصلاً، لأجل تمديد فترة انتدابها لمدة 25 عاماً آخر في سوريا والبقاء في الجزيرة، كون فترة انتدابها البالغة سبعة عشرة عاماً كانت تنتهي في عام 1937م..
3 –  مزاحمة المصالح الاستعمارية بين فرنسا وبريطانيا حول المستعمرات وبشكل خاص حول مستقبل الانتداب الفرنسي على سوريا..
4 –  العداء الكوردي الديني للفرنسيين حينذاك..
5 –  الخلافات بين التيار الكوردي الانفصالي نفسه، حول المصالح وأحقية رئاسة الدولة الكوردية القادمة؛ كلاً منهم كان يرى في شخصه الأجدر في تولي رئاسة تلك الدولة..
 وبالتالي كان رجحان الكفة لصالح الكورد الوطنيين من أنصار الكتلة الوطنية برئاسة سعيد آغا الدقوري ومعه اغلب رؤساء العشائر الكوردية..  وإجهاض المؤتمر وخسارة الموالين للفرنسيين من كورد وسريان وعرب..
 بعد ثلاثة اشهر من انعقاد المؤتمر في قرية (توبز)، حدث انتفاضة عامودا وحريق عامودا في أواخر عام 1937م. إذ تم حرق ونهب بيوت المسيحيين في عامودا بشكل همجي.. حينها هرع عبدي آغا خلو وأفراد عشيرته وبشكل خاص آل دللي برئاسة حاج شيخ موسا دللي إلى جانب الفرنسيين لحماية ومساعدة المسيحيين في عامودا وإنقاذ ما تبقى منهم.. وتم جلب الكثير منهم إلى قرية (حاصدا)، حفظاً على أرواحهم..
بعد يومين من معركة عامودا وكرد فعل من شجب واستنكار،  تم اختطاف محافظ الجزيرة (توفيق شامية)، على أيدي مجموعة مسيحية/ كوردية في الحسكة وتم جلبه إلى قرية ( توبز) وإخفائه في قرية (علي فرو)، لمدة 15 يوماً… وبنفس التاريخ تم اختطاف قائم مقام منطقة ديريك ورأس العين والقامشلي ومدير ناحية عامودا والدرباسية على أيدي مجموعة أخرى وتم تسفيرهم بالقطار إلى حلب.. إشارة على عدم رضاهم ورغبتهم بالانفصال وتشكيل دولة كوردية – مسيحية في الجزيرة إلى جانب إمارة عربية..
كان من الصعب على سعيد آغا الدقوري الذي كان يتزعم الكتلة الوطنية من عامودا إلى جانب أنصاره طرد الفرنسيين عسكرياً..  ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قررت الأمم المتحدة جلاء القوات الفرنسية والإنكليزية من سوريا وتسليم إدارة الدولة لحكومة وطنية سورية.
والشيء بالشيء يذكر؛ وها نحن اليوم في خضم الثورة السورية، وبعد 75 عاماً من انعقاد مؤتمر توبز- كأن التاريخ يعيد نفسه- نطالب مجدداً بتلك الحقوق.. فهل استطعنا توحيد كلمتنا نحن كورد سوريا أولاً..؟  ثانياً، هل استطعنا التفاهم والاتفاق مع أخوتنا المسيحيين والعرب.. ؟  وبالتالي أقول: ما أشبه اليوم بالبارحة.
جدير بالذكر انه في عام 1944م، نتيجة القلاقل والفتن في محافظة الجزيرة والخلافات بين العرب من عشيرة الجبور والكورد من العشائر المختلفة، الذين عمروا القرى في برية ماردين، على أحقية من يمتلك تلك القرى، هب عبدي آغا خلو وحسكو آغا ابن شقيقه، مترئسين عشيرتهم لنجدة أصحاب تلك القرى الكوردية وبالتالي تم حل الخلاف وبقية القرى لمعمريها..
قبل الجلاء، وبعد نجاح التيار الوطني تم وضع عبدي آغا خلو تحت الإقامة الجبرية، إذ كان عليه إن يراجع قائم مقام القامشلي يوميا لإثبات وجوده وكان يحظر عليه الخروج من القامشلي إلا بتصريح خاص..  وهكذا لغاية إن زاره رئيس الجمهورية شكري قوتلي في قريته (توبز)، وذلك في شهر أيار من عام 1947م، مصطحباً معه وفد رفيع المستوى، ضم عدداً من الوزراء وكبار مسئولي الدولة وألقى كلمة في الجماهير المحتشدة على بيادر (قرية توبز) ومن تحت الخيمة المنصوبة خصيصاً له قائلاً : عفي الله عما سلف..  دولة سوريا للجميع.. لنطوي صفحة الماضي..  كلنا أخوة، ولنعمل لأجل الوحدة الوطنية في سوريا…
ولاحقاً كان مصير زعماء الكورد الموالين والمعارضين للفرنسيين الانتقام الممنهج ودون استثناء، وبشكل خاص بعد الوحدة السورية المصرية عام 1958م، وما بعدها كان الانتقام اشد؛ خاصة في الستينيات والسبعينيات إذ طبق بحقهم جميع المشاريع الشوفينية… 
كان للسيد عبدي آغا خلو هيئة استشارية مؤلفة من ملا علي ملا خليل المعروف بـ (ملا علي توبز) وملا شحمو اللذان كانا يتقنان اللغة العربية والفرنسية بطلاقه، وفي كثير من الأحيان كان يتشاور بأصدقائه المسيحيين مثل عزيز حانا والياس مرشو وإبراهيم ايلو (صباغ)، واسحق نجار وشاهين (كان ضريراً)، والمطران يوحنا حبي مطران جميع الطوائف في الجزيرة آنذاك..   
توفي عبدي آغا خلو(1883 – 1976), عام 1976م، في قريته (توبز) ودفن فيها. ومن بعده ترأس أمور العشيرة حسكو آغا خلو (1910 – 1989م)، ابن شقيقه الذي توفي في عام 1989م، في قريته (ﮔر سور) ودفن فيها.
المصادر:
–    مقابلة شخصية مع السيد إسماعيل عبدي آغا خلو نجل عبدي آغا، يوم 30/01/2013، بداره في قرية توبز،وهو من مواليد 1931م، قرية توبز. للمزيد من المعلومات يمكن مراجعته..
–    للمزيد من المعلومات حول مؤتمر توبز يمكن مراجعة الحوار الذي أجراه الدكتور آزاد علي مع حفيد إبراهيم باشا المللي بعنوان: (حفيد إبراهيم باشا المللي محمد علي الباشا في حديث مطول للحوار)،  في مجلة الحوار: العدد (11-12) ربيع وصيف 1996.
–    صورة عن وسام دولة سوريا الممنوحة للسيد عبدي آغا خلو عام 1927م، وفيها أسماء بعض رؤساء القبائل العربية أيضا…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…