قف عندك يا عيد قف

إبراهيم محمود

 «إلى أصدقاء أدمنوا المكابدات»

رويدك يا عيد
دع أوراقك الشخصية جانباً
أعرفك جيداً
ليس لدي أدنى استعداد لتعبر فِناء بيتي
باب روحي مغلق إلى أجل غير مسمَّى

يرضى عليك لا تجادلني
مزاج أصابعي ليس رائقاً لمصافحتك
صقيع أحزاني دونه كل كاسحات جليدك
ونبع مراراتي لن يحلَّه كل سكَّرك
سأعتبر كل تقدم استفزازاً
الذي فيني يكفيني:
بالعربي الفصيح: واصلة معي إلى مناخيري هاه
إن تماديت سأعلّقك من شحمة أذنيك على مشجب صدئ
لا تستغرب أن أركلك في مؤخرتك دون تردد
وأملأ جسمك البدين عضاً غير مسبوق
إذ يتطاير الزبد حتى من عينيَّ
أن أرميك بزجاجات قهري المولوتوفية
أن أجعلك تندم على اللحظة التي سمعت فيها باسم إبراهيم محمود
اذهب في حال سبيلك أحسن لك
اعتبر أننا لم نلتق هذا العام
حتى تسمع صدى تفاؤل لي
بالله عليك بأي وجه تريدني أن أستقبلك؟
لا تخفف لي دمَك إزاء رؤيتي المحتقنة
وخلفك موت وأمامك موت وفي نقلاتك موت
الهواء الذي أتنفسه متوتر تماماً
أفتقر كثيراً إلى أوكسجين غياب الأحباب والأصحاب
ثمة أكسدة طاغية تستوطنني بوقاحة
وجسدي مزكوم بغربة وقحة
ربما من وراء رأسك تصدَّع رأسي
في بلاد اللابلاد والعباد المذرورين
نعم، بيننا أرشيف من هات وخذ
لا بأس إذاً أن أطلعك على بعض من أسباب ممانعتي
بيتي رابض في عراء
 ناء ٍ أنا عنه في معبر عالق في الزمن
أبوابه ظامئة إلى مفاتيحها
مفاتيح طريحة النسيان رغم أنفها
عيون الأهل اجتاحها بياض في رصدها للجهات
شاهدة قبر أمي المنطوية على نفسها
” رحماك يا أمّي، الأمر خارج سيطرتي”
شاهدة قبر أبي في رعب الانتظار
“عطفك يا أبي، أعلِمْ طيفك بألا يلح علي كثيراً
ليست المسافة وحدها هي العائقة بيننا”
مكتبتي التي كانت تصحو كل صباح على دبيب روحي
رهينة المجهول للمرة الأولى
أوراقي التي ملَّت من ” سأعود بعد قليل”
الزمن نفسه استقال من الحساب
الجيران الطيّبون كهواء مباح للجميع
الصغار الذين كانوا مشدودين إلى أكياس العيد الثملة بما فيها
التلفونات التي كانت تبشّر بأصوات مهلهلة من بعيد
ثمة أرقام و” كودات ” جديدة ومتتالية أطاحت بالأرضية جانباً
الحيطان التي لم تغير طلاءها هذا العام
المطبخ الذي يحن إلى أوانيه المركونة جانباً
القطط التي كانت تمنّي نفسها بأكل وفير
المعجّنات التي كانت تبهِج الأيدي
المرحاض الذي كان يضج من الحركة الدائبة فيه
لا بد أن صنبوره مثقله ببيت العنكبوت
الباب الخارجي الذي يفتَح على مصراعيه استثنائياً
المسافات العصية على التقدير هي الوالغة في دمائنا الآن يا عيد
ثمة لائحة مخاوف في أكثر من طريق مرسوم
 الأصحاب بدَّدهم رعب المقادير
لغات أخرى تنافس اللغة الأولى
وجوه أخرى تدخل على الخط
القلب مثقَل بما ليس في الحسبان
ثمة من يُمَرِهِم الروح من أحبة جدد خبِروا محننا
لكن الجرح النازف يتعدى حدود الدم
الأنّات المكتومة توغل في الأنسجة
نحن معلَّقون في حسابات لا حول لنا فيها ولا قوة كثيراً كثيراً
عالقون في طرق شائكة عصية على الرؤية
قف عندك يا عيد قف قف
فقدنا حتى الشرف الذي كنا نحلف به أحياناً
الاغتصابات والانتهاكات مبتدَع فيها أكثر من خيالات شاعر مجنون
عد أدراجك إذاً فجراحنا أصبحت ذاكرتنا المرئية
ونزيفنا لن يستطيع كل المعنيين بك إيقافه
ارجع قبل أن أشهِر سبّاطي المحموم في وجهك
طارئين على حدود الآخرين صرنا
الكلاب الضالة ذاتها ترثينا وتسخر منا
القمامات تعرف رائحة أصابعنا جيداً
المياه الملوَّثة لديها عناوين أفواهنا المعنَّاة
القوارض تتجنب جوع أعيننا
الصباحات تتنكر لنا
أتوقف هنا متفرغاً لميتاتي…
حسبك أن تمضي إذاً وكفى..!
معسكر دوميز- دهوك- إقليم كُردستان العراق-14-10-2013

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…