لا يمكن أن تتحقق استقلاليتي إلا بإنسانيتي المطلقة التي تدفعني في خدمة الخير ورفع الظلم عن الغير وتسمو بي نحو الأفق وكل ما يدعوا إلى غير ذلك فهو كذب وتلفيق وتمزيق، كل الناس يموتون، ويتركون وراءهم حكايات، منهم من يترك خلفه حكاية جميلة، ومنه من يترك خلفه حكاية سيئة، ولكن حتى الحكايات السيئة يستفاد منها، لأنها قد تكون عبرة للغير، لكن الأسوأ من ذلك هو أن يموت الإنسان دون أن يترك وراءه بقايا حكاية قصيرة.
هل يمكن أن نرى أموال جيراننا تسرق، وتنتهك الأعراض، ويظلم رفاقنا، وتشتم أمهاتنا، ويقتل آباؤنا، ويحرق أطفالنا، وتجلد نساؤنا، ويعتقل أبناؤنا أمام أعيننا ونقول” نحن لا علاقة لنا بما يحدث لأننا مستقلين “، فإذا كانت الاستقلالية بالشكل الموصوف دون تدخل أي فقط التفرج على الحدث، فإما من يعتبر نفسه من أتباع هذا الاتجاه أنه غير إنسان، ولا يعاني من عذاب الضمير، بمعنى أنه لا يعنيه الشرف والنخوة، والكرامة بشيء، وإما أنه يتمتع بهذه الصفات (جبان-وغد..)، وإما أنه غير موجود على الإطلاق، وليس هناك ثمة وصف أو تعبير آخر يمكن أن يسمى به، كما أنه ليس هناك تعبير أدق من هذا.
تعريف الاستقلالية
ولكي نعرف الاستقلالية من خلال كل الذين أثروا في التاريخ إيجاباً، فإنه لم تكن سوى ثورة من أجل الإنسانية ورفع الظلم عنها وتحقيق العدل والمساواة بين البشر، أما معناها فهو كل من يتحرر من قيود العبودية، ورفض العيش تحت سطوة الثقافة الزائفة المستوردة من القوى الطاغية ونكران الذات ومحبة الآخرين.
أما أهدافها فهي السعي دوماً وراء مكافحة الفساد، ومعاقبة الظالمين، وفضح المنافقين، والكاذبين، والتضحية دوماً من أجل الخير والسلام، تمسكاً بوصايا الله كما جاء في الكتب المقدسة.
الاستقلالية والعصر الحديث :
يمكننا تقسيم الاستقلالية في العصر الحديث إلى فئتين : فئة نورانية مستبصرة تعمل مع السماء، وفئة ظلامية عمياء، تعمل لمصلحة الشيطان، فشتان ما بين الفئتين، فما أقل الفئة الأولى وما أكثر الفئة الثانية، والصراع لا يزال قائماً بين شريعة السماء، وشريعة الشيطان. وما ألله بغافل عن ذلك
لعل أبرز ما تتصف به الفئة الأولى أنها تملك لساناً يعمل على الدوام للنطق بالحق، ولها يدان تفلح وتناضل يومياً من أجل البناء ،وقدمان لا تسيران إلا في الطرق السليمة، ولها عينان ساهرتان لا ترفان لهما جفن
ومن أبرز ما تتصف به الفئة الثانية وهي مقسمة إلى حزبين : إما أن يكون لها لسان لا ينطق إلا بالنميمة، والافتراء، وإما أن تكون مطبقة لا تريد الخروج عن مسار نومها العميق الدائم، ولها يدان أيضاً إما أن تعملا للقطع، وللضرب، والجلد، والتكسير، والخراب، وإما أن تكونا غير صالحتين لغيرهما، إلا للإستخدام الشخصي فقط، وتملك قدمين إما أن اعتادت أن تحمل على الأكتاف، أو أن تسير على الجثث، وإما أنها لا تحب السير إلا في الطرق الوعرة.
خلاصة :
إنّ ما تسعى إليه جميع الأنظمة الطاغية كما ذكرت قبلاً هو تصنيع خرافات وأساطير مؤطرة أشبه بحكايات المراهقين، والعاهرات، وما تعانيه الأقلية من الشعب هو عدم تعلّم صَدق الحكايات، وصحة الروايات، فلو كان الناس قريبين من ذواتهم، بعيدين عن مغريات الحياة، وجشاعتها، لكانوا سيعون الحقيقة تماماً، وسرعان ما كانوا سيخرجون من غفلتهم وظلمتهم اللتين كانتا وسيلة وغاية لتضليلهم، وبهم كانت ستكمن أهمية الوجود الإنساني، لو فكر الإنسان في مدى أهميته لأحتقر نفسه.