التّرجمة: عبدالرحمن عفيف
1976، الخريف. إنّه الرّحيل. إنّه القيام بالرّحلة الأخيرة بعد خريف العمر. بهدوء وصفاء. والوقت، المكان والمنطقة تنكمش على بعضها البعض في اللامرئيِّ. وحين تظهر، فإنّها ملتبسة ومغبّشة ثمّ تضيع في اللانهاية. الهنا والهناك يصبحان واحدا. اليوم والغد. القريب والبعيد. رحلة، مريحة ولا نهاية لها، دون عجلة، دون معوّقات، دون تعب وعرق. رحلة خالية من الحسد، الغيرة، العداوة، الفاقة والحرب. إنّها حلم روح جميلة. رحلة متمنّاة بشوق. ممدوح سليم. ممدوح سليم، هذا الرّجل المحترم والمبجّل من منطقة بحيرة ” وان” يرحل. يتمدّد مضطجعا على سريره. العيون واسعة، ابتسامة على وجهه. ولكنّه يبقى أصمّ وأبكم. عيناه الكبيرتان مفتوحتان على وسعهما، تبدوان كلؤلؤتين.
البؤبؤات السّوداء تحدّق في الفراغ فوقه. كأنّما في الحلم. تجاعيد السّنين لا تكشف أيّة علامة من علامات القلق. الشّعر أبيض ونصفه مفقود. بشرة الوجه تنسدل فوق العظام. شفتان رفيعتان. العنق متغضّن. رجل كهل. ” ممدوح، ممدوح…” إنّه لا يسمع شيئا، لأنّه على الطّريق، لإنّه يذهب في سبيله. زوجته “ويلدان خانم” وبعض الشبّان يحيطون به واقفين. في أذنه همس امرأة عجوز، تتلو القرآن. أمام الجدران الأربعة تقف رفوف الكتب، والرّفوف تنحني تحت ثقل كلّ هذه الكتب، المجلاّت، الجرائد والورق. في أعلى الرّفوف بعض الصّور المصفرّة: صورتان فوتوغرافيّتان ولوحتان. وفي وسط الغرفة هو نفسه: ممدوح سليم. غارقا في أخاديد حلمه يمضي بعيدا. لكنّه في الواقع مستلقٍ على السّرير ولا يمضي إلى أيّ مكان. أشياء، أمكنة، تذكّرات لحظات ما تتحرّك نحوه، تغرقه، لكنّه محاطا بها يمضي بعيدا. الماضي والحاضر يذوبان: سهل، جبل، سفح صيفيّ، واد وغابة، كلّها تتوحّد، البحر والسّماء يلمسانه، البشر، الحيوانات تتحوّل، تدخل في بعضها البعض. لكن الغريب هو أنّه لا خوف بعد، لا برد ولا حرّ يبقى. لا يشغل باله شيء، لا يفكّر في شيء. إنّه يتنفّس بحريّة، لكن لا نأمة تخرج من فمه. يبقى له فقط أن يمضي في طريقه. مكان رائع، مليء بالألوان. ربّما هو غابة مظلّلة أو سفح صيفيّ منعش. في هذه اللّحظة يكون ممدوح سليم هناك. في قلب سرب من الحمام ينظر من الذروة نحو الأرض. بجانبه تطير حمامتان، تريدان أن تبقيا بقربه. يستطيع أن يتعرّف على ألوانها، أجنحتها، مناقيرها وعيونها بدقّة. عيونها تشبه قطرات الماء الصّافية الجميلة. ترفرفان بغير صوت. ممدوح سليم يتأمّل في الحمامة على يمينه وفي التي على يساره. الحمامات الأخرى- مختلفات الحجم واللّون- تطير في أسراب إلى جانبه. ممدوح يطير ولا يطير، مرّة هو في الأعلى ومرّة في الأسفل، يمضي ولكنّه يبقى في موضعه. يا لها من سكينة! كلّ شيء غاطس في السّكينة. فوق كلّ شيء يستلقي ستارٌ من هدوء لا يحدّ. ” انظر، ممدوح، لقد جاء عزيزنا كوركين.” تهمس له ويلدان خانم بنغم واطىء في أذنه، تأخذ يده اليمنى في يدها وتمسّدها. لا يصله الصّوت. الهدوء يشبه ستارة عازلة تمنع أن تصل أيّة نأمة إليه. ممدوح سليم في الواقع بينهم، إنّه هنا ولكنّه غائب. إنّه في هذا العالم وليس كذلك. الشبّان يدخلون إليه أزواجا ويجلسون عند مؤخّرة رأسه. ويلدان خانم لا تتحرّك من جانبه. يأملون أن يتخلّى ممدوح سليم عن رحلته، ويبقى بينهم. ” عمّنا ممدوح، أبي وأقرباء أمّي وجميع الأكراد من قامشلو يبعثون لك التحيّات ويتمنّون من الله لك السّلامة والصحّة.” عندها يتعرّف ممدوح سليم في رحلته من بعيد على مدينة. ثمّ تبدو له قريبة. لكنّه لا يدخل المدينة. إنّها محاطة بأسوار وأبراج عالية. أبراج جسيمة، مبنيّة بأحجار مربّعة سوداء. في بعض المواضع تكون قد سقطت. حفر وأخاديد تنفتح في السّور. مبان ترتفع، غالبيّتها من الحجر الأسود، والقليل منها من الحجر الأبيض. الأسوار محاطة بحفر الماء، المروج والأشجار. في داخل الأسوار ليس ثمّة أيّ نسمة حياة، لا طير، لا أسماك، لا حيوانات في المكان- ليس هناك قطّ أيّ كائن حيّ. تهتزّ المدينة مثل أرجوحة، تتراقص. تبتعد، تقترب بعدئذ. تبدو المباني الضخمة كأنّما تتكاثر، ثمّ تقلّ بغتة. وأحيانا تبدو المروج والأشجار في البعيد كأنّما ستغيب وتذوب في بعضها البعض. ممدوح سليم يريد أن يعرف، أيّة مدينة هي هذه، لكن عبثا. المدينة تستلقي الآن في مكان قاص. ” عمّنا ممدوح، لقد رتّبنا كتبك كلّها من جديد. انظر، الكتب الكرديّة فوق هذه الرّفوف. والجهة الأخرى هي بالكامل للكتب التركيّة. والأدراج على الجانب الأيسر هي للكتب الفرنسيّة. في الأخرى تقف الكتب العربيّة، الإنكليزيّة والرّوسيّة… والجرائد، المجلاّت والأشياء الأخرى لقد رزمناها في هذه الصّناديق. بالطّبع مرتّبة وعلى ما يرام.” ممدوح سليم، سيّد الأحلام، يسبح في وسط حلم ملوّن. إنّه حلم مختلفٌ جدّا- في السّابق كانت الكوابيس الشّنيعة تسمّم لياليه. يهبّ من نومه ليلا مستحمّا في عرقه وصائحا. أحيانا كان يرى أيضا حلما جميلا. مأخوذا من الدّعة، كان يترك نفسه عندئذ بفرح وسعادة تسقط في تلاطم الأحلام. لكنّ حلم الرّحلة الأخيرة هذه ليس طيّبا وليس كذلك مفزعا. كيف على المرء أن يصفه؟ إنّه حلم رحلته الأخيرة. سهل واسع. غارق كليّة في لون أصفر، يذوّب نفسه مع الأفق. يسطع وينشىء بسحره أسربة هوائيّة. هناك تلال ترتفع من السّهل. لكنّ ممدوح سليم لا يتعرّف إليها، ألوانها تتغيّر وتتكوّم، تتلامع كقوس قزح. السّهل يتغيّر أيضا. أحيانا يصبح رمليّا كليّة، ثمّ تستلقي عليه مروج وحقول، ثمّ يتحوّل إلى بادية. في البعيد هناك كائنات حيّة عجيبة. وهي أيضا غريبة عليه، تبدّل أشكالها. في لحظة تبدو وكأنّها تتحوّل إلى وحوش كاسرة تمشي في قطعان، ثمّ تنبت لها أجنحة وترتفع أسربا أسرابا في الهواءِ. ليس ثمّة ماء، لا شجرة يمكن رؤيتها في السّهل.في وسط كلّ هذه الحركة يبقى إيقاع الموسيقى هو نفسه، منغّما بدعة وراحة. ألحان متنوّعة تأتي من البعيد، من هناك، حيث الأفق والسّهل يتّحدان. ما هذه الألحان؟ تذكرّ بالسمفونيّات الأوربيّة من القرن الثّامن عشر، ثمّ بالأغاني الشّعبيّة الكرديّة أو سونيتات البيانو، ثمّ بالموسيقى الكلاسيكيّة العربيّة أو بالأبيات الفارسيّة. السّهل يتحرّك على إيقاع الألحان. لكنّ هذه الأصوات تجيء من مكان بعيد جدّا، من السّكون الذي يشبه لحنا…” ممدوح، رجاء حرّك نفسك، قل شيئا، حدّثنا عن أيّامك في ” وان” واسطنبول، اقرأ لنا من كتبك، اضحك، ابكِ، صح، اقصص لنا عن أختك، اقصص لنا عن أيّامك في أنطاكية…، فقط، بربّك، قل شيئا.” هكذا تتحدّث ويلدان خانم الجالسة إلى جانبه، محدّقة في وجهه. نظرة ممدوح سليم تسكن عليها، شفتاه تريدان أن تنفتحا وتبتسما، لكن عبثا. فقط عيناه الكبيرتان تجزيانها بنظرة تحاول أن تضحك. ” يا عمّ، يا عمّ! أتسمعني؟ إنّني قادم من المدينة. أكراد دمشق يسألون عنك… الطّقس اليوم جميل، الجوّ دافىء. هل أفتح النّافذة؟” يرى ممدوح سليم في رحلته أيضا نافذة، فتحة كبيرة جدّا بين الأرض والسّماء، فتحة تتّسع ببطء. في الخلف يُرى بحر صاف أزرق، يمتدّ متّسعا بين السّماء والأرض. أشعّة الشّمس ترقص وتلمع فوق الماء. يستلقي البحر بهدوء كبير، ليس من موجة تجعّد نفسها، وكلّ شيء ساكنٌ. ينظر ممدوح سليم إلى الماء والأشعّة. إنّه في الماء، ثمّ ثانية هو في الضّوء غارق. بغتة ينشقّ الماء أمامه، حمامتان ترتفعان إلى الأعلى وتطيران. أرياشها بيضاء مثل القطن. تطوفان عدّة مرّات حول البحر ثمّ تختفيان رويدا في البعيد. ثمّ ينشقّ البحر ثانية، ترتفع فتاة عارية مثل فينوس وترفرف. فتاة جميلة بشعر طويل. أشعّة الشّمس تسقط على الجسد الأبيض قطرات تتبلور كاللؤلؤ والزمرّد فوقه وتسطع. رؤوس الأثداء الصّلبة تبرق، وجسدها يلمع بلون أحمر النّار. تبدو كبيرة، ثمّ صغيرة مثل طفلة. تطير الفتاة باتّجاه ممدوح سليم وتدنو منه، لكنّها لا تصل إليه أبدا. تطوف طائرة حوله عدّة مرّات، مرّة تطير عالية ومرّة منخفضة. تتحرّك شفاه الفتاة، لكنّ ممدوح سليم لا يستطيع أن يسمعها. عندئذ تطير الفتاة نحو البعيد، متّجهة بوجهها نحوه، وثمّة تغيب في سعة حلمه. مع الفتاة ينسحب البحر أيضا. مرّة أخرى تنفتح أمام ممدوح سليم نافذة ضخمة. إنّها كبيرة هكذا بلا قياس بحيث تضمّ الأرض والسّماء. خلفها تظهر في سكينة كاملة حوافّ الأشياء، البشر والأمكنة. يحاول ممدوح سليم أن يستشفّ السرّ الذي يسكن العالم، فيما وراء النّافذة.
مقدّمة رواية أوزون” في ظلال الحب”
ياشار كمال
رواية محمد أوزون الشابّ الجديدة” في ظلال الحبّ” هذه، رواية مغامرات ذات نسيج كثيف. بكتابتها فإنّ محمد أوزون أيضا يجتاز هذا الباب الصّعب مثلما قبله كلّ الروائيين المتمكّنين. ولد محمد في بلدة صغيرة في الجنوب الشرقيّ من الأناضول، حيث يتكلّم كلّ شخص تقريبا الكرديّة. إنّها منطقة يتركّز فيها الأدب الكرديّ المكتوب والشّعر الشّعبيّ. شعراء كبار كمثل ملايي جزيري ينتمون إلى هذه المنطقة. الأساطير الكرديّة الكبيرة والحكايات والأغاني والمراثي تُحكى هناك وتُغنّى. بالإضافة إلى الأدب الشّفويّ لجنوب شرقيّ الأناضول، فإنّ أدب الدّول المجاورة لهذه المنطقة، ايران، العراق وسوريّا تغني وتثري الكتابة الكرديّة بصورة عالية. منذ أزمنة الآشوريّين والبابليّين، نعم، والسومريّين يعيش الشّعب الكرديّ في هذه المنطقة وتمتدّ مضاربه حتّى القفقاس. غالبية كبيرة من الأكراد شقر، لهم عيون زرقاء وخضراء. ربّما هذا دليل على انتمائهم القفقاسيّ. ولد محمد في أرض الثّقافة الأقدم هذه، واللّغة الكرديّة الغنيّة هي لغته الأمّ. فوق ذلك، فإنّه درس في المدارس التركيّة ويتقن التركيّة كمثل لغته نفسها. اللّغة التركيّة هي أيضا لغة غنيّة، إنّها اللّغة التي خُلق بها عبر مئات السّنين شعر شعبيّ مرويّ ثريّ. ملاحم معروفة مثل “دده كوركوت” و” كوروغلو” تنتسب إلى الأدب التركيّ، شعراء مشهورون مثل” يونس إمره، كراجا أوغلان وبير سلطان عفدال” أتراكٌ. كان من حظّ محمد أوزون السّعيد أنّه أتى إلى العالم في هذه البيئة. تعلّم لغة هذين الشّعبين، تعلّم أدبهما المرويّ والمكتوب وغرف من نبعهما. لم يكتف أوزون بهذا السّعد، بل اتّجه إلى الغرب وحصّل من آدابه، خاصّة الأدب السويديّ، الكثير لنفسه. حتّى قبل زمن محمد أوزون، من أوّل يوم لتأسيس الجمهوريّة التركيّة وحتّى يومنا هذا، تمّ منع اللّغة الكرديّة، لم يكن بالمستطاع ابداع أدب كرديّ شعبيّ مكتوب. الكثير من الشّعراء والرّوائيّين ذوي الأصل الكرديّ كتبوا بالتركيّة، أغنوا اللّغة التركيّة، لكنّ الكثيرين منهم أنكروا كرديّتهم. أيضا كان الكثير من الشّعراء المعروفين أكرادا، ولم يكن أحد يدري شيئا عن منبتهم. وهكذا نستطيع أن نقول، إنّ محمد أوزون له قصب السبق في كتابة الرّواية باللّغة الكرديّة. في خارج تركيّا، أظنّ أنّه أيضا كتبت عدّة روايات كرديّة وأشعار. لكنّ أقدام الرّوايات هذه لازالت في أحذية الطّفولة. من الشّعراء يمكن تسمية جكرخوين، وهو بالمناسبة أيضا ينتمي إلى المنبت الأناضوليّ، جكرخوين الذي كتب قصائد عظيمة بلغة شعريّة متميّزة. إنّنا نعرف أنّ بوشكين خلق صيغة تعبيريّة شعريّة من لغة الشّعب الروسيّ وبهذا أصبح والد القصيدة الروسيّة الحديثة. صديقه غوغول مشى على الدّرب ذاته، أبدع من الملاحم الشعبيّة المرويّة صيغة جديدة للرّواية، بمضامين جديدة، في لغة جديدة، وصار بهذا أب الرّواية الرّوسيّة. يقف جكرخوين في مستوى الشّعراء الأكراد الكبارمثل أحمدي خاني، فقيي تيران ومغنّي الملاحم، هوميروس الأكراد “عفدالي زينكي”. حين قرأت رواية محمد، اندهشت جدّا من لغتها الأدبيّة المتطوّرة الغنيّة. بالطّبع فلثقافة محمد المتنوّعة إلى جانب موهبته، اسهام مهمّ في هذا. فمن جانب فإنّه يتقن اللّغة الكرديّة، يعرف الأدب الكرديّ جيّدا كمعرفته للأدب واللّغة التركيّين. ومن الجانب الآخر فإنّه متشرّب بالأدب والثّقافة العالميّين وبهذا يصبح فرصة وحظّا سعيدا للأدب الكرديّ. في هذه الرّواية يتمكّن محمد أوزون أن يلتقط صورا ذات جمال بسيط بحيث يقع القارىء تحت سحرها، سحر لا يستطيع أن يبرأ منه إلاّ بصعوبة. ونمطيّة الأبطال أيضا شاملة، ويتمّ عرضهم بكلّ تدرّجات شخصيّاتهم. الكتابة بلغة صافية مثل هذه، هو فقط عمل الصنّاع الكبار من الكتّاب. الصّور تطبع ميسمها على القارىء، دون أن تخدش العين، بخفية، منسوجة، كما هي في الأساطير. وبهذه اللّغة النقيّة والغنيّة يتمكّن محمد من ابداع تصوير طبيعيّ ذي فنّ جديد. بعد وقت طويل من قراءتي لرواية هذا السّاحر، محمد، لم أكن أستطيع تخليص نفسي من تأثيرها، وأثناء قراءتي لها، عشت مع ” ممدوح سليم”. أصبحت صديقه، أبدعته من جديد، تجادلت معه، حزنت عليه، حططت من قدره وعشته كبطل. وحاولت أن أصل إلى قوّة محمد أوزون السحريّة. في النّهاية قلت لنفسي إنّ هذه الموهبة الكبيرة وهذه الرّواية المكتوبة بابداع بلغة هي أقدم لغات ما بين النّهرين، اللّغة الكرديّة، لهما حظّ وسعادة كبيران لهذا الشّعب. لأنّ اللّغة هي التي تقرّر شكل الرّواية والقصيدة، وبطريقة ما حتّى المضمون أيضا. محمد أوزون هو المعلّم الأوّل لهذا الشّكل اللّغويّ. لقد وضع الحجر الأساس للرّواية الكرديّة المستقبليّة ولشكلها. إنّه يستحق هذا الشّرف. أن يريد المرء أن يضع توقيعه في قرننا الحاليّ تحت رواية مبدعة، تحت لغة جديدة للرّواية، فهذا ليس بالأمر الهيّن. أمّا محمد أوزون فقد استطاع أن يفعل ذلك. بعد هذه البداية المؤثّرة، فإنّه لسوف ينشأ أدب كبير وبخاصّة أدب روائيّ عظيم بلغة لم تزل حيّة بالرّغم من كونها من أقدم لغات منطقة ما بين النّهرين.
” في ظلال الحبّ”: ممدوح سليم، أحد المعدّين الروحيّين لحركة التّجديد الكرديّة في بداية القرن العشرين، يتمزّق بين مسؤوليته تجاه الشّعب الكرديّ وحبّه ل” فريحة”، الفتاة الشركسيّة. في المنفى ينتقل بدون راحة من مدينة إلى أخرى، يترك باريس إلى اسطنبول، والإسكندريّة إلى بيروت ثمّ لا يلبث أن يتركها أو يجبر على الرّحيل عنها. وهكذا بين الحطّ والتّرحال. في هذه الرّواية الكرديّة الحديثة تصبح المسؤوليّات والواجب القوميّ مأساة شخصيّة لبطل الرّواية، تحكي عن عذابه وتمزّقه، لكن أيضا عن قصّة حبّه الكبير.
محمد أوزون: ولد في سنة 1953 وعاش منذ سنة 1977 في المنفى السّويديّ، بعد أن لوحق في وطنه بسبب من نشاطه السياسيّ والصحفيّ وسجن لعدّة مرّات. نشر محمد أوزون إلى جانب مقالاته النقديّة في الأدب والثّقافة العشرات من الرّوايات. توفّي أوزون بعد صراع مع المرض العضال سنة 2007 في ديار بكر. يعتبر أوزون من أهمّ الروائيّين الأكراد الحديثين.