أمسية كانونية

عمران علي
العازف في تلك الليلة الكانونية كان يتفقد أصابعه والصبية الواقفة بالقرب منه كانت مذهولة بدفء تنويعاته ومستغرقة في الأداء، كان صديقي القصي عني في الساحة وبمعطفه السميك منهمكاً بالحميمية، يترنح على ايقاع صوتها غافلاً عن المشهد وعن كينونة اللحن فثمة أوتارٍ كان يرتأيها وترتج في دوامة مخيلته، كان منتشياً وفاقداً لصواب الخطو، يتأرجح كالإنارات فيتناثر كالظلال في المكان فتتهجاه إضاءاتها. 
في الساحة تلك وفي ثنائية تشاركية حيث كانت تلك الواقفة تقلّد المؤدي انصاتها وتبهره بمقطوعات وقوفه وبمحاذاة المشهد كانت النقوش المنفلتة من أحجار الكاتدرائية والطافحة بالبخور والمهرة تستولي بأحقيتها على زخرفة من تبقى وتسترعي على فائض الدهشة.
أحتسيت جلوساً بعناد أزلية المكان وأدعيت الأصغاء والتصفيق كي أبرر للمشهد ولعي وحتمية المثابرة فيما صديقي يجوب الزوايا في البحث عني غير مدرك بما تولاني فينصاع كلانا للأخر وبتنا كمن يطوف حول رخاوة المناسك وصعود مدّعيها، ترنحنا معاً عائمين على صفحات الشوارع وهي تفسح المزيد من الوجوه ، نتبدى لها على هيئة متسكعين يستحوذان على جمهرة نقدية بإزدراء الواجهات، نتباعد قليلاً فتسعفنا الجرعات في الأمتثال لجاذبية الوجهة، صديقي ذو المعطف السميك والمندرج على لائحة البدواة يصرُّ على الدوام في غرز قراه على لاحات الأمكنة فيما أنا أحمل عنه أوتاد وجعه في كل تفصيلة واستمر عاجزاً في تنصيب شعائرها .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

أغلب الحكايات الشعبية، في الآداب الشعبية للأمم والشعوب نجدها مصاغة على ألسنة الحيوان، ولها غايات تربوية توجيهية، ولعل حكايات “كليلة ودمنة” تشكِّل مثالاً بارزاَ لها، فنحن نجد فيها أسداً هو رمز أو صورة للسلطان الجائر، وثعلباً هو رمز للبطانة الفاسدة المحيطة بالسلطان الجائر، يدله على طريق السوء. ثم نجد أن كل حكاية في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسكي

مَاذَا أَقُولُ

وَالصَّمْتُ قَوْلِيْ

لَسْتُ مِمَّنْ يُثَّرْثِرُ عَلَى الْمَنَبِرِ

أَنَا اَلَّذِي صَاغَ الْقَوْلُ لَهُ

وَتَرَاكَمَتِ الْكَلِمَاتُ فِي ثَغْرٍي

كُلُّ الْحُرُوفِ تُسَابِقُ بَعْضَهَا

لِتَخْرُجَ وَتُعْلِنَ عَنْ تَبْري

<p dir="RTL"...

صدرت حديثاً عن منشورات رامينا في لندن رواية الكاتب والفنان السوري إسماعيل الرفاعي بعنوان “نقوش على خشب الصليب” وهي عمل يضع القارئ منذ العتبة الأولى أمام مجاز كثيف ومركَّب، حيث يتحوّل الخشب إلى حامل للصلب، والنقش إلى كتابة فوق الألم، واللوحة إلى مرآة للروح.

الرواية تقدَّم على هيئة “فهرس نقوش”، في إشارات تشي بأن الفصول التي…

غريب ملا زلال

منذ أكثر من خمسين عاماً و الفنان التشكيلي محمد أمين عبدو يتنفس اللون، فمنذ عام 1975 و هو يعارك اللوحة بفاعلية مؤكدة يبقيه على الجذر الإنساني، و هذا ما يجعله يؤكد و بثقة العارف بعمران المكان بأن عمليات الإزاحة التي يقوم بها للوصول إلى نتيجة لماحة تحدد له وجهته…