الدكتور عبد المجيد شيخو
الترجمة عن الكرديّة: عثمان عيسو
من هو أحمد خاني
هو أحمد بن الشيخ إلياس خاني ،و قد اختلفت الروايات حول مسقط رأسه :
١- بعض الباحثين قالوا : أنّه من عشيرة ( خاني )
٢-و الصواب و كما أكدّ معظم الباحثين فهو من قرية
( خاني ) القريبة من مدينة ( Bayezîd بايزيد ) الواقعة في منطقة ( Hekarî هكاري ) في كردستان الشمالية .
نشأته و بيئته :
كانت الدولة العثمانيّة تحكم بالحديد و النار و تهمل شؤون البلاد و العباد و خاصة في المناطق الكرديّة فتدهورت الأوضاع الاقتصاديّة و ساءت أحوال العباد في ظلّ تلك الظروف القاسية و الأوضاع المريرة ولد ( أحمد خاني ) من أسرة فقيرة تعاني العوز و شظف العيش و قد عبّر عن فقره المدقع في بعض أبياته قائلا :
Ez ettar im û ne Cewherfiroş im
Min bi xwe xwe tîmar kiriye
Tu kesî ez mezin ne kirime
Ez ji çiyayên van hevrazan me
Ev peyvan ji hinava dilê min derdikevin
أنا بائعٌ متجوّلٌ لا أبيع الجواهر
ترعرعت وحيدا معتمدا على ذاتي
أنا ابن هذه الجبال الشامخة
كلماتي تنساب من شغاف قلبي
الفقر الشديد لم يجعله يعشق المال و يقع عبدا و أسيراً له
لذلك نراه يناجي نفسه :
Navê te xweş û bi deng e
Ji sermiyanê hez neke
Polperestî mirovan xerap dike
Gunehê min li te be ne be pawanê sermiyanê
لاسمك صيتٌ و جمال
لا تعشق وتهيم بالمال
حبّ المال يحطّ من قدر الرجال
آمانة
لا تصبح خادما تحرس الرأسمال
تجربته و خبرته جعلته يدرك حقيقة أنّ ( المال سببٌ لكلّ المشاكل ).حيث قال :
( إنّنا نشاهد كيف أصبح المال سببا رئيسا لكل الحروب و النزاعات و الخلافات ) .
( Em dibînin çawa sermiyan bûye sersedema
şer û cengan.)
آراؤه و أفكاره و مواقفه تكشف لنا و بوضوح ٍ غير قابل للشكّ كيف كان ( خاني ) يحارب و يقف بشدّة ضدّ الاقطاعيين و الرأسمال ( الامتلاك و الاحتكار )، و نقده اللاذع و نضاله بلا هوادة في محاربة الحبّ الأعمى للمال
يؤكد انتماءه للطبقة الفقيرة المسحوقة .
تلقى أحمد خاني علومه مثل معظم أبناء عصره من الجوامع و الكتاتيب و تتلمذ على أيدي شيوخ عصره في مدينة ( تبريز ) و ( بدليس ) .
و قد بدا عليه علامات النبوغ و الذكاء مذ كان في الرابع عشر من العمر .
و في سبيل تحصيل العلوم لم يمنعه الفقر عن السعي وراء هدفه فقد تجوّل ( أحمد خاني ) في مدن كثيرة و مراكز هامة لينهل و يشبع نهمه اللامحدود للمعرفة و من تلك المدن و البلدان :
( استنبول و بلاد الشام ، و مصر )
و في رحلاته تعلّم و تعرّف على الفلسفة الإسلاميّة و التصوّف و تعمّق فيهما و قد تركا أثراً عميقا في شخصيته و أفكاره حتى أنّه اشتهر في عصره و غدا علما من أعلام ( الفلسفة الإسلاميّة و التصوّف ) .
ولا بدّ أن ننوّه أن كردستان كانت ساحةً للصراعات الدمويّة بين الدولتين ( العثمانيّة و الصفويّة ) في عصر خاني الذي عايش تلك الحروب و رأى كيف كانت كلُّ دولة تريد أن تخضع الإمارات الكرديّة لهيمنتها ، و كيف كانت دماء الكرد تسيل هدرا في تلك الحروب المصالحيّة الطاحنة
نهل خاني من ثقافة عصره و تأثّر بشعراء عصره و بمن سبقوه فمن ومضات القوميّة للشعراء الذين سبقوه صقّل خاني موهبته و تأججت جمرة إحساسه القوميّ .
فقد تأثر ب بابا طاهر الحمداني الذي قال :
Êdî em wek şêran
Biçin ceng
Dijmin bişkînin
Da welatê me bibe cejin û buhar
Geş bibin rojên me
هيّا إلى الحرب كالأسود
نحطّم العدوّ و القيود
ليغدو وطننا ربيعا و عيد
و الأمل لأيامنا نعيد .
و من ثمّ يورد أبياتا ل ( ملا جزيري ) :
Gula ku ez ji bo wê xebitî me
Ma çê dibe Xwedê rê bide kesekî din
Da wê bêhn bike ???!!!
الوردة التي كافحت من أجلها أجل
و سقيتها من ماء المقل
إلهي !!!
أيجوز منحها لغيري
كي يلطخها بالشّمّ و القُبل .
ملا جزيري كرائدٍ للأدب الكردي كان محبا لوطنه عاشقا لكردستان و هو القائل :
Gulbaxê Botanm im
Şeb çiraxê şeva Kurdistan im
أنا زهرة عبّاد الشمس في جزيرة بوطان
و أريج نور القناديل لليالي كردستان
لقد عايش أحمد خاني أحداث عصره و غدا على قناعة تامة بأنّّ دماء الشعب الكردي تراق هباءً و الإمبراطوريتان الكبيرتان ما هما إلاّ قوّتا احتلال .
و لقد كانت لتلك الأوضاع الاجتماعية و الأحداث السياسيّة و التاريخيّة أثرا على ثقافة خاني و نفسيته و غدت من الأسباب الرئيسة لتكوين مواقفه من قضيته و شعبه فالأحداث الجسيمة جعلته أكثر تمسكا بهويته القوميّة فهاهو يتحدث عن عيد نوروز القوميّ :
Roja ku dibûye îda Newrozê
Sehra û çîmen dikirin mesken
Beyda û dîmen dikirin gulşen
كلما طلّ نوروز علينا و سكن
اتخذوا البيد و البيادر والحدائق مسكن
و هو يريد القول :
عندما يطلّ عيد نوروز تخفق قلوب العشّاق الذين كانوا يتخذون من الحدائق و البساتين و حتى الأراضي الجرداء مقاما لعشقهم و خاصة الفتيان و الفتيات و كانوا مثل الجواهر النادرة القليلة يستفئون بظلال الخمائل و هم يلبسون الأثواب المزركشة الجميلة ، يتبادلون النظرات و يتأملون بعضهم البعض مباشرة ……
أراد أحمد خاني أن يضع موهبته في إتقان اللغات ( التركية و الفارسية و العربيّة ) في خدمة أبناء شعبه و بخاصة الأطفال لذلك ألف قاموسا باسم :
( ( Nûbuhara biçûkan
و هو قاموس ( كردي – عربي ) و توّج اهتمامه بأبناء شعبه بأن قام بافتتاح المدارس و الصفوف للأطفال يدرّسهم بشكل طوعي لإدراكه بأنّهم أمل المستقبل لذلك اعتنى بهم و كرّس لهم حيزا من وقته يعلمهم و يزرع فيهم القيم و حبّ اللغة .
كان خاني و كما أسلفنا يتقن العديد من اللغات و لكنه كان يفضل أن يكتب بلغته الأم ( الكرديّة ) لقد أراد من خلال تركيزه على لغته رغم الظروف القاسيّة إيصال رسالة إلى الحكام و الشعوب المجاورة فحواها :
( كيف لكم الحقّ أن تكتبوا بلغتكم الأمّ ،كذلك يحقّ للشعب الكرديّ أن يكتب بلغته الأمّ ) .
و من جهة أخرى أراد أن يخبر شعوب العالم :
اللغة الكرديّة ليست لغة محادثة فقط و لكنها لغة الكتابة و النتاجات الأدبيّة أيضا ، و يستطيع أن يصبح قسما من الحضارة الإنسانيّة .
بملحمته الفنيّة الفريدة و الرائدة ( Mem û Zîn مم و زين ) أكد خاني Xanî للعالم بأنّ الأدب الكرديّ و اللغة الكرديّة تستطيعان إن أتيحت لهما الظروف الملائمة بأن تصبحا جزءا من الأدب العالمي .
صحيحٌ أنّ Xanî قد أدرك بأنّ اللغة الكرديّة في عصره و بسبب الاضطهاد و القمع و الاحتلال ليس غنيّاً و لا يرتقي
إلى المستوى المطلوب و لكنّه تجاوز هذا الواقع و أحبّ لغته الكرديّة كثيرا و في هذا السياق قال :
( لغتي كطفل عزيزٍ على قلبي ) و هو في قصائده يتحدث عن لغة نتاجاته الأدبيّة و يكتب في هذا المنحى قائلا :
Eger ev mêwa hîn baş ne gîhabe
Lê ew bi zimanê Kurdî ye.
Eger ev zarok ne ciwan be.
Lê ewa mîna zarokê yekemîne.
Ew li ber dilê min pir giranbuha ye.
إذا الكرم لمّا ينضج
و لكنّه باللغة الكرديّة
إن لم يكن هذا الطفل جميلا
و لكنه يشبه الابن البكر
فهو عزيزٌ و غالٍ على قلبي
و في مكان آخر و في نفس المعنى تقريبا يضيف قائلا :
Ez ji zanyaran hêvî dikim.
Ku ew nêçîra şaşiyan ne kin
Weke çavtengan şaşiyên min
Necersînin.
Lê bila ew kêmasiyen min.
Serast bikin.
من العلماء رجائي
ألاّ يفضحوني بغلٍّ
و يتصيدوا زلاتي
و لا ضير أن صوّبوا هفواتي
و يتابع قائلا :
Eger di berhema min de kêmasî û
Rexne jî bibin.
Lê ewa sadeye ,ne derew e.
û bê gûman ewa bi Kurdiya
Xwe resen e.
لو تجلّت النواقص و النقد في نتاجاتي
لكنها بسيطة و غير ملفّقة
و من دون شكّ
فهي بالكرديّة الأصيلة .
إنّ ملحمة ( مم و زين ) لم تكن مثاب فخر و اعتزاز و إعحاب عند الكرد وحدهم بل غدت عند الشعوب الأوربية
مصدرا مهما من مصادر البحث و المعرفة .
و كما قلنا فإنّ ( أحمد خاني ) كان مفكرا في محالات متنوعة ، و كان يتقن العديد من اللغات ; لذلك تسربت العديد من المفردات الدّخيلة ( كالمفردات العربيّة و التركيّة و الفارسيّة ) إلى نتاجاته ، و لكن كانت للثقافة العربيّة و بالأخص الدين الإسلامي ( التفسير و الفقه و السيرة النبوية و علوم الحديث و القرآن …) و الأدب العربي الأثر الأكبر على ثقافة خاني . و على سبيل المثال لا الحصر يورد خاني بيتين يتجلى فيهما تأثره بالشعر العربي :
Ciwanî û buhar û gulîstan û dîlber
Em çi ji vê dinyayê ji bilî van dixwazin
فهو يقتبس البيتين السابقين من جميل بثينة :
حلّت بثينة من قلبي بمنزلة /
بين الجوانح لم ينزل بها أحد /
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل
إلى اليوم يمني حبّها و يزيد
الشاعران أحمد خاني و جميل بثينة لا يريدان من هذه الدنيا سوى المحبوبة .
و كذلك تأثر خاني بابن زيدون ( القرن الثامن عشر )حيث ينادي ابن زيدون النسيم قائلا:
يا نسيم الصبا بلّغ تحيتنا / من لو على البعد حيّا كان يحيينا
و نجد أحمد خاني يخاطب النسيم بقوله :
Baweşînê!!
Tu dikanî werî cem min û min çi daye te
tu ji ber min ve wê bixwe re bibe
أيّها النسيم
أتستطيع أن تأتي إليّ
و تحمل معك ما أعطيك ؟؟!!
و تمضي
لقد اقتبس خاني من القرآن الكريم الكثير من المفردات مثل:
( القبلة و الكعبة و الطواف و العُمرة .. . الخ )
إضافة إلى ذلك …….
تتبع في الحلقة القادمة