اعتذاريات شاعر عاشق

خالد إبراهيم 
ليسَ كُلّ مَنْ يَبْتَسِم هُوَ سَعِيد ، أحياناً حَتَّى الْحُزْن ، يَرْسِم عَلَى وجهكَ مَجْمُوعة خَرَائِط تنبعُ مِن جَوْفِهَا جحافلٌ مِن السَّعَادَة ، إلَّا أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِن الْأَلَم 
نتفاجأ أحيانًا ، أَنَّ هُنَاكَ مِمَّن يستمتعون بِسُقُوط الْآخَرِين ، و يراهنون أنكَ ضعيفٌ بِمَا يَكْفِي 
نحزن كثيرا ، و أحيانا دون سبب ، و أحياناً أخرى نتألم دون حزن. 
هذا ما قاله الحب بعينه ذات مساء ، فلا نحن نستوعب فرحتنا و لا نستهجن آلامنا المشوية في أطباق ذهبية مرصعة بالدمع و الفقد .
لا الرصيف يبتلع خطواتنا، و لا هذه الخطوات تلتمسُ دفء الأيام التي مضت و التي ستأتي ، و لسنا مسؤولين عن هذا الصقيع المتبادل بين الفينة و الأخرى ، هكذا هي مشيئة القدر .
ربما تأخرنا كثيرا لإيجاد الحب الذي كان يوماً قُبلةً للناس من أقصى المعمورة إلى اقصاها ، الحب الذي جابه أقوى ديكتاتوريات العادات و التقاليد العشائرية البالية ، الحب الذي نعرف تماماً كيف تمت ولادته و كيف مات و مازال طاهرًا و بريئا ، الحب الذي راهنَ عليه المئات أن لم يكونوا بالألوف ، و ما زالوا يدقون آسفين الاسمنت الصلب و الكثير الكثير من شوك الصبار ، .
أين كُنا ؟
أين بقينا ؟
أين تنتهي قصص الأحزان ؟
يقودنا شعورٌ ممتلئ باللامُبالاة ، و روح التحدي و نبضُ اليقظة ، 
كانت صدمة لا يمكن أن أتجاوزها عبر كوب مِن القهوة السمراء و لا الغطس في الشاي الماجن مِثل دمي ، و لا يمكن أن أصف ما فعلته يوماً و كيف تحول الآن إلى تمساح يريد ابتلاع نفسينا بهدوء لا يعلم به سِوى قلبانا المتعبان . 
لم يكن هذا ما أريده ، و لم أخطط لِتجاعيد حياتي و شيخوختي القادمة لهذا المستوى مِن الرداءة و الألم الصلد و الجاف، مِثل أرض قاحلة ، 
لا و ألفُ لا ، أنا الذي حلمتُ كيفَ باستطاعتك أن تُبعدي الدمعة عني ، و تدفعي جحافل الحزن و الألم عني إذا زارني مساءٌ ظالم ، أن تحمي جسدي من غضب أظافري ، و تتوسطي المسافة بيني و بين الخناجر التي تُريد حتفي هكذا، 
نعم 
أنا الذي تجاوزتُ الممنوع و جعلته مرئياً و مسموعًا و مسموحًا لمن يأتي مِن بعدي ، و لم أشارك في مهزلةٍ يوماً ، و لم أندم و لن أندم على شيء فات و مضى ، و لستُ ممن يُجيد ركوب القطارات المُتعبة و لا حتى على ظهور هؤلاء الذين يراهنون على سقوط آخر و رقة التوت التي تتوسط بيتنا الطيني في تلكَ القرية ، سأبقى أحفر اسمي و اسمك أينما كنتُ ، ليسَ غباءاً ، بل هو تذكارٌ أريده أن أراه أينما وطأت قدماي ، و أعترفُ أنني خذلتكِ كثيرا و كثيراً و مرات و مرات ، انهزمتُ بعدد نجوم السماء أمامكِ و بقيت أنتِ كما اليقين الصلد الطاهر، مِثل وجه الله على الأرض . 
لم أقصد ايذاءكِ أو الإساءة إليك، و أنتِ معي ، العبرة و ما فيها كان لدي دماغٌ أفكر به و يدلني على حجرة مليئة بالخطيئة العابرة ، لن أحتمل نفسي بعد اليوم ، و لن أعلن عن انتصار أو هزيمة ، و لكنني أتساءل :
كيف لي أن أغتسل ؟
مَن يستطيع مساعدتي لسلخ جلدي هذا عن عظمه الفاسد ؟
أرقص ثم أرقص ألمًا ، و تشنقني حبال الليل الدامس ، لا ، لا ، سأحفرُ حُفرة في ديجور الفراغ و العتمة ، حاملاً ما تبقى مِن سِلال التفاح المطعون بحقنة الألم .
هكذا مِثل عُري هذه الاشجار ، و صمت هذه البحيرة ، و شغف العُشب على أديم هذه الأرض المُتسخة بكل شيء مضى و سيأتي ، مراهنا على ضعفي و حتفي ، ألا أنني أنبتُ من كَبد القوة و الوجود ، لستُ سهلا ، و لستُ لينا ، و لستُ سلعة حين الحاجة ، أرى نفسي كطلقة قناص تخترق قوة الصمت و الصوت و الاحتمالات .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…