نارين عمر
ولّدت هذه الحرب الجارية منذ سنوات على عموم البلاد نتائج مأساويّة مدمّرة من مختلف نواحي الحياة، وكان من نتائجها الأكثر دماراً للأرض والمجتمع معاً ظاهرة استحواذ السّلاح المرخّص وغير المرخّص من قبل غالبية الشّعوب في سوريّا ووجوده في معظم بيوتها، وبات في متناول جميع أفرادها من الكبار والصّغار معاً وكأنّ هذا السّلاح مصنوع من البلاستيك لرشّ الطّفل من خلاله المياه على رفاقه وأترابه.
ولأنّ شعبنا الكرديّ متضرّر أكثر مّما هو مستفيد في هذه الحرب فقد سارع معظمهم إلى امتلاك مختلف أنواع السّلاح ولكنّ معظمهم أيضاً لا يمتلكون موجبات الحفاظ عليه والتّعامل معه، فيتحوّل من أداة موجودة للحفاظ على سلامتهم وحمايتهم من أيّ هجوم أو أمر طارئ إلى أداة فتّاكة تفتك بهم وتقتلهم أو تصيبهم بعاهات دائمة، وتفتح جروحاً جسديّة ونفسيّة فيهم، وهذا ما نراه ونسمعه من انتشار ظاهرة الانتحار في مجتمعنا الكرديّ أيضاً بشكل مثير للمخاوف والوساوس.
لو لم يكن السّلاح في متناول اليد لما سارع هذا الشّخص إلى قتل نفسه بنفسه في لحظة غضب أو يأس أو قلق أو إلى قتل من يخالفه بالرّأي أو المعتقد ولجوء بعضهم إلى تصفية حساباتهم الشّخصيّة أو العشائريّة أو المذهبيّة ، بل يتجاوز الأمر إلى ممّا هو أسوأ وأعنف حين يمازح صبّي صديقه أو زميله بتصويب السّلاح نحو صدره أو رأسه ظنّاً منه أنّه فارغ من الطّلقات ليتفاجأ هو والآخرون بوجود طلقة فيه تكون الفيصل الذي يفصل الرّوح من الجسد. كذلك العادة القديمة والمتجدّدة في المناسبات العامّة والخاصّة وفي حفلات العرس والنّجاح وأعياد الميلاد ورأس السّنة أو في مراسيم العزاء والتّعبير عن الحزن والأسى وغيرها التي يلجأ فيها المحتفلون إلى إطلاق الأعيرة النّارية بكثافة ودون وعي وإدراك بعواقبها ويُصاب فيها شخص أو أشخاص بجروح قد تودي بحياتهم وتنهيهم من الوجود في غمضة عين.
يجب معالجة هذا الموضوع بأقصى سرعة من قبل الجهات المعنيّة والالتفات إلى هذه الظّاهرة الخطيرة جدّاً وتلافيها بكلّ إمكانيّاتهم بل بذل جهود إضافية لعدم تكرار مثل هذه الحالات التي باتت تهدّد حياة مختلف شرائح مجتمعنا وخاصة فئة الصّبية والشّباب الذين يمرّون بمرحلة حسّاسة جدّاً من عمرهم يصعب عليهم التّمييز بين الصّواب والخطأ وبين النّافع والضّار لهم.
من جهة أخرى تقع مسؤوليّة كبيرة على عاتق الأهل الذين عليهم أخذ الحيطة والحذر في احتوائهم لأيّ نوع من أنواع السّلاح، وإخفائه في أماكن لا يعرفها سوى كبار العائلة، وعدم استخدامه إلا في الحالات القصوى التي يستوجب الاستخدام فيها.
نسمع في حالات كثيرة عن انتحار أشخاص في مجتمعنا وعندما نسعى إلى حقيقة ذلك نرى أنّهم انتحروا تحت ضغوط اجتماعيّة أو نفسيّة أو أسريّة أو ماديّة حادة وموجعة ولا شك أنّ ما بين التعقّل والجنون شعرة إذا بُتِرت ستؤدّي إلى بتر الرّوح عن الجسد، ونجد بالمقابل أنّ الشّكوك تحوم حول عمليّة انتحارهم، هل هم فعلاً من قاموا بالانتحار أم هناك من أجبرهم على ذلك أو قتلوهم عمداً ثمّ ادعوا بقيام المقتول بذلك؟ وبذلك تنقسم الأسرة على نفسها وينقسم المحيطون بهم ويعيشون طول العمر بين نيران الشّك والرّيب فيما جرى وحدث لهم وهذا بحدّ ذاته نوع من أنواع القتل الرّوحي والنّفسي.
من حقّ كلّ شخص امتلاك نوع أو أكثر من أنواع السّلاح في بيته أو مكان عمله أو تواجده في ظلّ هذه الظّروف الاستثنائية القاسية التي يمرّ بها شعبنا ولكنّ ليس من حقّهم التّصرف به بشكل خاطئ أو التّباهي به أمام الآخرين أو تركه أمام ناظريّ الصّغار واليافعين، لأنّهم بهذه التّصرفات اللامسؤولة يساهمون في قتل نفسهم بنفسهم وغالباً ما يكون الضّحايا من أحبّتهم وذويهم ومعارفهم.
المقال الافتتاحي لجريدة القلم الجديد العدد 94