سيرة حياة من عاموده الى الغربة مرورا بدمشق

فؤاد كمو
عندما اعود بذاكرتي الى الوراء، وفي الخمسينات من القرن الماضي، كنت في مدرسة صلاح الدين في حارة قدور بك والقريبة من مركز الجمارك القديمة على طريق محطة القطار، كنت اعيش في بيت جدي خليل كمو، فهناك معالم ما زالت معلقه في الذاكرة، كجسر البشيرية المرتفع وتحته الوادي الذي تباع فيه اعمدة الاشجار (بشت) لسقوف بيوت القرويين، لكن المشهد الاكثر اثارة وانت تنظر من فوق الجسر الى الوادي هو مجموعه من الطواويس بألوانها الزاهية، وكنت احياناً انتظر حتى تنفث ريشها ، ذلك المشهد الملون البديع والمؤثر في ذاكرة الطفولة، وكذلك لم انسى ذلك الحلبي الضخم والبدين الذي كان يقف على ناصية الجسر ويبيع الحلويات وهو ينادي بصوته الاجش (تعال دوق كلو سمن) وكذلك البائع السوداني المتجول الذي كان يبيع الفستق السوداني الساخن في شتاءات المدينة.. 
 وهناك سوق القامشلي المغطى للأقمشة حيث كانت بارده ورطبه في ايام الصيف ، حيث كان تدور فيها حكايات التجار٠ وفي هذه القيصرية كان هناك رجل مسن بائع متجول يحمل سله ويبيع لحم بعجين وهو يرتدي صدريته البيضاء الناصعة وكان معلم في السوق ٠
ولا انسى قهوة ايشو الذي كانت يربطه علاقه صداقه مع والدي ، وايضا مقهى كربيس الشهير برواده من مخاتير القرى٠ بعباءاتهم المزركشة بالخيط الذهبي ٠
وفي غرب المدينة حيث تقع السبع بحرات القريبة من مشفى المدينة والقصر الذي خطب فيه جمال عبد الناصر من البلكون في الجماهير، كما ورايته وهو يمر بسيارته وانا واقف على حافة الشارع مع تلاميذ المدارس. وفي شمال المدينة تقع البئر الفرنساوي الشهير وثكنة الجيش الفرنسي الكبيرة. 
هذا ما راودني عندما قرأت ما كتبه الباحث والشاعر ( كوني رش )، ادناه، وكان بوحاً رقيقاً عن تلك المدينة بمناسبة بداية تكوين مدينه قامشلو، وذلك الفسيفساء الاجتماعي الذي ساهم واثر على بناء سوريا، حيث يقول كونى ره ش:
“وبعد 93 حولاً، لك يا قامشلي حبي والاعجاب الشديد..! زرتك أول مرة وانا صغير مع والدي، ما كنت اعرف حارة (قدور بك) بساكنيها من الأومرية والمحلمية، ولا حارة (اليهود) بالقادمين اليها من نصيبين وزاخو، ولا حارة (البشيرية) بكردها ومسيحيها من منطقة بشيرية وخرزان، ولا حارة (الأشورية) بالآشوريين القادمين اليها عام 1933 من سيميل، ولا حارة (السريان) ولا حارة (الأرمن) بالناجين من مجازر العثمانيين اثناء الحرب العالمية الاولى.. بهرني مصابيحك وأنا القادم من بيادر قرية (دودا).. بهرني (البدن)، وخرير مياه نهر جقجق.. ما كنت قد سمعت باسم جكرخوين، ولكن رأيت قصائده تتدلى من اسطحة المنازل في الحي الغربي..! وقصائد جورج سعدو في شوارع حي الوسطى..! واغاني كربيت خاجو وآرام ديكران تسمع من خلال النوافذ المشرعة.. رأيت شارع القوتلي ومانوك مليئتان بالضوء.. وأسواق مليئة بالسكاكر والحلوى والثياب الملونة.. توقفت للتمعن بهذه الأشياء، لكن والدي شدني من يدي وهو يقول: عيب..! مشيت الى جانبه.. ومشى التاريخ امامي، فصرنا أصدقاء.. وصرت ابحث عنك كلما غبت عني.. وانت ملئي بالحوادث.. كم من الحوادث مرت ونسيت مع الأيام في شوارعك.. علينا ان ندونها كي لا تذهب ريحها الأيام.. كل عام وانت بخير..”

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…