كلمات خارج القاموس

إبراهيم محمود
كلما سمعتُ بكلمة  خريطة “
صرخت ذاكرتي في صمت مجلجل
وأنا إزاء وطن ممزَّق
 صُيّرتُ فيه وعنه غريباً
الخريطة مشنقة تلتف حول روحي المرتعشة
 في زمهرير التاريخ الصفيق
الخريطة وجه الآخر المستبد الذي لا يعدو
 أن يكون فمَ غول بامتياز
أي لغة قادرة  يا تُرى
على إحصاء فظائع الأعداء
 بخريطتي مقطعة الأوصال؟
***
كلما أبصرت حدوداً
أشعر بقدمي على صفيح ساخن
بيني وبين الحدود
 ثارات لا تكف عن توتيري
فأنا مذ ما لست أدري
 مطارَد بالحدود
وفي حدود تنكّل بذاكرتي
 وذاكرتي تقبض على جمر حدودها
لا حدود مؤمَّن عليها 
لأؤقّت عليها ساعتي
***
كلما أبصرت طريقاً
تلبَّسني سخط وغضب
ما الطريق إلا احتساب الفخاخ في المجمل
عن الطريق الذي أثقِل
 بقطاع طرق التاريخ وقتلته
الطريق الذي يحول 
دون بلوغ إلى وطن
 تجزأ خرائطياً
ما الطريق إلا الانفتاح 
على هاوية صفيقة في بنيتها
***
كلما نظرت إلى قمة جبل
ارتعشت روحي
ارتعشت أطرافي
تملّكت حمّى ظلي التليد
جبل واحد جموع جبال
وهي تختزن ألوفاً مؤلفة من ضحاياي
وأنا أتخيل طائرات محمّلة بالموت
وهي تقصف جبلي على ارتفاع منخفض
سعياً إلى إعدامه الطبيعي بكل ما فيه
من تحرّى تنهدات الجبل 
على مدار الساعة؟ 
***
كلما نظرت في واد
جفلت وتراجعت إلى الوراء
ليس من واد لي إلا وفيه صرخات مكتومة
 لمن عهدتهم بني جلدتي
لا واديَ أعرفه وليس يشكو
 أنات ضحايا دون انقطاع
كل واد لي موصول بسواه 
وثمة جراحات تملأه صرخات
***
كلما تهجأت نهراً
اقشعرت ضفتاه أمام ناظري
وتملك ذعْر مياهه وهي تتباطأ 
وهي تتوكأ أحزاناً موغلة في القدَم
من يعرف أحزان المياه التي
 تختلج بالدماء بالغة السخونة
من عاش مسكوناً بحداد النهر 
كفن سائل أعلاه
قبر فاغر فاه أسفله
وبينهما تستعر جغرافيا
وبينهما تاريخ في حيرة من أمره؟
أي نهر من أنهاري
 ولا يعاني طعاناً تبدده هنا وهناك؟
***
كلما نظرت في جهة
توتر داخلي
فليس من جهة أمِنت علي
أنا نزيل جهاتي 
وجهاتي سديدة في علاماتها العاصفة
من جرّب الإصغاء إلى ولولات الجهات
وهي ترثي أهليها المطاردين من تربتهم ؟
كل الجهات شهود عيان
 على شعب تقاسمته مطامع الاعداء
***
كلما وقعت عيني على طفل صغير
أكاد أفقد وعيي
وأنا أستعيد صور آلاف أطفالنا وهم يقضون
في الأرحام
على صدور أمهاتهم
وهم بأيدي أمهاتهم
ويُنذرَون قرابين على مذابح الأعداء الدمويين
***
كلما أبصرت امرأة حاملاً
ترتج ذاكرتي
وأنا أتصور جرائم الأعداء وهم 
ينالون من صبوات نسائنا
من حيوات نسائنا
من أحلام نسائنا
سعياً إلى تبديد كل أثر للحياة في نفوسهن
وقائمة الإبادات الجماعية التي لم تتوقف
من يمكنه وصف وجع المرأة الحامل
 بوطن
 ممنوع من التسمية؟
***
كيف لي أن أظهر للعالم فرحي؟
حين يصبح شجري للأعداء غنيمة طبيعية
ولي مشنقة
حين يصبح مائي واهب حياة لأعداء
ولي فاعل موت غرقاً
حين يصبح جبلي مصطافاً للأعداء
وسوطاً نارياً يلتف على روحي
حين تصبح سمائي جالبة فرح للأعداء
وباعثة على الغم والهم
حين تصبح تربتي غلالاً للأعداء
وأغلالاً لكل ما يعنيني ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبحي دقوري

 

مقدمة

تمثّل قراءة جاك دريدا لمقال والتر بنجامين «مهمّة المترجم» إحدى أكثر اللحظات ثراءً في الفكر المعاصر حول الترجمة، لأنّها تجمع بين اثنين من أهمّ فلاسفة القرن العشرين

— بنجامين: صاحب الرؤية «اللاهوتيّة – الجماليّة» للترجمة؛

— دريدا: صاحب التفكيك والاختلاف واللامتناهي لغويًا.

قراءة دريدا ليست شرحًا لبنجامين، بل حوارًا فلسفيًا معه، حوارًا تُخضع فيه اللغة لأعمق مستويات…

ماهين شيخاني

 

المشهد الأول: دهشة البداية

دخل عبد الله مبنى المطار كفراشة تائهة في كنيسة عظيمة، عيناه تلتهمان التفاصيل:

السقوف المرتفعة كجبال، الوجوه الشاحبة المتجهة إلى مصائر مجهولة، والضوء البارد الذي يغسل كل شيء ببرودته.

 

كان يحمل حقيبتين تكشفان تناقضات حياته:

الصغيرة: معلقة بكتفه كطائر حزين

الكبيرة: منفوخة كقلب محمل بالذكريات (ملابس مستعملة لكل فصول العمر)

 

المشهد الجديد: استراحة المعاناة

في صالة…

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.
رفوف كتب
وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف…

إعداد وسرد أدبي: خوشناف سليمان
(عن شهادة الراوي فاضل عباس في مقابلة سابقة )

في زنزانةٍ ضيقةٍ تتنفسُ الموت أكثر مما تتنفسُ الهواء. كانت الجدران تحفظ أنين المعتقلين كما تحفظ المقابر أسماء موتاها.
ليلٌ لا ينتهي. ورائحةُ الخوف تمتزجُ بالعَرق وبدمٍ ناشفٍ على أرضٍ لم تعرف سوى وقع السلاسل.
هناك. في ركنٍ من أركان سجنٍ عراقيٍّ من زمن صدام…